تصريحات فايسغلاس: فرصة لاسقاط الأوهام
الباقية
بقلم:
هاني المصري*
لم نكن
بحاجة الى تصريحات فايسغلاس حتى نعرف حقيقة ما يجري، ولكن
الذي لا نفهمه لماذا يصر البعض خصوصا من الفلسطينيين والعرب على التعلق
باوهام
احياء خارطة الطريق تارة، واوهام ربطها بخطة الفصل تارة اخرى؟ على الجميع
ان يدرك
ما استنتجه شارون وعمل على اساسه، وهو عدم امكانية وجود شريك فلسطيني في
وضع أو
تنفيذ مخطط شارون الاستراتيجي الذي يقوم على فكرة الحل الانتقالي طويل
الامد متعدد
المراحل، والذي يهدف الى نسف اية امكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وذات
سيادة
وقابلة للحياة، وعاصمتها القدس.
فضح دوف فايسغلاس كبير مستشاري ارئيل شارون
حاليا، ومدير مكتبه سابقا، ويده اليمنى منذ توليه سدة الحكم وحتى الآن
السياسة
الاسرائيلية في لحظة صدق نادرة يجب عدم تفويت الوقوف عندها.
لقد قال فايسغلاس ما
نردده منذ فترة طويلة، وهو ان "خطة الفصل" التي طرحها شارون، والذي كان
فايسغلاس
مهندسها ومسوقها الرئيس خصوصا لدى الادارة الاميركية: استطاعت منع قيام
دولة
فلسطينية الى أجل غير مسمى، وتعزيز الاستيطان، وتجميد عملية السلام لفترة
غير محددة
(وهذا
انجازها المركزي كما قال) وذلك كله تم بمباركة اميركية. واضاف فايسغلاس: ما
اتفقت عليه فعليا مع الاميركيين في المحادثات التي قادت الى تبني بوش لخطة
الفصل هو
ان هذا الجزء من المستوطنات (الذي يضم 190 الف مستوطن من 240 الفاً يشكلون
عدد
المستوطنين في الاراضي المحتلة العام 1967 باستثناء القدس) لن يتم تناوله
بصورة
تامة في المفاوضات لا الآن ولا في المستقبل. والجزء المتبقي من المستوطنات
الذي يضم
50
الف مستوطن سيتم التفاوض حوله بعد ان يصبح الفلسطينيون شركاء في المسيرة
السياسية، تصريحات فايسغلاس ليست زلة لسان ولا مجرد لحظة صدق، وانما موجهة
لليمين
المتطرف الذي يعارض خطة شارون ومحاولة للقناعه بتأييدها او عدم عرقلتها.
تصريحات
فايسغلاس رغم ذلك لحظة صدق نادرة لا تتكرر كثيراً او اذا شئنا الدقة على
الاقل، لا
تتكرر على صورة تصريحات علنية، فقد قال شارون نفسه عندما طرح خطة الفصل على
بوش
بانها مستقلة عن خارطة الطريق، وقال منذ أشهر انها ليست مطروحة على جدول
الاعمال.
ووبخ شارون قبل عدة اسابيع وزراءه لانهم لا يزالون يستخدمون في تصريحاتهم
عبارة
"خارطة
الطريق" على اساس انها لم تعد موجودة.
وفي تلك المرات، اعربت الادارة
الاميركية، مثل هذه المرة عن اطمئنانها لالتزام شارون بخارطة الطريق،
واعتبر الناطق
باسم الخارجية الاميركية ان ما ادلى به فايسغلاس لا يتناسب مع ما نعتقد انه
موقف
الحكومة الاسرائيلية.
وعندما نقرأ البيان الذي اصدرته الحكومة الاسرائيلية والذي
جاء فيه ان خارطة الطريق تبقى هي الخطة الوحيدة التي يمكن ان تسمح باحراز
تقدم
باتجاه سياسي قابل للاستمرار بين الاسرائيليين والفلسطينيين، نلاحظ انه لا
معنى له.
والبيان لا يتناقض الا شكليا مع تصريحات فايسغلاس. فالبيان الاسرائيلي يؤكد
ان
الحكومة الاسرائيلية اتخذت في غياب الشريك الفلسطيني مبادرة "خطة الفصل".
وعندما
يصبح هناك شريك فلسطيني ستتم العودة الى خارطة الطريق. وبما ان الشروط
الاسرائيلية
الموضوعة على الجانب الفلسطيني تجعل مسألة وجود "الشريك الفلسطيني" المطلوب
من رابع
المستحيلات، فهذا يعفي اسرائيل من الالتزام بخارطة الطريق ويجعلها تمضي في
"خطة
الفصل" التي هي -كما تؤكد الحكومة الاسرائيلية دائماً-خطة مستقلة عن خارطة
الطريق.
وعندما نقرأ التصريحات المنسوبة الى مصادر في مكتب رئيس الحكومة
الاسرائيلية تعقيبا على تصريحات فايسغلاس، سنجد انه خلافا لوصف فايسغلاس
بالمتغطرس
وغير الناجح، فكل ما قالته هذه المصادر يؤكد ما ذهب اليه فايسغلاس. لقد جاء
في
تصريحات المصادر في مكتب شارون انه لو لم يبادر رئيس الحكومة بخطة الفصل
لكانت
اسرائيل ستدخل في دوامة المبادرات السياسية الاخرى التي ستجني ثمنا باهظا
من
اسرائيل في ظروف اقل جودة. واضافت المصادر: لولا خطة الفصل لكنا اليوم
مجبرين على
الشرح لماذا لا نتقدم في عملية السلام والمفاوضات. ولولا خطة الفصل لكنا
مرغمين
اليوم على الحديث عن قضيتي القدس واللاجئين، لقد نجحت خطة الفصل في تأجيل
ذلك.
رغم ما سبق كله، وغيره ما هو اهم منه، وهو ما يجري تطبيقه على الارض من فرض
امر واقع احتلالي استيطاني عنصري من خلال استمرار وتصعيد العدوان العسكري
وتكثيف
وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وفرض خطة الفصل العنصري من خلال بناء
واستكمال بناء
الجدار، تعرب الادارة الاميركية عن اطمئنانها لالتزام شارون بخارطة الطريق،
ودفاعها
عن حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها، لدرجة استخدام الفيتو ضد مشروع قرار في
مجلس الامن
يدين العدوان العسكري الاسرائيلي ضد شمال غزة ويطالب بوقفه وانسحاب القوات
الاسرائيلية. ان كل هذا يوضح للاعمى قبل البصير ان الادارة الاميركية
الحالية ليست
فقط منحازة لاسرائيل وانما هي شريكة لها في عدوانها ضد الشعب الفلسطيني في
تدمير
عملية السلام وشق الطريق امام الحل الاسرائيلي احادي الجانب الذي تجري
محاولة فرضه
بالقوة والعدوان والحديد والنار. الادارة الاميركية عندما تعلن تمسكها
اللفظي
بخارطة الطريق ودعم سياسة اسرائيل التي قتلت هذه الخارطة وهي في المهد،
انما تفعل
ذلك من أجل ترضية اطراف اللجنة الرباعية الاخرى والعرب والفلسطينيين الذين
لا
يزالون يعلقون الآمال (الاوهام) على انطلاق دور اميركي متوازن او اقل
انحيازا
لاسرائيل، فهم لا يستحقون سوى ترضية بكلام فارغ لا معنى له يتناقض كليا مع
ما يجري
على الأرض امام الجميع.
لم نكن بحاجة الى تصريحات فايسغلاس حتى نعرف حقيقة ما
يجري، ولكن الذي لا نفهمه لماذا يصر البعض خصوصا من الفلسطينيين والعرب على
التعلق
باوهام احياء خارطة الطريق تارة، واوهام ربطها بخطة الفصل تارة اخرى؟ على
الجميع ان
يدرك ما استنتجه شارون وعمل على اساسه، وهو عدم امكانية وجود شريك فلسطيني
في وضع
أو تنفيذ مخطط شارون الاستراتيجي الذي يقوم على فكرة الحل الانتقالي طويل
الامد
متعدد المراحل، والذي يهدف الى نسف اية امكانية لقيام دولة فلسطينية
مستقلة، وذات
سيادة وقابلة للحياة، وعاصمتها القدس. فشارون لا يريد ان ينسحب من الأراضي
الفلسطينية المحتلة خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة، وانما يريد تدمير قطاع غزة،
واعادة
احتلاله اذا اقتضى الامر، تمهيداً "للانسحاب منه" بعد ذلك وتحويله الى سجن
كبير لكي
يتمكن من الادعاء بانه "قدم تنازلا استراتيجياً" مؤلماً في غزة، يعفيه
ويعفي
اسرائيل لسنوات طويلة قادمة من تقديم تنازلات مماثلة في الضفة، وهذا يعطي
لاسرائيل
مدة كافية لمصادرة واستيطان وتهويد اكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة، وترك
ما تبقى
منها من مناطق آهلة تعيش في كانتونات منفصلة عن بعضها البعض، يمكن ان
يتقاسم
ادارتها اسرائيل والفلسطينيون والاردن وحتى يمكن ان تشارك الامم المتحدة في
مرحلة
لاحقة، ولكن على اساس ان هذه الكانتونات التي قد ترتبط او لا ترتبط مع
كانتون غزة،
لا تشكل دولة فلسطينية تستحق اسم دولة وتملك من مقومات الدول أكثر من
الاسم.
الاقلاع عن الاوهام، يظهر بالاعلان فلسطينياً وفي كل وعلى اعلى المستويات
بصورة
واحدة لا تقبل اللبس بانه في ظل حكومة شارون لا يوجد شريك فلسطيني، وان كل
الجهود
يجب أن تركز على اسقاط دحر برنامج الحكومة الاسرائيلية الحالية، فهو برنامج
احتلالي
استيطاني توسعي عنصري، معاد للاسلام، ولا يؤمن بالمفاوضات، فتكرار الحديث
الفلسطيني
عن المفاوضات واستئنافها لا يسمن ولا يغني من جوع. بل هو خداع للنفس قبل ان
يكون
خداعاً للآخرين.
* كاتب
ومحلل سياسي فلسطيني يقيم في رام الله.
|