ترسيم حدود الكيان الصهيوني ... بالون اختبار أم دعاية انتخابية ؟

  محمـد العبـد اللـه

    خلال ثلاثة أيام متتالية، توالت تصريحات أبرز المسؤولين في حكومة العدو الصهيوني،عن ضرورة التوصل خلال العامين القادمين لتحديد حدود " الدولة / الثكنة ". إن ماتضمنته كلمات  "أولمرت ، موفاز، هنغبي " تجاوزت الحديث عن " النوايا والوعود " لتنتقل إلى الهدف المباشر من وراء هذه الحملة ، وهو التنفيذ الفعلي للإنفصال وتثبيت الحدود، خارج إطار القوانين الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. إن التساؤل المشروع، والممتد منذ عدة عقود، عن صمت المجتمع الدولي على الحالة التي مثلتها دولة العدو منذ 1948، والذي ساهم هذا المجتمع _ من خلال تحكم " المصالح الإستعمارية " لبعض دوله في الهيمنة على قراراته _ في شرعنة هذا الكيان " غير المحدد " مساحة ، لم يجد جواباً حتى الآن! مما شكل بوضعيته المستمرة ، شذوذاً وخروجاً على المألوف في قواعد القانون الدولي ، الذي يطالب الكيانات السياسية القائمة بترسيم حدودها .

    المقابلة الإعلامية الأولى لرئيس حكومة العدو بالوكالة " ايهود أولمرت " مع القناة الثانية بالتلفزيون " الاسرائيلي " في السابع من الشهر الحالي،والتي نقلت ماجاء فيها صحيفة " هآرتس " أفصحت عن برنامج الحزب الشاروني "إلى الأمام " وبالتالي عن خطة عمل الحكومة القادمة التي تتحدث كل الدراسات والاستطلاعات عن تحكم هذا الحزب في تشكيلها. يقول " أولمرت" (نحن نسير نحو الانفصال عن الفلسطينيين، سننفصل عن معظم السكان الفلسطينيين الذين يسكنون في مناطق يهودا والسامرة، وسنقوم بتحديد  حدود دائمة لاسرائيل ) ليؤكد ماستضمه الحدود من أراض بالضفة الفلسطينية (إننا سننطوي على أنفسنا في الكتل الاستيطانية المركزية ونحافظ على القدس الموحدة. معاليه أدوميم وغوش عصيون وأرئيل ستكون جزء من دولة اسرائيل ) موضحاً موقفه حول غور الأردن ( لايمكن التنازل عن السيطرة في الحدود الشرقية لاسرائيل ). في اليوم ذاته، نقلت صحيفة " معاريف " تصريحات سياسية  مفاجئة _ حسب قول الصحيفة _ لوزير الحرب " موفاز " أثناء جولته في اليوم السابق على مستعمرات غور الأردن. يقول الجنرال الدموي ( في غضون عام حتى عامين بعد الانتخابات ، ستقرر الحكومة الحدود الدائمة لاسرائيل وستعمل بحزم لتحقيقها ، هذه الحدود ستستند إلى الغور والكتل الاستيطانية ) موضحاً لمستمعيه من المستعمرين ( في نظري غور الأردن يندرج في المصالح الوطنية والأمنية. لاريب لدي أن الغور في المستقبل جزء من دولة اسرائيل مهما كان الوضع الذي سينشأ، وعليه أن يزدهر ويتفتح) شارحاً بتفاصيل دقيقة خطة العمل المستقبلية ( في السنوات القريبة القادمة ستستند قرارات الحكومة الى الكتل الاستيطانية : القدس ومعاليه أدوميم، غوش عصيون، أرئيل، ريحان شيكد، عوفريم وغور الأردن . هذه هي المستوطنات التي ستقرر حدود دولة اسرائيل ).

   بعد يوم من هذه التصريحات التي غطت وسائل الاعلام ، أدلى وزير شؤون القدس في حكومة العدو " تساحي هنغبي " العضو البارز في الحزب الشاروني، بدلوه في حمى التصريحات المنهجية، بتعابير مباشرة، وأكثر وضوحاً. صحيفة " معاريف " نقلت في عددها الصادر يوم الخميس "في التاسع من الشهر الحالي" أقوال الوزير العنصري ( إنني أؤيد تماماً ماقاله أولمرت، لاأستبعد إذا ماتبين أن لافرصة للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، أن تعمل اسرائيل على خطوة أحادية الجانب، في مركزها الاستقرار، وبالمقابل تفرض سيادتها على الكتل الاستيطانية ، نحن نريد أن نصل الى التسوية مع شريك، وإذا لم يكن هناك شريك فسنعمل على ترسيم حدود دولة اسرائيل ) مضيفاً على ماصرح به أولمرت وموفاز ( سنحافظ على أماكن ذات مصلحة وطنية أو أهمية تاريخية مثل الحرم الابراهيمي في الخليل ) مستدركاً ( انه في كل الأحوال من السابق لأوانه الحديث عن ذلك ، فنحن لانريد أن نفقد الرافعة التي لدينا في الأسرة الدولية ) .

    أمام هذا الموقف الذي عبرت عنه تصريحات القادة الحاليين والمحتملين داخل كيان العدو، يمكن لنا الاستدلال ، بأن العقلية الشارونية ، السياسية والأمنية، هي التي تتحكم بخطة العمل القادمة. فملامح المرحلة المقبلة لاتحتاج إلى اجتهاد كبير لمعرفة طبيعتها، واستشعار النتائج المترتبة على تطبيقها. فالحالة  الفلسطينية بعد الانتخابات التشريعية، وضعت قيادة السلطة الفعلية بيد قوى المقاومة والمواجهة ، وهذا مايلزمها_ استناداً لبرامجها الانتخابية التي أوصلتها لتشكل الأغلبية_ رفض أن تكون شريكاً في مفاوضات تعجيزية _ إذا وافق العدو على التفاوض مع تشكيلة الحكومة الفلسطينية القادمة التي ستشكلها " حماس " مع حلفائها _ الهدف من ورائها المزيد من التنازل عن الحقوق ، وصولاً للاعتراف بشرعية الاحتلال وضم الأراضي التي سيطر عليها العدو بعد عام 1967. ومع استمرار سياسة الاغتيال والاعتقال، ومصادرة الأراضي، وبناء جدار الضم والفصل العنصري الفاشي ، ووجود مايقارب تسعة آلاف أسير،واندفاع العدو في تنفيذ خطة الانفصال وفك الارتباط من جانب واحد. فإن نـُذر الانفجار القادم تلوح بالأفق، وهو مايوفر مجدداً عوامل استنهاض وطنية، تكون المحرك الحقيقي لتجديد الانتفاضة .

    إن الهجمة الخطابية تلك، ماهي إلاّ خطوة استباقية، تهدف لمباشرة الضغط على الحكومة الفلسطينية القادمة، وتعبير عن الاستجابة للبرنامج الانتخابي لحزب " كاديما " الشاروني ، الذي سيكون فعلياً ، خطة عمل حكومة العدو القادمة . لهذا فإن شراكة سياسية فلسطينية ، تستند إلى برنامج العمل الوطني المقاوم ، المدعوم بحالة شعبية ، ومؤسسات أهلية / اجتماعية فاعلة ، سيوفر للقيادة الجديدة عوامل الصمود . إن خطر الخطة الشارونية ستمتد آثاره على المحيط العربي بكامله، خاصة دول الطوق ، مما يتطلب موقفاً عربياً ، رسمياً وشعبياً ، يوفر للشعب الفلسطيني وقيادته الدعم والاسناد . 
 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع