وهم الضمانات العربية
إبراهيم أبو الهيجاء
في التاريخ العربي كانت القضية الفلسطينية المشكلة والحل لدى الأنظمة العربية ، فهي ارق وإشكالية مزمنة نظرا لعجز الأنظمة عن موقف جاد ضد إسرائيل والولايات المتحدة ، وفي الوقت ذاته كانت حلاً لشرعية منقوصة للمزايدة العربية بادعاء السعي والنضال لحل القضية الفلسطينية ، وبين هذا وذلك اختلطت الكثير من الأوراق فكانت القضية الفلسطينية في النظرات الفكرية وبالتحديد القومية مشكلة العرب أجمعين كون فلسطين جزء لا يتجزأ من بلاد العرب المحتلة الواجب تحريرها ، أو هي في الحسابات السياسية ورقة رابحة في مواجهة التهديدات وامتلاك القدرة على التفجير ، ومن الزاوية الضيقة كانت الورقة الفلسطينية تستخدم لإرضاء المعسكرات الشرقية والغربية تارة بتصليب موقفها وتارة بالضغط على أصحابها لمزيد من المرونة.
في قضية الجندي المختطف يبرز ما يسرب عن ضمانة عربية على إسرائيل لكي تمن على الشعب الفلسطيني بالإفراج عن أسرى فلسطينيين مستقبلاً ، وهذه فعلاً من عجائب الدنيا فالدول العربية تريد أن تعطي ضمانات على إسرائيل وقد خبرتها ولدغت من جحرها في كل الاتفاقيات واللقاءات فمن عمان إلى الدار البيضاء إلى البتراء إلى طابا وشرم الشيخ والعقبة والقاهرة ... كلها محطات سجل تحت مظلتها وعود إسرائيلية وتنازلات فلسطينية بحجم الضغوط العربية الرسمية ... وها هو واقع التسوية يغني فيه المقام عن المقال ، فهاهي طابا المصرية شاهدة على اتفاقية فصلّت وبيّنت الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لم يطلق حتى الآن سراحهم أي بعد حوالي العشر سنوات ... فأين هي الضمانات العربية من الاتفاقيات الدولية؟
ولماذا كل هذه الحرقة... وهل فعلاًَ الخوف على قطاع غزة وأهله الدافع والمحرك ؟ وهل البحث عن مختطفي الجندي الإسرائيلي في الضفة " الياهو أشيري " قبل أيام ولاحقاً التحقيق معهم والبحث عن جثته والتعاون مع اجهزة الأمن الإسرائيلية يصب ايضاً باتجاه صد العدوان عن قطاع غزة والعبث بالمصالح الفلسطينية العليا ولصالح قضية الأسرى الذين كانوا حتى وقت قريب وثائقهم ومعاناتهم مقدسة .؟
لا قيمة ولا وزن لأي وعود شفوية إسرائيلية ، والضمانات العربية على إسرائيل هي كتأمين على سائق لا يعرف القيادة ، والتدخل العربي لم يكن يوماً مفيداً لذاته فلماذا سيكون مفيداً لغيره ؟!، وكلنا يعرف جيداً ويقرأ التاريخ جيداً فالوساطات العربية لطالما لعبت دوراً في الكثير من الأزمات العربية ولاسيما في العراق وفلسطين ، وكلنا يعرف هذه الأدوار جيداً ... وهي لم تلعب - للأسف - سوى دور الكمبورس في مسرحية رديئة السيناريو والإخراج ، ففي كل الاتفاقيات السياسية الحالية ما بين الفلسطينيين الاسرائيلين لعب العرب الرسميين دور الضاغط على الفلسطينيين للقبول بأرباع الحلول ، وفي كل الأزمات استخدموا القضية الفلسطينية والعراقية للتأكيد على أنهم يملكون خيوط اللعبة ، وأنهم الوكيل المعتمد واللاعب المهم ، وكل ذلك كان يأتي بذرائع الحفاظ على القضايا العربية وحمايتها من الشرور والمتربصين بها ، كلنا يتذكر في هذا الصدد الإضراب الكبير عام 1936 والذي استمر ستة أشهر بعد تدخل الزعماء العرب الذين نقلوا وعودا بريطانية لم يتحقق أياً منها وبقيت الهجرة الصهيونية تتدفق حتى الآن ، وكلنا يذكر قبل سنتين قضية تسليم أعضاء الجنود الستة القتلى الذين حاولوا الاعتداء على حي الزيتون الغزيّ مقابل ضمانات مصرية ، ولكن إسرائيل لاحقا قتلت كل من شارك بتدمير الدبابة ... فهل انتقموا أو على الأقل تضامنوا مع أهاليهم .
والسيناريو سيتكرر والنوايا الحسنة ستذهب هباء منثورا إن سلم الجندي دون ثمن بين وواضح وجلًي يحدد بالاسم كل المعتقلين المطلوب إطلاق سراحهم وبضمانات دولية وليست عربية أو فلسطينية ؟ وغزة لن تنجو من الدبابات الإسرائيلية وسيدخلونها سلّم الجندي أو لم يسلّم ... لان المخطط اكبر من ذات الجندي وستجد إسرائيل آلاف الذرائع .
سيسمع المقاومون الكثير من الوعود والوعيد ، ولكن الصمود مهم في هذه المعركة ومقوماتها ممكنة وليست وهمية ( فأولاً ) اقتحام غزة ليس هيناً من الناحية الأمنية وموازين الخسارة إسرائيلياً كبيرة ( وثانياً ) لن يتوفر للمقاومة غطاء شرعي وسلطة مساندة مثل الوقت الحاضر ( وثالثاً) هناك مساندة فلسطينية هائلة ترفض تسليم الجندي دون ثمن واضح لا يحتمل التاؤيل ( ورابعاً) إقدام إسرائيل على احتلال غزة يعني ببساطة نهاية مشروع " اولمرت " التجميعي في الضفة الغربية وكشف الغطاء عن حقيقية الانسحاب الذي جرى من قطاع غزة وهذا مهم سياسياً ( وخامساً) من الناحية الإستراتيجية فلن يتوفر ظروف دولية للمقاومة أفضل من حيث الفشل الأميركي في العراق والتهديد النووي الإيراني الذي يضطر الاميركان الضغط على إسرائيل لموازنة المطالب الأميركية الأخرى .
ببساطة أكثر خطف الجندي موازنة سياسية وإنسانية كبيرة لايجب الاستهانة ، وكل الوسطاء العرب الرسميين لم يفعلوا شيئا جدّيا للقضية الفلسطينية ولن يفعلوا ، وعلينا أن لا نتيه في أوهام أدوار عربية مساندة لسلطة " حماس " ، فكلنا بات بعلم أن الحصار على الحكومة الجديدة بأجزاء كبيرة منه هو عربي مع سبق الإصرار والترصد ... فلماذا المكابرة ؟ والمغالطة ؟ وعليه فلا ضمانة للمقاومة وأهلها سوى ما يملكون من إيمان و إرادة وشعوب حية ومادون ذلك ضياع جديد لوهم قديم متجدد .
|