من يعرف الحقيقة يحمل وزرها
بقلم
: وجيه عمر مطر
من أهم
إشكالات العقل السياسي الفلسطيني، إلى جانب العديد من إشكالاته التي ترجمت
عمليا طيلة أربعة عقود من الزمن هي عمر المقاومة الفلسطينية المعاصرة، هو
اعتبار ظاهرة الفلسطيني ظاهرة مقدسة، أي انه فوق كل نقد وانتقاد ، وهو عقل
أبوي ، وسلوك رعوي. وعلى الرغم من كل ما جرى ويجري ، وما زال هذا العقل
يدير السياسة الفلسطينية بعقلية البيت، ورب الأسرة،(( إذ لا يجوز إخراج
مشاكل وأخطاء أفراد البيت إلى خارجه)) وكلنا يذكر مقولة (( نشر الغسيل
الوسخ )) ، وعدم الفصل ما بين قدسية القضية الفلسطينية ، وبين سلوك
الفلسطيني ، إذ كثيرا ما نخلط وعن قصد ، وبخاصة القيادة الفلسطينية ، ما
بين القضية كقضية مقدسة مصيرية، وما بين الفرد ، في سلوكه وممارساته، في
جنوحه وتغربه عن يقين العمل الوطني.
هذا
السلوك إلى جانب أنه يعبر عن ثقافة إقليمية، و( عنصرية قطرية )، فهو السلوك
الذي كرسته القيادة الفلسطينية، طيلة عمر المقاومة ، تحت شعار عدم النقد
لأي من أفعال المقاومة ، ولأي من سياساتها، أو التعرض لأي من قادتها ، وذلك
تخوفا من استفادة العدو منها.
وبداية
هذه التخوفات كانت في باديء الأمر ناتجة عن العصبية التنظيمية، في عدم
إفشاء أي من السلوكيات الخاطئة لتنظيم أو فصيل ما، خوفا من أن يعرفها هذا
التنظيم أو ذاك الفصيل ، فتتحول الى مأخذ عليه. وهذا أمر يعرفه الجميع
وبخاصة ممن كان على دراية في أمر الفصائل وعلاقاتها البينية.
وهنا
يجب ان نفرق ما بين الأسرار التنظيمية وعدم افشائها، التي كان يعرف العدو
أكثرها اكثر من باقي الفصائل الأخرى، وبين نقد التجارب السياسية
والتنظيمية.
دفعني
الى هذا الاشتباك النظري الذي لن يرضي العديد من الفصائل أو من قيادات
بعضها، ما قاله أبو جهاد ( أحمد جبريل ) في حلقات برنامج ( شاهد على العصر
) ، بغض النظر عن رأي أي منا على منهجية الحوار أو على ما جاء في متن
الشهادة، لأن ما جاء على لسان الأخ أبو جهاد، بالضرورة سيرضي البعض أو
يقبله البعض وسيرفضه البعض الأخر.
الاَّ
أن ما استفزني في ذلك كله، هو ذلك التمترس وراء خدعة طال عمرها وما زال
البعض يقف خلفها غير مدرك لمخاطرها، وهي مصيبة ، أو أنه يدرك، وهو على
الأغلب أكثر دقة، وهي الكارثة بعينها. هذا البعض الذي ما زال يغني ( طقطوقة
) الغسيل الوسخ، أو ليس وقته ، أو الذين يعمدون دون حياء بالاختباء وراء
دعابة مضحكة، وهي أننا في صراع مع العدو الصهيوني ، وهؤلاء أكثر الناس
انشدادا للتبعية المطلقة للعدو الصهيوني، ويعملون ليل نهار من أجل إنهاء
الصراع مع العدو للتلهي بالامتيازات وفوائد السلطة.
أسأل
هذا النفر بكل تجرد ، وأتمنى عليهم الإجابة بتجرد أيضا إذا كان أي منهم
يستطيع ذلك ، وسلفا أقول انه لن يستطيعه ، بل سيبقى متمترسا وراء شعارات
كاذبة خادعة، كانت وما زالت وراء الكارثة التي حلت بنا ، وأوصلتنا الى ما
نحن به وعليه اليوم. أسألهم ، متى سيحين الوقت لقول الحقيقة ، أو الحقائق
التي غابت وما زالت عن أذهان شعبنا، وبخاصة الجيل الجديد، هذا الجيل الذي
يصنع تاريخا مختلفا عن ذلك التاريخ الذي ما زال مغيبا ، ويريده هذا البعض
أن يبقى مغيبا، لأنه ليس لصالحهم قول الحقيقة ، ( وفضح المستور ) .
في كل
قواميس السياسة الدولية ، وقوانين الدول الكبرى منها والصغرى، فكل أسرار
الدولة ، وأكثرها حساسية وسرية، يتم الإفراج عنها بعد عشرين ، أو ثلاثين ،
سنة، وأما نحن في الثورة الفلسطينية المعاصرة، فقد مضى عليها أربعة عقود،
الا يكفي ذلك للإفراج عن تلك الأسرار أو عن تلك التجربة غثها وسمينها؟؟
أم أن
العدو ما زال سيستفيد منها إذا ما أعلنا عنها ؟ والعدو يسكن ديار السلطة
وعقول المتاجرين بالقضية ، والمأخوذين بحضارة الصراع.
أم أن
فلسطين لا تستأهل أن نقيم تجاربنا في كل حين لتخطي الكبوات التي نسقط فيها
أو نستفيد من النجاحات التي حققنا ؟
ما زلنا
نقف عند غزوة الخندق ، ولم نستطع بعد أن نتجاوز ذلك الخندق، ما زال أيلول
عمان شاهدا بكل غموضه ، وما زال أهل أيلول يحكمون حتى أب، وبكل جريمته
وفشله المزري، وما زالت بيروت شاهدة على مأساتنا حتى المنافي، وما زال
أيلول واشنطن يعربد في أجواء غزة والضفة وباقي المنافي السجينة.
نعم ..
فلا بأس أخي ( أبو جهاد ) نعم .. انهم لا يريدون أن يخرج من بين ثنايا
الغبار من ينفضه ليقول الحقيقة ، وهي ليست كاملة ، ونعرف أنها ليست كاملة ،
فما زال هناك الكثير الذي لا بد من الكشف عنه وإعلان الحقيقة، بكل ما فيها
من نزف الجرح وغثيان الروح.
الكذب
ليس أغلى من الدم، وليس أجمل من فلسطين، ولا هو أقدر من التاريخ،
وإذا
كان مأخذ هذا البعض على السيد أحمد جبريل، لمحاولته قول الحقيقة، انه أخطأ
في توقيته ما قال، أو ليس من المعقولية في شيء أن ينشر غسيلهنا الوسخ /
وفي الحقيقة هو غسيلهم هم وليس غسيلنا نحن / ، أو.. أو.. الخ. فان ما
نأخذه على السيد أحمد جبريل، هو تأخره في قول ما قال ، كما نأخذ عليه انه
لم يقل كل ما يعرف، وان كان هناك بعض ممن يعرف ويحجب ما يعرف، لأسباب
نعرفها ونجهل بعضها عند البعض العارف، وما زال كذلك الى يومنا هذا، الا
أننا نأخذ عليه نحرجه من قول كل شيء ، الا اذا كان وقت البرنامج لا يسمح
بذلك ، وأعتقد انها حجة نرد بها على السيد أحمد جبريل، ليس أحمد منصور من
يتحكم في أمر قول ما نقول أو لا نقول ، اذ بدا عليه كذلك. وكان السيد حسين
الشافعي قد لطمه في شهادته وأعاده الى ما هو عليه ووضعه في حجمه الحقيقي.
وعود
على بدء ، ان من أهم مثالب المقاومة المعاصرة انها لم تستطع الارتقاء الى
مستوى النقد، والنقد هنا ، ليس هو ذلك النقد الذي تعودناه في الخلية
التنظيمية ، أنقد نفسي لأعود وأكرر ما فعلت ، بل بأكثر منها بشاعة و .... ،
وانما أقصد بالنقد هنا هو طرح الأسئلة المغامرة وليس الاستفهامية المريحة
لأصحاب القرار، وأزلام السلطة.
فهل هو
الخوف من ماضي له رائحة لا نطيق شمها؟
هل هو
الخوف على مستقبل أي منا ؟
أم هو
الممعن في التغول الى النهاية؟
هل هو
أمر غير مشرف ؟
أم هو
الخوف من الشعب في كيف تم استغفاله في وقت ما ، أو كل الوقت؟
سلطة أو
قيادة أو ... تخشى من لوحة فنان أو قصيدة شاعر، هي أكثر جبنا من شاعر
البلاط أو من الأزلام ....
فهل
نسأل ناجي العلي ، أو ألف ناجي أبعد أو سقط شهيدا ؟؟؟؟؟
أسئلة
كثيرة ..
وأجوبة
غائبة!!!!!!
|