لماذا وإلى متى تستمر التهدئة؟

عوني صادق

خمسة أسابيع انقضت، حتى الآن، على ما أطلق عليه (انسحاب) أحادي الجانب من غزة، دون أن يتغير شيء باستثناء إخلاء المستوطنات فيها وتحويلها إلى سجن كبير كما كان متوقعا. فصائل المقاومة الفلسطينية ما زالت ملتزمة بتعهداتها في ما يخص ما يسمى (التهدئة) أحادية الجانب، وعدم القيام بعمليات ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه من القطاع. وحتى الردود على الخروقات التي لم تتوقف أصبحت قليلة بل نادرة، ودون أن تتحرك، أو يظهر أنها ستتحرك قريبا، ما تسمى (العملية السياسية)، ولم تعد الأطراف إلى طاولة المفاوضات. وعملية بيت لحم الأخيرة، عند مفترق مجمع غوش عتصيون الاستيطاني، أعادت الوضع إلى الوراء كما زعمت القيادة العسكرية “الإسرائيلية”.

القيادة “الإسرائيلية”، متذرعة بالعملية الفدائية، علقت كافة الاتصالات (وكلها أمنية) مع السلطة الفلسطينية، وأعادت الحواجز إلى الشوارع والطرقات وقطعت أوصال الضفة الغربية، ومنعت الفلسطينيين من التنقل والحركة إلا في الحافلات وعبر الطرق الجانبية الوعرة والترابية،  وواصلت عمليات القتل والاغتيال والاعتقالات. وقبل ذلك، وبعد فشل الاجتماعات التحضيرية لاجتماع شارون  عباس الذي كان يفترض أن يتم في 11/10 أعلن عن تأجيله لما بعد عودة عباس من واشنطن، لكنه ألغي بعد العملية دون إشارة إلى موعد. وكانت جريدة (معاريف- 11/10) قد أوضحت من قبل أن قرار تأجيل الاجتماع جاء “بعد أن فشل الطرفان “الإسرائيلي” والفلسطيني في الوصول إلى اتفاقات حول المطالب الفلسطينية الأساسية”.

الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية زعمتا أن عملية بيت لحم مسؤولة عن التدهور الأخير للوضع، لكن أي مراقب يستطيع أن يفند هذا الزعم ويظهره خاليا من أي مصداقية، وأن الأمور قبل العملية لم تكن مختلفة في شيء عما هي بعدها. لقد قال قائد قوات الاحتلال في الضفة الغربية، الجنرال يائير غولان، مباشرة بعد وقوع العملية، إن قواته اعتقلت “في الأسابيع الأخيرة” أكثر من 700 فلسطيني في الضفة. 

لقد كانت (التهدئة) طول الوقت من طرف واحد، بالرغم من تشديد فصائل المقاومة على أنها (تبادلية)، والمفروض أن الفصائل قبلت والتزمت بها من أجل ألا يتعطل إخلاء مستوطنات غزة، ومن أجل إعطاء السلطة الفلسطينية فرصة للتأكد من أن نهجها التفاوضي لن يفضي إلى حل سياسي، أو حتى إلى عودة المفاوضات. وفي شهر آب/أغسطس، شهر الإخلاء، قتلت قوات الاحتلال 21 مواطنا فلسطينيا، واستمرت في عمليات هدم المنازل ومصادرة الأرض واعتقلت أكثر من 225 مواطنا، كلهم من الضفة الغربية. وواصلت هذه السياسة في شهري أيلول وتشرين أول/ سبتمبر وأكتوبر، عبر الغارات الجوية والاجتياحات وعمليات القتل والاعتقال.

وفي هذه الأثناء، شدد وزير الحرب الصهيوني شاؤول موفاز، في مقابلة معه نشرت يوم30/أيلول على ما سماه (ثوابت لا تنازل عنها)، وهي “القدس عاصمة موحدة وأبدية” و”لا لحق العودة” و “المستوطنات الكبرى جزء لا يتجزأ من إسرائيل”. واستبعد موفاز استئناف عملية التسوية خلال العامين المقبلين، وقال: إن جوهر هذه العملية هو “خذ وهات”، ولا تملك السلطة الفلسطينية ما تقدمه!  وبعد انتصاره على منافسه، بنيامين نتنياهو، وردا على ادعاءات الأخير حول التفكير في انسحابات أخرى أحادية من الضفة، قال شارون: إنه لا يوجد غير خريطة الطريق (المشروطة بمحاربة الإرهاب ونزع سلاح فصائل المقاومة). وتعقيبا على أقوال شارون هذه، قال رئيس حزب ميرتس- ياحد، يوسي بيلين:”لقد عاد شارون إلى عادته”، وأن الخريطة ليست بالنسبة إليه سوى مهرب من التقدم السياسي.

على هذه الخلفيات قام رئيس السلطة محمود عباس بجولته التي بدأها بالأردن ومصر، وأنهاها بالولايات المتحدة واجتماعه بالرئيس جورج بوش، مارا بفرنسا وإسبانيا، دون أن يضاف إلى الوضع السابق على جولته شيء غير التأكيد على ما كان يتردد قبل الجولة. وفي الوقت الذي كان عباس يندد بعملية بيت لحم، ويؤكد نواياه الطيبة تجاه العدو “الإسرائيلي” وتمسكه ب (التهدئة) وبالمفاوضات و(العملية السياسية) و(خريطة الطريق)، كانت القيادة “الإسرائيلية” تحمله المسؤولية عن (تدهور الوضع) وتتحدث عن عجزه عن (محاربة الإرهاب ونزع سلاح المنظمات الإرهابية). ونسي أولئك جميعا أن عملية إخلاء غزة لم تغير شيئا ولم تحرك ساكنا في (العملية السياسية)، كما قال بيلين. ونسي محمود عباس أن عملية بيت لحم وقعت في الضفة الغربية، وضد جنود ومستوطنين، وكرد بسيط على أعمال إجرامية يومية. فهل تحولت التهدئة إلى وقف إطلاق نار دائم على طريقة الأنظمة العربية؟

ماذا ينتظر محمود عباس الآن بعد العودة من واشنطن؟ اللقاء مع شارون؟ ولو تم اللقاء، ماذا يتوقع أن يحصل عليه منه؟ لقد كتب المراسل السياسي لجريده (هآرتس- 11/10) حول اللقاء الذي كان مقررا بتاريخه يقول: “حتى عندما يلتقيان أخيرا (شارون وعباس) سيذكر الموقف باللقاء بين سائق ومتسول عند الإشارة الضوئية أكثر من كونه لقاء عمل بين زعيمين متكافئين”!!

في ضوء ذلك كله، ينتصب سؤال كبير، ليس في وجه محمود عباس وسلطته فقط، بل وفي وجه فصائل المقاومة الفلسطينية أيضا: لماذا وإلى متى تستمر التهدئة؟

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع