لماذا يتعثر إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية؟

 

أنس عبد الرحمن

صحيفة الوطن القطرية 28/3/2006

 

قبل عام بالتحديد كانت جولة من الحوار الفلسطيني جارية في العاصمة المصرية القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، من أجل الاتفاق على برنامج قواسم مشتركة للخروج بالوضع الفلسطيني إلى بر الأمان، واليوم عادت تلك المفاوضات والتي جرت في منزل الدكتور محمود الزهار رئيس الكتلة البرلمانية لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزة ولكن لإقناع تلك الفصائل بدخول الحكومة التي تشكلها حماس.

فوز «حماس» بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية نقل المفاوضات من القاهرة إلى منزل الدكتور الزهار ولكن ليس على قاعدة ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني إنما على قاعدة برنامج «حمـــاس» الذي طرحته لحكومتها القادمة، وكذلك نقل زمام تلك المفاوضات من يد فتح إلى يد حركة «حماس».

كان على جدول أعمال حوار القاهرة الذي عقد في مارس 2005 عدة نقاط هامة، وكانت حركة «فتح» كونها الحزب الحاكم في السلطة تقود دفة تلك المفاوضات لأنها هي التي تمتلك زمام الأمور، ومن أهم تلك النقاط كانت: الانتخابات الفلسطينية التي ناضلت «حماس» كثيراً من أجل إقرارها لأنها كانت تخطط لما بعد ذلك، وكذلك كانت قضية التهدئة وهي الورقة الرابحة في يد «حماس»، وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة لكي تضم الجميع بما فيها حركة «حماس»، ومسائل أخرى.

حركة «حماس» التي لم يكن عندها مشكلة أن تعطي تهدئة لمدة عام تشبثت في موضوع الانتخابات التي تأجل موعدها عدة مرات إلى أن أقر في 25 من يناير الماضي، ولم تكن الحركة متشجعة كثيراً للمسائل الأخرى كونها ستبنى على قضية الانتخابات التي بدأت تعمل لها منذ أكثر من عام لاسيما وأنها طالبت المواطنين وعناصرها للتسجيل لها وسعت لذلك قبل إعلانها أنها ستشارك بها أو لا، في حين أن بقية الفصائل لم تكن مكترثة كثيراً بذلك.

حركة «فتح» من جهتها والتي كان بيدها زمام الأمور في حوار القاهرة لم تتحرك في اتجاه ملف منظمة التحرير الفلسطينية كما أن الجبهة الشعبية الفصيل الثاني في المنظمة والتي طالما نادت بإصلاح المنظمة لم تتحرك كذلك بجدية لإصلاح المنظمة؛ كي يكون هناك إمكانية لدخول حركة «حماس» تحت مظلة المنظمة ظناً من «فتح» أن ذلك سيبقي المنظمة في يدها تسيطر عليها دون الانتباه إلى أن بقاء حركة «حماس» خارج المنظمة سيمنحها حرية أكبر في الحركة ويبقيها غير مقيدة بالاتفاقات التي وقعت عليها المنظمة.

حركة «حماس» تكاد تكون أكثر الفصائل المستفيدة من حوار القاهرة الذي حقق لها أمرين: الأمر الأول أنها استفادت جيداً من التهدئة التي أعطتها في إعادة ترتيب أوراق تنظيمها على هيئته الجديدة لخوضها الانتخابات التشريعية والاستعداد الجيد لهذه الانتخابات وهو الأمر الثاني الذي تحقق والذي نقل الحركة من مربع المعارضة إلى مربع السلطة بعد الفوز الكبير الذي حققته والذي هيأها لتشكل الحكومة الفلسطينية.

وقائع جديدة فرضتها تلك الانتخابات وهي من إنجازات حوار القاهرة لتدور الأيام وتعود المباحثات ثانية بين الفصائل لاسيما بين «فتح» و«حماس» ولكن هذه المرة على قاعدة «حماس» في السلطة و«فتح» في المعارضة، ولتشهد ردهات منزل الزهار بصفته رئيس أكبر كتلة برلمانية في المجلس التشريعي؛ ساعات طويلة من المفاوضات والبحث في برنامج «حماس» للحكومة بما يشبه الطحن في الماء، حيث لم تتمكن «حماس» من إقناع أي فصيل من المشاركة فيها رغم تعديله أكثر من مرة لتذهب وحدها إلى الحكومة.

اصطدمت تلك المفاوضات والمباحثات بصخرة منظمة التحرير، ووثيقة الاستقلال التي لم تتطرق لها «حماس» في برنامجها بشكل واضح، رغم محاولاتها إيجاد صيغ متعددة تتكئ عليها تلك الفصائل، كما جاء في حديث هنية أن «حماس» «أخذت بقسط وافر من آراء وملاحظات الفصائل وأعادت صياغة ورقتها السياسية أكثر من مرة، وقدمت صيغاً في نقاط التباين تسمح لكل فريق أن يتكئ عليها في الاستدلال على احترام برنامجه السياسي، وحتى نتمكن جميعاً من قيادة المشروع الوطني على قاعدة الفهم المشترك، إلاَّ أن ذلك لم يكن كافياً للتوصل إلى ما حرصت الحركة عليه».

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي أخذت وقتاً أكثر من بقية الفصائل وكانت أقربهم من المشاركة فاجأت الجميع برفضها المشاركة وكانت واضحة وصريحة في رفضها لذلك والتي جاءت على لسان قادتها «أن هذا الرفض جاء لعدم تضمن برنامج حكومة حركة «حماس» بند أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني»، معرفة المنظمة بأنها كمؤسسة وليس كقيادة قائمة الآن.

وكان البند الثامن في برنامج حكومة «حماس» قد تحدث عن هذا الأمر بقوله «تؤكد الحكومة على ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل الفلسطينية في حوار القاهرة في مارس 2005 حول موضوع منظمة التحرير، وتؤكد على ضرورة الإسراع في تنفيذ الإجراءات اللازمة لذلك»، وهو ما أوضحه سامي أبو زهري الناطق الرسمي باسم «حماس» في رده على رفض الجبهة الشعبية بقوله «الإخوة في الجبهة الشعبية لهم اجتهادهم الذي نقدره ولكن لا نعتبر أن مبرر التباين السياسي هو سبب للتخلي عن المشاركة في الحكومة لأننا سبق وأن توافقنا في القاهرة على برنامج سياسي دون أن تثار أية من الملاحظات التي تبديها الكتل البرلمانية الآن والتي أجاب البرنامج الحكومي على معظمها».

عام فصل بين حوار القاهرة ومفاوضات منزل الزهار بغزة كان كفيلا بتحقيق التغير الذي سعت إليه «حماس» والذي كانت تطمح في القاهرة أن يكون من خلال منظمة التحرير إذا ما تم إصلاحها كي يكون لها منبراً ومنفذاً دولياً للتحرك مستبعدة في الوقت ذاته أن يتحرك ملف الانتخابات لأسباب داخلية عند فتح، ولكن حينما رأت أن ملف المنظمة لم يتحرك ركزت كل جهدها في الملف الأهم ألا وهو الانتخابات لتجد لها موطئ قدم على الخريطة السياسية من خلال المجلس التشريعي وكذلك دخول العشرات من قادتها للمجلس الوطني برلمان منظمة التحرير، والحكومة التي شكلتها.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع