نعم لمنظمة التحرير..
ولكن!
م. بدر الدين حمدي مدوخ
أعلن المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة
القدس في 28/5/1964 عن عدة قرارات كان أهمها: قيام منظمة التحرير
الفلسطينية كقيادة
معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير، ودرعاً لحقوق
شعب فلسطين
وأمانية، وطريقاً للنصر، وهذا المؤتمر وقراراته كان استجابة لنداء
الرئيس الراحل
جمال عبد الناصر في مؤتمر القمة العربي الأول الذي انعقد في القاهرة
بتاريخ 13/1/ 1964
بإنشاء كيان فلسطيني يعبر عن إرادة شعب فلسطين، وكان هذا النداء بمثابة
خطوة
لمواجهة عزم الكيان الصهيوني تحويل نهر الأردن.
في ذلك الوقت كانت فتح لم تعلن عن نفسها كحركة تحرير
وطني بعد، وكانت تعمل بسرية تامة، لكن قيادتها لم يرق لها أن ترى هذا
الكيان
الناشيئ والمدعوم عربيا ليسيطر على الساحة الثورية الفلسطينية، وهي
الحركة –أي فتح –
التي ومنذ نشأتها تضع نصب عينيها تمثيل الشعب الفلسطيني مما حدا بقيادة
حركة فتح
بوضع برنامجا عنوانه (الحركة والكيان المقترح)، والمقصود هنا منظمة
التحرير، وكان
الهدف من البرنامج إحكام سيطرة فتح على هذا الكيان الجديد لما له من
بعد عربي ودعم
قومي يهدد –كما يظن قادة فتح ذلك- وجود حركة فتح.
ولم تدخر قيادة حركة فتح أي جهد في زعزعة قيادة المنظمة
بقيادة أحمد الشقيري والذي كان مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية،
والذي زاد من
شعور حركة فتح بالخطر عليها هو إنشاء جيش التحرير الفلسطيني، فلقد جذب
هذا الجيش
بعض أعضاء حركة فتح المتشوقين للعمل العسكري، حيث لم تكن حركة فتح قد
بدأت عملها
العسكري بعد، وهذا ما دفع بحركة فتح بالبدء بالعمل المسلح مطلع عام
1965 قبل نضوجه،
مما عمل على حدوث كيان جديد على الساحة الفلسطينية، وتصاعد الأمر- بقصد
السيطرة على
الساحة الفلسطينية، بتوجيه قيادة حركة فتح انتقادات شديدة لقيادة منظمة
التحرير
وجيش التحرير الفلسطيني ضمن رسالة بعثتها الحركة إلى المجلس الوطني
الفلسطيني
الثاني المنعقد في 28/5/1965، وكذلك طعنت فتح بالمنظمة وجيشها في رسالة
بعثت بها
إلى مؤتمر القمة العربي الثالث في الرباط بتاريخ 10/09/1965 وكانت
رسالتها متضمنة
بتعريف القمة بحركة فتح ونشأتها.
ولم يهدأ لحركة فتح بال حتى سيطرت على المنظمة بعد
استقالة رئيس اللجنة التنفيذية أحمد الشقيري في 24/12/1967 بعد
استخدامها لوسائل
مختلفة نزيهة وغير نزيهة لانتقاده، حيث وصل الأمر باتهامه من قبل حركة
فتح بأنه
يصدر تصريحات مضللة تعمل على إيهام الرأي العام العربي والعالمي بأن
المنظمة تقوم
بواجبها الوطني في الأرض المحتلة، واتهامه أيضا بشل عمل جيش التحرير
الفلسطيني،
لدرجة إعلانها أنها – أي حركة فتح- تؤكد بإصرار على عدم ثقتها بشخصه
وأعماله، وكانت
هذه الاتهامات ضمن رسالة أرسلتها حركة فتح إلى مؤتمر وزراء الخارجية
العرب في 9/12/1967.
وبعد تسلم يحيى حمودة رئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة تم
السعي لتجميع القوى الفلسطينية وإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني
ضمن نسب متفق
عليها، ولقد اشترطت حركة فتح للمشاركة بتعديل الميثاق القومي وكذلك
تعديل النظام
الأساسي للمنظمة بما يتوافق مع رؤيتها ومنذ اللحظة وحركة فتح تسيطر على
منظمة
التحرير.
إن سرد هذه الحقائق التاريخية الهدف منه استرجاع الذاكرة
التاريخية للشعب الفلسطيني لكي نستطيع فهم الواقع الذي نعيش، فماذا
سيقول القارئ
حينما يعلم أن قيادة المنظمة والتي تهيمن عليها حركة فتح قامت بـ:
-
تغيير الميثاق القومي
للمنظمة، وتقليصه إلى الميثاق الوطني، وبذلك أضعفت البعد العربي
والقومي
للقضية.
-
طرح مبادرة الدولة
الديمقراطية العلمانية التي تتناقض مع الميثاق الوطني الفلسطيني من حيث
إنها اعترفت
بحقّ اليهود بفلسطين.
-
ثم طرح مبادرة النقاط العشر
التي أيضاً جزّأت عملية التحرير.
-
قبول شروط أمريكا للاعتراف
بـ(إسرائيل) وبقراري مجلس الأمن 242 و338 ونبذ الإرهاب مقابل أنْ تعترف
أمريكا بحق
تقرير المصير للشعب الفلسطيني"، وفي هذا مخالفة واضحة للميثاق.
-
بمباركة لقاء عرفات برئيس مصر
التي كانت تخضع للمقاطعة، نظراً لتوقيع اتفاقية صلحٍ مع (إسرائيل) وذلك
في
الإسماعيلية عام 1983".
-
بإعلانها في القاهرة نبذ
الإرهاب عام 1985،وذلك على لسان رئيسها الراحل ياسر عرفات.
-
باعتراف المجلس الوطني
الفلسطيني بالكيان الصهيونيّ في مؤتمر الجزائر وكذلك الاعتراف بقرارات
مجلس الأمن
وبإعلان وثيقة الاستقلال التي تعترف بالكيان الصهيونيّ.
-
توقيع اتفاقيات "أوسلو" وتم
الاتفاق قبل تعديل الميثاق.
-
دعوة المجلس الوطني عام 1996
للانعقاد لتعديل الميثاق بما يخدم مصلحة المحتل وبمباركة الرئيس
الأمريكي
كلينتون.
لا أعتقد أن أحدا بعد ذلك يلوم أي فصيل يرفض الدخول تحت
لواء منظمة التحرير قبل إعادة بنائها وترتيبها وتغيير ميثاقها ليأخذ
البعد الأصلي
الذي من أجله بنيت المنظمة.
إن حركة فتح وجميع الفصائل المنطوية تحت مظلة المنظمة هم
الذين عملوا على قتل هذا المشروع العربي سواء بالمشاركة ببعض القرارات
المجحفة
والمهينة للقضية الفلسطينية أو بالسكوت أحيانا من قبل آخرين.
إن هروب حركة فتح ومعه اليسار الفلسطيني من حقيقة أنه
فقد تأييد أغلبية الشعب الفلسطيني في الداخل على الأقل لوضع العراقيل
أمام الحكومة
الجديدة لن يخدم فتح ولا اليسار الفلسطيني ولا غيره، مما يدعنا بالشك
وبقوة في
مصداقية الحرص على المنظمة كمشروع وطني لأن بمثل هذه الأساليب القديمة
الحديثة سيتم
دفن هذا المشروع، ولذلك على جميع القوى الفلسطينية بشتى ألوانها
وتوجهاتها أن ترجع
لتفاهمات القاهرة والتي تم الاتفاق عليها في مارس/آذار الماضي، وبأن
يعملوا على
إعادة دور المنظمة والتي عملت قيادتها على تهميشها وتذويبها في حركة
فتح، ولذلك نرى
أن حركة فتح نجحت في صهر المنظمة في بوتقتها كما خططت له من قبل لكنها
لم تستطع ولا
أظنها ستستطيع في التأثير على حركة حماس لأن الزمان تغير ولأن الوعي
تغير ولأن حراس
القضية الجدد من طراز فريد.
ونقولها بصدق نحن الفلسطينيون: نعم لمنظمة التحرير ولكن
إذا رجعت إلى جذورها وحملت على كاهلها مصلحة الشعب الفلسطيني ولم تفرط
في حقوقه ولم
تسلم للمحتل بما لا يملك، وإذا راعت مصالح الشعب الفلسطيني القومية
والتاريخية
وقبلها الإسلامية، عندها سيكون التيار الإسلامي –كما أعتقد- أول من
يحمي هذا
المشروع.