كبر الجحش وصار حمارا

من هنا وهناك في فساد السَّلَطَة الفلسطينية ( زمرة أوسلو )

الكاتب الفلسطيني / نور الدين حسن محمد أبو عاصي    27 / 10 / 2005  م

دعوة لقراءة هذا المقال بهدوء وعدم التسرع

·       شكا لي بمرارة وأسى شارحا معاناته بصمت وألم وصلت إلى حد المأساة التي لا تحرك قلبا ولا إحساسا عند أولئك الذين لا دين ولا ضمير ولا انتماء ولا قانون يحاسبهم ، بناته الثلاثة يدرسن في إحدى الجامعات الفلسطينية بمدينة غزة في كلية الصيدلة ، لقد تعقدن من شدة الحزن والبكاء والتفكير بمستقبلهن لأسباب تتعلق بأصحاب القرار من أزلام السلطة ، فالكوادر الطبية في الجامعة ضعيفة وينقص الجامعة الكثير منها ومن الأساتذة من لا يجيد اللغة الانجليزية باستثناء المصطلحات الطبية والعلمية منها والتي تتعلق بأسماء الأدوية والأمراض وما شابه ذلك ، وسوء أحوال الجامعة الإدارية والفنية والعلمية ، فنقص الكادر الطبي والعلمي أدى ببعض الطلاب الذين يدرسون في كلية الطب في إحدى الجامعات الغزية للالتجاء إلى جامعات مصر ليلتحقوا في السنة الثالثة وعلى نفقة ذويهم الخاصة ( جامعة طنطا ) ، ولكنهم ولسوء حظهم لم يتمكنوا من الاستمرار في الدراسة لسبب يحتاج للوقوف عنده ووضعه بين أيدي أمناء هذا الشعب المنكوب على أيدي زمرة أوسلو السلطوية  .

     لقد ضاع من أعمار الطلبة سنتين من سنوات الدراسة في غزة هي بمثابة سنوات تأسيس لما هو قادم من   دراسة نظرية وعملية في المجال الطبي الأمر الذي جعلهم يشعرون أن ثمة فارق كبير بين الواقع التعليمي في غزة عنه في مصر ، فهم لم يتم تأسيسهم وإعدادهم  بالشكل الذي يمكنهم من مسايرة زملائهم الطلاب في جامعة طنطا لأسباب ذكرناها أعلاه إضافة إلى التكلفة والنفقات التي أثقلت كاهل أهلهم وذويهم .

لقد وقعت الطالبات الثلاثة شأنهن شأن باقي زملائهن أو زميلاتهن من كلية الصيدلة كما وقع طلاب كلية الطب ضحية على أيدي الزمرة  التي  بيدها القرار ، فمن الذي يتحمل تعاسة هؤلاء المساكين ؟ الجحش أم الحمار ؟

·       وفي مستشفى الشفاء بمدينة غزة  عمل أحد الأساتذة الأطباء في مجال الإشراف على الأطباء الذين هم في مرحلة الامتياز  وفي أثناء نقاشه لطالب يحمل رسالة الماجستير أيقن ذاك الأستاذ أن هذا الطالب الطبيب ضعيف جدا ولا يصلح أبدا لعلاج المرضى وأن مستواه لا يزيد عن مستوى طالب في الصف التاسع الأساسي ، وبعد أيام تفاجأ الأستاذ بأن هذا الطالب تنصبه السلطة الفاسدة مديرا إداريا عليه !! لقد كبر الجحش وصار حمارا .

·       وفي ظل استمرار نقص الكفاءات الطبية العاملة في وزارة الصحة حضر إلى أرض الوطن طبيب فلسطيني متخصص بالمسالك البولية وأمراض الكلى من بريطانيا ليساهم في خدمة شعبه بالمجان بدون مقابل ، وقام بإجراء عمليات جراحية ناجحة مائة بالمائة وقد عجز أطباء غزة عن إجرائها من قبل ، اعتبر الأطباء المتخصصون بنفس تخصصه والذين يقيمون في غزة أن هذا الطبيب البارع المشهور جاء ليكشف عن عوراتهم المفضوحة ويظهر عجزهم بشكل فاضح وهو ما لم يقصده على الإطلاق كما حدثني . إنما كان همه وجل قصده هو تقديم خدمة لشعبه المعذب ، أخذ الأطباء الجهلة الذين اتخذوا من الطب مهنة وسمسرة وتجارة يضايقون على الطبيب الضيف حتى وصل بهم الأمر إلى الإيعاز بعدم تجهيز غرف العمليات لمرضاه بل قطع الكهرباء أثناء إجرائه للعملية الجراحية وتعطيل المولدات الكهربائية والأجهزة الطبية الموجودة في غرف العمليات ، أقسم الطبيب أنه لن يجعل هذا المكان من الوطن مأوى له ولا مسكنا وأنه لا وجود له في مكان لا تُقدر فيه مهنة الطب ، فمن المسئول عن ذلك لقد كبر الجحش وصار حمارا .

·       في كثير من أقسام وزاراتنا الكرتونية السلطوية يوجد رؤساء أقسام على درجة مدير عام ولا يحمل شهادة الثانوية العامة وقد تم توظيفهم على أيدس سلطة أوسلو القمعية الخائنة بينما تحاصر السلطة نفسها الطاقات والكوادر المبدعة من حملة التخصصات وأصحاب الخبرة وتحاربهم في لقمة عيشهم ، فمن المسئول عن ذلك ؟  لقد كبر الجحش وصار حمارا .

·       لقد ارتفعت وتيرة الأحداث المؤسفة التي تقع بين العائلات بشكل يومي أدت إلى سقوط حوالي خمسة وعشرين قتيلا وما يزيد عن المائة جريح في مدة أقل من شهرين حتى تاريخه في قطاع غزة ، وتفشت ظاهرة الحقد بين الناس  وغابت المحبة والألفة ، وعندما تسير في شوارع غزة (على سبيل المثال لا الحصر) وتتعامل مع التاجر أو السائق أو البائع أو الموظف فلا يمكن أن يخفى عليك الأسلوب الجاف والخشن الذي يتم التعامل فيه ، فمن المسئول عن هذا التدهور والانحطاط ؟ الجحش أم الحمار .

·       ارتفعت نسبة الطلاق في محاكمنا الشرعية حتى وصلت إلى ما يقرب من ( 60  %  ) لترتفع معها نسبة تشتت الأطفال وحرمانهم وهدم الأسر والمجتمعات فعلى من تقع مسئولية التدهور الأخلاقي والاجتماعي ؟ على الجحش أم على الحمار .

·       باتت مخاطر فساد زمرة أوسلو السلطوية العميلة ظاهرة جلية في تدمير النسيج الاجتماعي في كل أبعاده فازدادت معاناة المواطن الفلسطيني الذي ُيعتبر بجوهره الدم الذي يجري وينبض في شرايين وأوردة الوطن الذبيح ، فمن يتحمل المسئولية في ذلك ؟ الجحش أم الحمار ؟.

·       وتيرة الفقر والبطالة في ارتفاع متزايد ملحوظ والتسرب في مدارسنا على خطورته وأهميته باعتباره قضية وطنية وإنسانية ظاهرة للعيان رغبة في البحث عن لقمة العيش حتى أنني رأيت بعيني طفلة تقف على كوم من القمامة حافية القدمين رثة الملابس ، تنبش في القمامة ، باحثة عن شيء ، لا يزيد عمرها عن العشر سنين  ، راقبتها عن قرب دون أن أجعلها تشعر بمراقبتي فوجدتها تأكل قشر الموز الملقى في القمامة وبيدها دجاجة ميتة ، توجهت إليها برفق وهدوء سائلا : لماذا تبحثين في القمامة ؟ فقالت : إن أبي لا يعمل ونحن في البيت تسعة ولا يوجد مع أبي نقود ليشتري لنا طعاما وقد طلب مني أن أبحث عن طعام من على أكوام القمامة ، سألت الطفلة : ما اسمك ؟ وأين يقع بيتكم ؟ فبكت الطفلة وقالت : إن أبي طلب مني ألا أقول لأحد عن اسمي ولا أين نسكن وإلا فسوف يضربني ، وفرَّت من أمامي تجري بسرعة  لتختفي بين الأزقة ، من المسئول عن هذه الأسرة يا زمرة أوسلو ؟ الجحش أم الحمار ؟ .

·       ازداد عدد المرضى في عهد السَّلطة الأوسلوية وغاب العلاج تحت حجج وذرائع غير حقيقية لتتم سرقته بشكل منظم وممنهج على أيدي أزلام السَّلطة المتنفذين  كما تمت سرقة المتابعة والمراقبة والتفتيش ، وأصبح الذين يرغبون في العلاج بالخارج صيدا ثمينا لسماسرة الدم فلقد كبر الجحش وصار حمارا ، ولقد حدثي أحد الأطباء أنه وزملاءه من الأطباء والصيادلة يحصلون على حقيبة في كل بداية شهر من نوع ( شمس نايت ) ممتلئة بالأدوية !! فمن المسئول عن ذلك ؟ الجحش أم الحمار ؟ .

ووفقا للتقديرات أن حوالي ( 20 % ) من شبابنا في قطاع غزة مصابون بمرض الكبد الوبائي وأن ما يقرب من ( 600  ) من شبابنا العاملين في إحدى الأجهزة تبين بعد الفحوصات أنهم مصابون بنفس المرض ( في جهاز واحد فقط ) وأن ( 35 % ) من مرضى السرطان في قطاع غزة هم من سكان المنطقة الشمالية – بيت لاهيا تحديدا – وذلك بسبب أحواض الصرف الصحي المنتشرة هناك والتي تهدد صحة وحياة عشرات الألوف من السكان المغلوب على أمرهم  معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ يا سلطة أوسلو فعلى من تقع مسئولية ذلك ؟ على الجحش أم على الحمار ؟

·       غاب الضمير عن الأداء الوظيفي وانتُزعت منه الروح وأصبح كل شيء يعتمد على الشكليات الفارغة والروتين الأجوف وبدلا من النظر إلى أن العمل أمانة ورسالة وواجب يُقدم  لأبناء شعبه غاب الإحساس بهذا الشعب فقراءة الصحيفة والنظر إلى التلفاز في مكتب مكيف بأفضل أنواع المكيفات وشرب الشاي أو القهوة ومد القدمين على المكتب والحديث بكل استعلاء وهزهزة الكرسي تحت المؤخرة ذات اليمين وذات الشمال هو أفضل بألف مرة من خدمة شيخ كهل أو أسرة أنهكها الفقر وأرهقتها الحياة لقد كبر الجحش وصار حمارا .

·       واليوم في مجال التوظيف ، كل من يتقدم بطلب وظيفة مدنية كانت أو عسكرية عليه أن يحصل على كتاب الرحمة وصك الغفران من أزلام فتح وإلا فمصيره الحرمان كما كان يفعل في الناس زعماء الكهنة في العصور الوسطى أيام الحكم الكنسي لبني البشر في أوروبا ، فهل أصبح حكم الفتحاوي لأخيه الفلسطيني جريمة يعاقب عليها قانون الأرض والسماء ، لقد كبر الجحش وصار حمارا ، فأين أنت يا فتح ال ( 65 ) يا فتح الانطلاقة يا فتح الثورة والبركان واللهيب يا فتح حب الشعب والوطن والقضية يا فتح الإحساس بنبض الشارع وهمومه ؟ أين أنت يا فتح صلاح خلف وسعد صايل ؟ أين أنتم معشر الأوفياء الشرفاء ؟ وقد أمسى المواطن على أرض وطنه غريبا منبوذا !! لأن الحمار أصبح حاكما والجحش راعيا والثعلب أمينا .

·       إن الإنسانية وحب الوطن و الإخلاص للقضية لا تحتاج إلى وصفة عطار لأن العطار لا يُصلح ما أفسده السلطان كما أنها ليست وصفة سحرية ولا بقدرة كن فيكون  . ولكنها بوقفة حق أمام محكمة الضمير إن تبقى من الضمير شيء فلقد فقدنا الأمن وفقدنا الكرامة وتفشت بيننا ظاهرات تفتك بمجتمعنا فتكا وصرنا بين مطرقة الفساد السلطوي المتخمج العفن  وبين سندباد تقصير الفعل الشعبي العاجز عن القيام بمسيرة حتى من أجل الأسرى على أبواب صليب أحمر أو أزرق !! بسبب البلبلة والحيرة والقلق الذي يحياه المواطن ، إنها الكارثة بحقيقتها على جميع الأصعدة المجتمعية والتي تهدد استقرارنا وأمننا وحياتنا ومستقبلنا فلقد كبر الجحش وصار حمارا ،

·       وفي الأيام الأخيرة نسمع عن رصد مليوني دولار لمن يأتي برأس قاتل  موسى عرفات ، فوا عجبا من شعب يقوده جحوش أو حمير ثم يبقوا صامتين !!! .

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع