د. حسن أبو حشيش
أستاذالصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية بغزة
hassan6767@hotmail.com
5/19/2005
تشكيك فتح في الانتخابات..وقرارات
المحاكم..طعنة في الظهر وخطوة إلى الوراء!!
من الطبيعي أن نقف وقفة إجلال وإكبار أمام العمليات
الانتخابية المتتالية التي تحدث في الأراضي الفلسطيني المحتلة، وذلك كونها
سجلت
شيئا جديدا، وسلوكا نادرا وغريبا, عن المنطقة بل عن الكثير من الدول
العالمية، فنحن
جزء لا يتجزأ من منطقة لا تعرف من الديمقراطية إلا شكلا وشعارا، وأثبتنا
أننا
ندركها شعارا ونطبقها ممارسة وفعلا... كما أننا سجلنا تصرفا حضاريا وسط
حصار وهيمنة
الإحتلال الصهيوني على كل مقدراتنا... وخوفا من الحسد، وآثار العين !!! ،
وتأكيدا
منا على أهمية عدم الانزلاق عن السلوك الرائع الحادث، فقد حذرتُ في أكثر من
موضع من
تنامي ظواهر من شأنها تعكير الأجواء والانحراف بالعملية الديمقراطية عن
مسارها
الجيد، وتفريغ العملية الانتخابية من مضامينها، والحنين والشوق للممارسة
الديمقراطية الشكلية السائدة في جنسعالمنا الثالث.
لقد حذرتُ من ذلك لاستشعاري أن هناك عدم رضى وقبول
عن الانقلابات السياسية التي تشهدها الساحة الفلسطينية ، وأن هناك معاندة
للواقع
وللحقيقة المرة ، وأن هناك وقوفا في وجه الموج العالي. حيث لمسنا الكثير من
التجاوزات التي شابت الدعايات الانتخابية هنا وهناك ، ووجدنا تدخلا غير خفي
من
أجهزة الحزب الحاكم في تنظيم الدعاية الانتخابية , وإلا كيف نفسر وجود
وزراء وقادة
أجهزة أمنية يقودون حملات انتخابية مع فصائل ضد أخرى؟! ونسى هؤلاء أنهم
أمناء على
مؤسسات عامة، وأنهم باتوا لا يمثلون تنظيمهم ولا أنفسهم بل المجموع العام
بكافة
أطيافه.. إلا إذا رضوا ورغبوا في أن يكونوا وزراء لفئات دون الأخرى، الأمر
الذي
أعتبره بدعة في السلوك السيادي والسياسي للدول على مدار التاريخ.
وللأسف من الواضح أن هذا التحذير لم يجد اهتماما من
أحد ، ووُضِعتْ أهداف الربح والفوز بالانتخابات في مصاف الموت والحياة،
والكيانية
من عدمها , والوجود واللا وجود . وبقي الحال في تصاعد إلى أن وجدنا كما قرأ
الرأي
العام، وشاهدتْ الجماهير تلك الحملة الإعلامية غير المنطقية والمسيرات
المسلحة،
والزعرنة في الشوارع والطرقات ... رفضا لنتائج العملية الانتخابية وخاصة في
قطاع
غزة، وخاصة في تلك البلديات التي فازت فيها حركة حماس وخسرت فيها حركة
فتح.
وكأن البلديات التي فازت فيها فتح كانت الانتخابات
فيها على أعلى درجة من المثالية والكمال، والنموذجية الحضارية بمقاييس
عالمية , ولم
يسمع و يرى المواطن حالة الترغيب والترهيب والطعن بالسكاكين ، وكل ما يمكن
فعله
قانونيا وغير قانونيا , مدركا وغير مدرك وخاصة في بلديتي عبسان الجديدة
والكبيرة
شرق محافظة خانيونس في جنوب قطاع غزة...وكأن التهجم بالأسلحة النارية من
مسلحي فتح
في إحدى قرى الضفة الغربية والسيطرة على الصناديق هو مظهر حضاري لا يستدعي
من فتح
أن تقف وقفة شهامة ورجولة ومحاسبة القائمين على هذا السلوك.
لعلي أستوعب أن أبحث عن مبرر لحركة فتح في هجمتها
الإعلامية ضد نتائج حماس في غزة..ولكن الذي لا أستوعبه ولن أستوعبه هو
التشكيك في
لجنة الانتخابات ذات الميول والتركيبة والفكر والقيادة الفتحاوية، وهي
مشكَلة من
رموز فتحاوية في الضفة والقطاع، كذلك حالات التشدق بأهمية القضاء، وضرورة
الالتزام
بقراراته...!!! هنا استيقظ الشعب من النوم على استقلالية القضاء ، ودور
سلطة القضاء
ونزاهتها ، وأنا لا أشكك في سلطتنا القضائية ورجالاتها، ولكن أتساءل عن
فسحة
الحريات وهوامش الاستقلال التي تمنحها السلطة التنفيذية بقيادة فتح للقضاء
؟! ثم
أين تنفيذ عشرات قرارات المحاكم في قضايا مصيرية للشعب الفلسطيني ؟! واين
الالتزام
بالقانون في بلدة الرام في القدس التي تشهد الخميس 19/5/2005م انتخابات
بلدية وسط
انسحابات للكتل والعشائر احتجاجا على السجل الذي اردفته اللجنة بمئات
الأسماء من
خارج جفرافية البلدة رغم وجود حكم قضائي بشطب هذه الأسماء. أقول هنا بكل
حسرة الآن
عدنا لأصول العالم الثالث الذي يعيش مظاهر كثيرة من أبرزها الاستخفاف
المستمر من
قبل الانظمة الحاكمة بعقل الرأي العام في سياسة التبرير لسلوكها.
أتكلم وأكتب بمرارة وأنا أسمع رغبة بعض أعضاء اللجان
الانتخابية وهي تحاول وتسعى إدانة نفسها بنفسها كمن يفقع عينه بيده ، أو
يطعن قلبه
بخنجره، وأنا أسمع بعض الخروقات التي حدثت في مدينة رفح والبريج وبيت لاهيا
والمغراقة, حيث لم يعلمها ويدركها إلا الذي فعلها ورتب لها، وهو يدرك أن
المحطة
الفلانية فيها خدش، والمحطة العلانية فيها زيادة، والأخرى فيها موتى
ومسافرون وغير
موجودين في اماكن سكنهم.. أقولها بوضوح من صنع بيده هذا الأمر هو الذي أعد
تقريرا
فنيا ومذكرة قانونية بسرعة فائقة، فلقد سمعنا كل هذا الكلام قبل التحقيق،
وقبل
المحاكم، وقبل كل شيء من خلال المؤتمرات الصحفية لقيادة فتح، وبعض من سموا
أنفسهم
بالمنظمات الأهلية ايام الجمعة والسبت والأحد 8,7,6/5/2005م , سمعناه يوم
الأثنين
9-5
حين أعلنت اللجنة الانتخابية مؤكدة على إدانة نفسها بنفسها.
إن وصف الانتخابات أنها مزورة هي طعنة فتح لفتح،
وطعنة لجنة الانتخابات لسمعتها ومصداقيتها، وهي مسألة أدعي وأزعم أنها
مدبرة وتم
حبكها بحكم أن مقدرات الأمور، ومفاتيح الهيئات والمؤسسات في يد السلطة
والتي هي
بقيادة حركة فتح.
والذي زادني دهشة واستغرابا هو الإعلان المتكرر من
قبل حركة فتح أنها هي صاحبة الفضل في إرساء الحياة الديمقراطية الأمر الذي
أعتبره
إساءة للمجموع الفلسطيني الذي له يعود الفضل في النضال والعمل على إجراء
الانتخابات، وإلا لماذا لم تجر فتح انتخابات تشريعية منذ حوالي ست سنوات،
وبلدية
منذ حوالي ثلاثين عاما، وأحيل القارئ والمراقبين إلى مقال النائب نبيل عمرو
في
جريدة الحياة الجديدة حول هذا الموضوع (18-4-2005م)
إن التركيز على هذه القضية يعتبر تغطية على
الممارسات والمواقف المناقضة للفكر الديمقراطي والانتخابي.
وأتساءل هنا أين الإبداع الديمقراطي المتُشدَق به
أمام حالة الفوضى والهولامية في طرح التمثيل النسبي، فتارة فتح تطالب مائة
بالمائة،
وتارة مناصفة , وجاء قرار فتح في التشريعي خارج سرب فتح خارج التشريعي...؟!
وأين
الإبداع في مسألة المزاوجة بين السجل المدني والسجل الانتخابي مما أحدث
حالة من
الربكة والفوضى، وفتح سبل الطعن والتشهير.
أقول كل ذلك ليس تعصبا لأحد ضد أحد، ولكن من مرارة
الواقع، و مخاطبا للعقل بعيدا عن العاطفة. كل ذلك حدث حتى لا يتم الاعتراف
بعجز
القيادة، وضعف حركة البناء الداخلي، وعدم الانسجام بين مكونات التنظيم،
وعدم الجرأة
في تحمل مسئولية الفشل والتراجع التي تستدعي التنحي والمحاسبة عند من يحترم
الذات،
ويقدر المسائل، ولا يركب الدماغ ويقلب الأمور بأي ثمن و وسيلة.
وأعود لأتساءل كيف سيكون الحال في انتخابات كبيرة
أكبر من رفح كغزة ونابلس والخليل وخانيونس وجباليا ؟! وماذا ستكون ردة
الفعل في
الانتخابات التشريعية المقبلة ؟! بل كيف لو قررت حماس الدخول في الانتخابات
الرئاسية ؟! أو قرر الجميع إجراء انتخابات لمنظمة التحرير وقررت جميع
الفصائل بما
فيها حماس المشاركة والمنافسة. ثم لنتصور معا ماذا كان سيحدث لو خرجت حماس
بمسيرات
مسلحة مضادة لمسيرات فتح في ايام النتائج الأولى؟!!!
إنني هنا أدعو وبشدة وبقوة إلى المنافسة الحرة
والشريفة والخالية من كافة التصرفات المبيتة، وعلينا المحافظة على رونق
ونزاهة
اللجان الانتخابية التي تعرضت لشتى أنواع الضغط النفسي والمعنوي، وعلينا
تفعيل
القضاء، وإعادة الهيبة للسلطة القضائية، وعدم استدعائها حسب الطلب والحاجة
الحزبية...وعلينا القبول بالتتغير والتبديل الذي يجري في الخارطة السياسية
الفلسطينية ديمقراطيا، إنني كمراقب وكإعلامي لم أسمع أحدا في الإعلام ولا
في
الندوات والحوارات أن فتح خسرت كل الشارع , وأن حماس فازت بكامل الأصوات،
إنني أقول
كما قلت في كل مقالاتي السابقة أن الشارع يتقاسمه قوتان هما فتح وحماس ولكن
نظام
الانتخابات الموجود والذي أوجدته حركة فتح يتطلب بان يدير المؤسسة أو
البلدية أو
التشريعي من يحصل على الأغلبية حتى ولو كانت قليلة.
نأمل ان تتوقف الحملات الإعلامية، وإنهاء أجواء
التوتر، ولنعلم جميعا أن الانتخابات هي وسائل وليست غايات، وان الاحتلال
مازال
مستمرا في ممارساته وسيطرته، لذا كله ندعو إلى الهدوء ، والتريث، والممارسة
الديمقراطية والصبر عليها وعلى نتائجها
|