عنزة ولو طارت..!
سوسن البرغوتي 2005/12/29
ألقت حركة
فتح بعد الاختلافات الكبيرة على قوائم الترشيحات للانتخابات التشريعية
الفلسطينية، والتي وصلت في بعض أوقات للاحتكام للسلاح فيما بينها بما
يمكن أن يهدد بشكل مباشر أو غير مباشر حركة فتح بالتفكك، وبالتالي تفكك
اللحمة الوطنية التي يحرص الجميع عليها، ويبدو اختيار مروان البرغوتي
الأسير في السجون "الإسرائيلية" لترأس قائمة فتح لدخول الانتخابات اعتمد
أساساً على الشعبية واسعة النطاق في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي
الوطن العربي التي يتمتّع بها ، وهذا قد يرضي جميع الأطراف في فتح.
من
المعروف أن مروان البرغوتي قائد بارز من قادة الانتفاضة الثانية ومن
المعروف أيضاً أنه تم تسليمه باليد لسلطات الاحتلال.
إن ما يجري حالياً من حالة صراع يقترب من الاقتتال في
أروقة حركة فتح، يتواصل أيضاً مع تضارب المصالح الشخصية والبحث عن مكاسب
لهذه الشخصية أو تلك بغض النظر عن كون فتح قيادة فلسطينية تسعى إلى مصلحة
القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وبطبيعة
الحال فإن نتيجة فوضى الفلتان الأمني وصراع الديكة وتعميد رؤوس فاسدة على
عرش مهلهل
وفي
ظل احتلال، أدى إلى إضعاف وانقسام الحركة وبأياد فتحاوية، وما خرج من
اتفاق أخير ليس أكثر من لملمة الشقاق بتوحيد صوري مرحلي من أجل ترتيب
الانتخابات.
إن تنظيم فتح وهو يعلن عن توحيد قائمة دخوله الانتخابات
يلجأ إلى الاستنجاد بمروان البرغوتي كعنوان وطني يستطيع من خلاله
الاستمرار. لأن فتح بقيادتها للنضال الفلسطيني من خلال السلطة لم تحقق أي
إصلاح للحال الفلسطيني الاجتماعي والسياسي ، بل على العكس من ذلك فقد
عقدت اتفاقيات مشينة بحق نضال الشعب الفلسطيني لعقود، حتى في وهم
الانسحاب "الإسرائيلي" من غزّة على طريقة التضليل ثبت بأن غزة لم تتحرر
وأنها مازالت محاصرة من البر والبحر والجو.
وما دامت لم تستبعد من قائمتها شخصيات مرفوضة على الصعيد الوطني والشعبي
، ولم تحقق أي إنجاز فعلي ، فإن الحال سيبقى كما قال المثل "عنزة ولو
طارت"..!
لقد أثبتت الانتخابات البلدية الأولية فوز حماس الساحق،
وهو دليل أن خيار الشعب واضح لا التباس فيه، خاصة أن حركة حماس المقاومة
للعدو والمحتل أثبتت جدارتها بتماسكها رغم محاولات النيل من أجنحتها
السياسية وإشاعة أخبار عن عقد اجتماعات والتفاوض مع جهات مقربة من البيت
الأبيض، وبالانقضاض على قادتها بالاغتيالات والمطاردة.
ورغم المأخذ الوحيد على حماس بدخولها المعترك السياسي في ظل احتلال وفي
ظل قيادة تسعى إلى تسوية شاملة بحجة السلام من جانب واحد ، إلا أن لفوز
حماس في الانتخابات الشعبية مدلولات هامة، أهمها أن الشعب الفلسطيني يلتف
حول حقه في المقاومة التي لا تساوم ولا تهادن في مواجهة المشروع
الصهيوني، وحقه في النضال حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، متمسكاً
بثوابته الوطنية والقومية.
إن الانهيار والتفكك الذي تعاني منه فتح يندرج تحت عنوان
واضح يتبع حركة التاريخ ، ويعتبر نتيجة لسلسلة من الممارسات عبر مسيرة
طويلة، لا يمكن أن ينقذه من مواصلة الانهيار اختيار مروان البرغوتي لترأس
قائمة فتح الانتخابية أو غيره، بل في مواجهة الأمر الواقع والحقيقي على
الأرض في إشراك أجنحة المقاومة بلا استثناء في صنع القرار، وإلا فإن
الصراع داخل فتح سيتعاظم بسبب استئثار فئة سلطوية بإدارة دفة الحكم، ومن
خلال تحالف هش للاستئثار بتركة عرفات عن طريق صناديق الاقتراع وبغطاء
الأسير الفلسطيني لتخطي مرحلة الأزمة.
يبقى العامل الأقوى في المعادلة الفلسطينية- الفلسطينية
للأسف في يد "إسرائيل"، فإن أصرت على عدم مشاركة المقدسيين في
الانتخابات، سيعتبر مبرراً لتأجيل الانتخابات لصالح الرئيس عباس في
محاولته مجدداً للاستنجاد بالعواصم العربية لدعمه بالتفاوض مع الفصائل
الوطنية، وإن تمت الانتخابات في وقتها، فيسكسب الحرس الجديد انتزاع
السلطة الفعلية، وفي كلا الحالين فإن تفكك وانقسام فتح ظاهر للعيان.
إن الأوضاع الخطيرة الآن تضع فتح
أمام مسؤوليات جسيمة، والمطلوب أن يعي شرفاء فتح خطورة
بقاء رؤوس تضع الإرث الفلسطيني في جيوبها، وتضع مصالحها الذاتية فوق كل
اعتبار، وإبقاء الحال الراهن على حاله بما في ذلك تكبيل النضال الفلسطيني
داخل معتقلات السلطة.
من المفترض أن تخوض حركة فتح معركة الانتخابات بناء على
المصلحة الوطنية وليس مصلحة فتح الذاتية، وتحقيق مصداقية افتقدتها في
الشهور المنصرمة بعد فشلها الذريع كقيادة تضع جلّ اهتمامها بقاء الحركة
وبأي ثمن على قيد الحياة ، وفي إعلان الولاء للحركة وليس للقضية
الفلسطينية والمنعطف الخطير الذي تعاني منه كنتيجة لبقاء أصحاب الأجندات
الخاصة على رأس الحركة.
من المؤسف
إن
تحالف مروان البرغوتي
في قائمة مع آخرين لهم سجل حافل في مسألة التنازلات، سيؤدي إلى إضعاف
صوته كمناضل فلسطيني صلب يتمسك بالثوابت الوطنية، وبخاصة أنه حتى هذه
اللحظة لم يقدم أو يعتمد أي برنامج سياسي لتوضيح خطة وطنية مستقبلية تجبّ
تداعيات احتضار القضية الفلسطينية
في ظل اتفاقيات تسعى إلى تصفية شاملة للقضية.
فما الذي يمكن أن يتغير إذا كانت فتح قد أقرت
"بخارطة
طريق" لا تنهي فقط الصراع التاريخي بالوجود الفلسطيني، بل تمزق كيان
الوطن العربي ليصبح بدوره ممالك تتبع إما لفارس أو لبيزنطة..!،
ويتبدّل حال العرب من انقسامات لا تنتمي للأساس العروبي ليصبح سقف الحفاظ
على السيادة والاستقلالية، بإعلان الولاء لأحد المعسكرين القديمين
الجديدين.
|