المصدر الخليج- 22/3/2006
د.حسن مدن
ماذا بقي من “أوسلو” الاتفاقية الشهيرة التي أسست
لمرحلة من الصراع العربي مع العدو “الإسرائيلي”، وأشاعت لدى البعض
وهماً بقرب الوصول الى نهاية لهذا الصراع أو هدنة طويلة بين فرقائه؟
هذا سؤال لا بد أن يرد على الخاطر، خاصة حين نسمع أو نقرأ ما تقوله
كوادر في حركة “فتح” مطالبة الرئيس الفلسطيني بإعلان حل السلطة
الفلسطينية ووضع العالم أو المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. والسلطة
التي تطالب هذه الكوادر بحلها هي أحد نتاجات، أو فلنقل الناتج الرئيسي
لاتفاقية أوسلو موضوع الحديث، لذا فإن السؤال الذي يجب أن يثار هنا
ماذا تبقى من نفوذ أو هيبة لهذه السلطة لكي يصبح “أوسلو” ملزماً لها.
لقد انتهى الأمر بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أسيراً في غرفة
أو غرفتين بالكاد كان بوسعه التحرك بينهما، وبالكاد أيضاً كانت القذائف
“الإسرائيلية” المنهمرة على مبنى المقاطعة تخطئه، قبل أن يخطفه الموت
وسط شبهة كبيرة بأن يكون هذا الموت قد دُبِّر له من قبل محاصريه. ولم
يكن حظ خلفه محمود عباس أفضل، فرغم الانطباع الذي أشاعته الماكينة
الإعلامية السياسية ل “إسرائيل” وللولايات المتحدة من أن المشكلة تكمن
في شخص ياسر عرفات تحديداً، وأن رحيله يعني إزالة العقبة الرئيسية بوجه
الحل، إلا أن التطورات المتتالية منذ رحيل عرفات ومجيء “أبومازن” الى
الرئاسة أكدت أن العقبة تكمن في مكان آخر تماماً، هو جوهر السياسة
“الإسرائيلية” التي لا تريد حلاً عادلاً للنزاع في المنطقة، والقائمة
على مصادرة حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الوطنية المستقلة، وهي
سياسة تبدت ملامحها تباعاً في سعي العدو الى القضاء على أي رمز يمكن أن
يومىء لشيء من السيادة الفلسطينية على شبر من الأرض أو على مؤسسة من
مؤسسات السلطة، وهو الأمر الذي وجد تعبيره البليغ في تدمير سجن أريحا
وأسر المناضل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
ورفاقه منه، بتواطئ مكشوف من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي تحدٍ
واضح للشرعية الدولية واستفزاز للرأي العام العالمي. بل إن هذا العدوان
ينتهك اتفاقاً مبرماً بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” برعاية دولية،
كأن دولة الاحتلال بذلك تريد إرسال رسالة واضحة للعالم، وللفلسطينيين
أيضاً، مفادها بأنه ليس هناك من رادع يمنعها دون انتهاك كل المحرمات
والدوس على كل الالتزامات التي قطعتها على نفسها أمام العالم، خاصة مع
ثقتها بأن القوى النافذة في هذا العالم تقدم لها التغطية التامة لكل
تجاوزاتها واعتداءاتها.
لسنا متأكدين مما إذا كانت دعوة العديد من كوادر “فتح” للرئيس محمود
عباس بإعلان حل السلطة دعوة صائبة أم لا، خاصة بالنظر إلى أنها تأتي
مترافقة مع هزيمة “فتح” في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وصعود حركة
“حماس”، لكن المؤكد أن هذه الدعوة تعكس حرقة مما آل إليه الوضع في
الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوضح بجلاء المأزق الذي آلت إليه السلطة
الفلسطينية، الذي هو في الجوهر مأزق “أوسلو” ذاتها، ليس لأن الأمور
تطورت في اتجاه آخر غير الاتجاه الذي كان مرسوماً لها لحظة التوقيع على
تلك الاتفاقيات، وإنما لأن هذه الاتفاقيات كانت مفخخة منذ البدء بعوامل
وصواعق انفجارها، لأنها لم تكن في الحقيقة سوى شرك كبير أوقع فيه
الفلسطينيون بطريقة لا يعود بوسعهم الخروج منه، أو على الأقل لا يعود
من السهل عليهم هذا الخروج.