مطلوب زعيم فلسطيني على مقاس التسوية
بقلم /
الأستاذ عبد الرحمن فرحانة
الابن
المدلل – الرئيس الفلسطيني المنتظر – الذي تحلم به الأطراف الدولية
والإقليمية ينبغي أن يكون مفصلاً بقالب ديمقراطي – كتوابل محسِّنة- ووفق
مقاس التسوية .
فخامة
الرئيس المقبل الذي ستحضن سجادة التشريفات الفلسطينية الحمراء قدميه يلزم
أن يلبس نظارة سياسية أمريكية صافية ، وعليه أن يحمل بين يديه وفي دماغه
بوصلة تفكير "إسرائيلية" وإلاّ فلن تعزف له فرقة التشريفات الرئاسية أي
لحن فلسطيني قريباً من "المقاطعة" أو بعيداً عنها .
ربما
هذا بعض ما تريد قوله كلمات الكاتب الصحفي الفلسطيني عدلي صادق في سياق
إجابته عن سؤال حول ماهية معايير اختيار فتح لأبو مازن كمرشحٍ لها دون قصد
مباشر لذلك، لأنه دافع عن الرجل وعن أجندته وحتى عن دينه ، لأن متطلبات
المرحلة تقتضي حتى الاهتمام بهذه الرتوش التي كان لا يؤبه لها سابقاً لضمان
تسويق المرشح الفتحاوي الذي يفتقر للشعبية اللازمة .
يقول
عدلي صادق ... الترشيح – لأبو مازن- في فتح جرى على أساس العوامل التالية:
1 - أن يكون المرشح من الإطار القيادي الأعلي.
2 - أن يكون المرشح لاعبا أساسيا في عملية التسوية الراهنة أو المعطلة، لكي
يحافظ على الزخم السياسي للتجربة الفلسطينية الموجودة في البلد.
3 - أن تكون قد تأسست للمرشح في ضوء البند رقم: 2 علاقات إقليمية ودولية في
مناخ هذه العملية للتسوية.
4 - أن يكون المرشح متواجدا على جغرافيا العملية السلمية وهذا ما كان
يتوافر في أبو مازن دون غيره، ومن أجل هذا كان الإجماع الفتحاوي على أبي
مازن.
وحتى
يؤكد المرشح صاحب الحظوة والحظ الأعلى ملامح أجندته التسووية التي يؤمن بها
حتى اختلطت بخلايا نخاعه أعلن في سياق تصريحاته الحالية عن مفرداتها في
مواقف عدة فصرح :
-بأنه
يريد سلطة واحدة وسلاحاً شرعياً واحدا وفي نيته جمع السلاح والمستهدف سلاح
المقاومة
-وقال
بأنه ينبغي ألا يؤثر حق العودة على الميزان الديمغرافي للكيان الصهيوني
-وقد
أمر بوقف ما يسمى بالتحريض على الإرهاب في وسائل الإعلام
-وهو
صاحب مصطلح "عسكرة الانتفاضة" ويؤمن بعبثية خيار المقاومة وما زال يردد هذه
القناعات راهنا .
وعلى
صعيد حملة الإسناد عملت الأطراف المعنية على دعم المرشح المستهدف بجهود
سياسية ومالية وإعلامية . فمرشح هذه الأطراف المدلل قررت الإدارة
الأميريكية دعمه وبحالة كرم أمريكي عارضة بـ(20) مليون دولار أمريكي
"كمصروف جيب" لإنعاش حملته الانتخابية المباشرة وغير المباشرة . فضلاً عن
(55) مليون يورو من المجموعة الأوروبية .
على
صعيد سياسي وفي الضفة الصهيونية أصدر شارون تعليماته الصارمة لوزارائه بعدم
مدح أبو مازن أو التطرق للشأن الفلسطيني وبالذات بخصوص الانتخابات
الفلسطينية حتى لا يفهم أن "إسرائيل" تدعم طرفاً دون آخر ومخافة تدنيس حملة
أبو مازن في نظر الجمهور الفلسطيني .
وفي
الإطار العربي تم استقبال أبو مازن في القاهرة وعمان وحصل على المباركة
العربية بل تعداه إلى عاصمة الممانعة العربية دمشق حرصاً من أبي مازن
والأطراف الداعمة له على أن تصوره عدسات التلفزة هناك لاكتساب "البريق
الوطني" اللازم لتوفير الزخم لحملته الانتخابية ، ولأن صناعة الزعيم تقتضي
توفر مفردات وطنية حرص المرشح المدلل في عاصمة الممانعة أن يركز على ضرورة
التشاور والتنسيق وتناغم المسارات مع أنه الأب الروحي لأوسلو التي هي أفسد
أنماط الانفراد التفاوضي .
وإعلامياً يعمل الإعلام الفلسطيني المحلي على تسويق الزعيم الجديد حتى أن
بعض الصحف المحلية نشرت له صوراً وهو يؤدي الصلاة ، وعمدت تلك الصحف على
إغفال بقية المرشحين لدرجة أثارت حفيظة بعضهم مثل المرشح المستقل
البريفيسور عبد الستار قاسم مصرحاً بشكواه حول ذلك التهميش . ويلاحظ أن
نتائج الاستطلاع الحالية بدأت ترفع من نسبة شعبيته وبقدرة قادر من قرابة
الـ2% قبيل وفاة الرئيس عرفات إلى أكثر من 40% وبعضها جعله متفوقاً حتى على
البرغوثي . ولا يخفى على أحد الاثر السيكولوجي لهذه الاستطلاعات ونتائجها
على نفسية الجمهور الفلسطيني المتيهأ لجولة الانتخابات . وحتى الإعلام
العربي بشكل عام لم يخل من تواطؤ بهذا الخصوص بل انهالت الأقلام التي كانت
نائمة خلال الانتفاضة لتكيل معلقات المديح بالفارس التفاوضي المقبل .
فارس
التسوية المدلل تم إصلاح الساحة الفلسطينية لصالحه وصالح خياره منذ أمدٍ
وبنفس طويل وباتجاهات عدة ، من ضمنها إزاحة العقبات حتى ممن يعملون في حقل
التسوية كالرئيس عرفات بغض النظر عن التجاذب الجاري حول طبيعة أسلوب
الإزاحة الذي أتبع ، وشملت التهيئة تغييب البرغوثي وراء القضبان ، أما
فوارس المقاومة فقد تم اغتيالهم وعل رأسهم ياسين والرنتيسي لأن متناقضون
بحدة مع التسوية وقد فشلت كل الأساليب التي مورست لتحييدهم .
ولأن
البرغوثي ما زال يعاند من خلف القضبان فمعظم سيوف فرسان التسوية من فتح تحز
في رقبته سياسياً ، وتتقاطر على باب سجنه لثنيه عن قراره الذي يهدد فارس
التسوية عبر الترغيب والتهديد ، وبحجة شق الصف الفلسطيني ، وفتح على وجه
الخصوص لأنها عصبة الرئيس المنتظر وحاضنة أجندته التسووية .
ولكن
مهما تم من تجهيزات لصناعة الزعامة المطلوبة إلا أنها لن تكون قادرة على
القفز على ثوابت الحقوق الفلسطينية مهما امتلكت من بريق المال ورائحة
البارود المتوقعة ، فخيار المقاومة سيبقى بالمرصاد. وتاريخ نضال هذا الشعب
عبر قرابة قرن من الزمان يعطي درساً بليغاً مفاده أن من يلعب بنار الحقوق
الفلسطينية يحترق وينزوي متفحماً على قارعة التاريخ .
|