انهضي يا فتح قبل أن يجهزوا عليك
|
د. أكرم
حجازي
كاتب وأستاذ جامعي متخصص - الأردن
4/22/2006
إن ما سمعناه من ردود فعل من قبل مؤسسة الرئاسة وبعض
المسؤولين الفلسطينيين من خارج الحكومة تجاه تعيين وزير الداخلية سعيد
صيام العقيد
جمال أبو سمهدانة مراقبا عاما للوزارة مسألة بغاية الخطورة. فالعقيد أبو
سمهدانة
رجل يعلم الجميع أنه براء من كل عصبية تنظيمية أو حزبية أو أيديولوجية،
ويتمتع
بمسؤولية رفيعة المستوى أهلته للتعامل مع جميع القوى المسلحة والأطياف
السياسية
والأيديولوجية على اختلافها، ومع جميع مكونات الشعب الفلسطيني أفرادا
وجماعات
ومؤسسات. باختصار هو رجل متحرر من الضغائن والأحقاد ومسلح بالثقة
والاطمئنان ونظيف
اليد واللسان.
ومن المؤكد أن وزير الداخلية فكر للمرة الألف قبل أن
يقع اختياره على أبو سمهدانة، والواقع أن الشعب هو الذي اختاره وأجمع
عليه، ولم يكن
ثمة قرار فلسطيني أكثر وأشد صوابية من هذا القرار تحديدا منذ سنوات
طويلة.
ولا ريب أن وزير الداخلية قرأ الواقع جيدا قبل
اتخاذه أي قرار، حيث الفلتان الأمني يشكل معضلة اجتماعية وسياسية وأمنية
ينبغي وضع
حد لها، فكان السؤال: من هم هؤلاء المنفلتون من عقالهم، وبمن يحتمون؟ فإن
لم يكونوا
من الفصائل، ولا من الأجنحة العسكرية ولا ممن ينتمون إلى هذه العائلة أو
تلك فمن
يكونون إذا؟ وإلى متى سيبقى هؤلاء يعيثون فسادا بين الناس، يهددون هذا
ويبتزون ذاك
ويهاجمون هذه المؤسسة ويصدرون هذا البيان باسم هذه الجماعة أو تلك
ويطلقون النار
هنا وهناك؟
السؤال واضح، بيد أن الإجابة ليست فردية بقدر ما هي
مسؤولية جماعية تستدعي حشد كافة الجهود. ويبدو أن وزير الداخلية اهتدى
إلى ضالته
المنشودة عبر فتح حوار وطني للخروج من حالة الفلتان والفوضى قبل التفكير
بأي شيء
آخر عبر التشاور مع الفصائل والأجنحة العسكرية والقوى الاجتماعية من
مؤسسات ووجهاء
وعائلات ومتنفذين، فكانت الخطوة الأولى لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم، ثم
كان عرض
الاقتراح بالمساعدة على تشكيل جهاز أمني خاص تشارك فيه ليس كتائب القسام
كما يروج
ولا كتائب الأقصى فقط بل من كافة القوى المسلحة كي تتعاون فيما بينها على
ضبط الأمن
وإعادة هيبة القانون هي الخطوة الثانية. أما الخطوة الأخيرة فكانت تعيين
العقيد
جمال أبو سمهدانة كشخصية محورية قوية، وفعلا خرجت الفكرة إلى حيز الوجود
في اجتماع
حاشد من المفترض أنه حظي بإجماع المجتمع الفلسطيني وقواه المختلفة.
ومع ذلك، توالت التصريحات الرافضة لهذا المسعى والتي
لا تخلو من تضارب وتجني وليس لها من هدف إلا إفشال الخطة لا أكثر. ولا شك
أن مثل
هذه التصريحات غريبة كل الغرابة، فالجميع بات يعاني من حالة الفوضى
والفلتان،
ويدركون أن خطة من هذا النوع تشترك فيها سبعة فصائل فلسطينية ليس لها من
هدف إلا
سحب البساط من تحت أية مجموعة نشاز تتغطى بهذا التنظيم أو ذاك وتصدر
بيانات باسمه.
ولمَا تكون هذه الفصائل والقوى الاجتماعية متفقة على مسعى من هذا النوع
فالقوى
المعارضة ستغدو قوى متهمة بعرقلة الضبط الأمني. ولأن المعارضة صدرت
بالتحديد عن
مسؤولين في حركة فتح فمن الواضح أن فتح هي المتهمة الأولى بإلحاق الأذى
في المجتمع
الفلسطيني وقواه ومؤسساته. وإن كان من الملفت للانتباه حقا أننا لم نسمع
عن مجموعة
من أي فصيل غير فتح مارس الفلتان الأمني والتهديد والوعيد، فمن الظلم
الزج بفتح في
هذا المستنقع القذر وهي البريئة تاريخيا من كل جنون منفلت من عقاله.
والسؤال: من هي
الجهات المعارضة؟ ولمصلحة من؟
•
من الواضح أن أمريكا وإسرائيل تتصدران المعارضة بتعيين أبو
سمهدانة الذي سيؤدي قطعا إلى إفشال مخططاتهم ودق آخر المسامير في نعش
أزلامهم
وعملائهم الذين ينتعشون في ظل حالة الفلتان وليس لهم وظيفة غير ذلك.
•
جماعة المال السياسي الذين حسب أحد أبرز المسؤولين
الفتحاويين يقودون صراعا على فتح وليس في فتح، وهم الذين يتلقون تعليمات
من الخارج
وينفذون أجندته الخاصة وهم الذين لهم مصلحة بإسقاط حكومة هنية عبر ترصدها
إعلاميا
وسياسيا واتهامها بعدم الخبرة وضيق الأفق فضلا عن التحريض عليها. وهم
الذين خربوا
تنظيم الحركة ودمروا إستراتيجيتها ويعملون على تفكيكها وتضييع نضالاتها
ومنجزاتها
وحقوق أعضائها من شهداء وجرحى وأسرى وكوادر، وليس من المستبعد أن تكون
مؤسسة
الرئاسة ذاتها قد وقعت تحت ضغوطهم وتهديداتهم. ومن الجدير الإشارة إلى أن
هذه
الجماعة تعارض حتى الإصلاح التنظيمي داخل حركة فتح.
•
بعض المسؤولين في الأجهزة الأمنية أو المعنيين بالشأن
الأمني ممن هم على خلاف ليس مع هذا التنظيم أو ذاك أو هذه الجماعة أو تلك
بل حتى مع
المجتمع ومؤسساته وتجاره وقواه السياسية، وهم من ضمن ذوي المال السياسي.
ولهم وسائل
إعلام محسوبة عليهم وتروج لهم وتأتمر بأمرهم. وإن كانوا قد شاركوا في
الصراع على
خلافة الشهيد ياسر عرفات تراهم اليوم يتصارعون على وراثة حركة فتح
برمتها.
•
جماعات الكورس، هؤلاء الذين لا يعنيهم لا منطق ولا وطن ولا
أخلاق ولا مرجعية ولا مبدأ بقدر ما يعنيهم أن يكونوا مجرد قطعان يسوقهم
صاحب المال
السياسي الذي يغدق عليهم، مثل هؤلاء تجدهم على رأس كل خبر للتعليق عليه
وفق
التعليمات المعطاة لهم، بل وتجدهم من يبث الأخبار المسمومة، أو مجموعات
البلطجة في
الشوارع والمؤسسات وفي الأجهزة الأمنية التي اخترقوها، أو مسلحين يتغطون
باسم
الأجنحة العسكرية لحركة فتح وهي منهم براء، بل أنهم يقعون خارج الإطار
التنظيمي
للحركة.
•
المجموعات
الاجتماعية الهامشية المنتفعة من حالة الفلتان والذين ينتمون إلى كافة
الشرائح
الاجتماعية والقوى التنظيمية والعسكرية ويتحركون، في ظل الفوضى وانعدام
الأمن،
بموجب ما يعتقدون أنه حماية عائلية أو عشائرية.
والطريف في الأمر أن أحدا من هؤلاء الرافضين لخطة
وزير الداخلية لم يطعن قط في شخصية أبي سمهدانة ولا في نظافته ولا قوته
ولا أهليته،
بل أن الطعن يجري على أسس قانونية، ويتحمور حول الصلاحيات المخولة
للحكومة ووزير
الداخلية من جهة والرئيس من جهة أخرى، كما أن هناك طعنا عصبيا يتعلق
بالتنظيم من
نوع أن الجهاز الجديد سيلغي الأجهزة الأمنية الرسمية لصالح هيمنة عناصر
كتائب
القسام عليه بالرغم من أن قائده ليس من حركة حماس فضلا عن أن عناصره من
كافة
الفصائل الفلسطينية بما في ذلك حركة فتح التي تدرك أن الفلتان والفوضى
يوقعان أشد
الضر بمصالحها وهيبتها ويحول بينها وبين خططها في الإصلاح.
ولأن المجتمع عبر عن مسؤولية عالية في احتواء
الفلتان والفوضى في حين بدت ردود الفعل يائسة قيل على
لسان أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة أنه يستحيل
تشكيل جهاز أمني بدون صدور مرسوم رئاسي، فإن كان هذا صحيحا
والنية معقودة على ضبط الأمور، لماذا لا يصدر هذا
المرسوم؟ أم أن المرسوم والتنظيم بات الغاية
والمصلحة العليا لهؤلاء؟ ولماذا يصر هؤلاء على استبعاد حركة فتح
ومناضليها من كل رأي، ويصرون على تحطيمها والاستئثار
بها؟ ولمن الأولوية الآن:
للتنظيم أم للأمن والسلم الاجتماعيين؟
هنيئا لك يا أخ جمال على ثقة شعب
بك، أما أنت يا فتح فتعالَيْ على الجراح وانهضي أستحلفك
بالله قبل أن يجهزوا عليك ويخربوا ويدمروا شعبا
هو رأس الحربة في الدفاع عن العقيدة والأمة، فقد فعلوها قبل
ذلك وسيفعلونها ثانية
|