تجنيس الفلسطينيين واخطاره علي حق العودة

2005/07/25

عوني فرسخ
احتدم الجدل خلال الأسبوعين الأخيرين في أوساط النخبة السياسية والفكرية العربية عموما، والفلسطينية منها خصوصا، حول تصريحات الرئيس محمود عباس وأركان سلطته، التي تناولت في الصميم وعلي نحو مقلق للغاية عمودي الثوابت الوطنية الفلسطينية والقومية العربية الخاصة بالصراع العربي الصهيوني. وهما حق العودة المنصوص عليه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948، والذي والت تأكيده في عدة دورات تالية.


وحق الشعب العربي في مقاومة الاحتلال الصهيوني المشروع دوليا، وبكل الوسائل المتوفرة والمتاحة، بما في ذلك السلاح، ضد القوي المحتلة ومجتمعاتها التي تدعم عدوانها وتتحمل أعباءه المادية وتبعاته الأدبية.


فالرئيس محمود عباس، وفي حديث تلفزيوني، أعيد أكثر من مرة، صرح بان السلطة لا تمانع بان تجنس الدول العربية الفلسطينيين المقيمين فيها. ومن بعده ادعي سفير السلطة لدي جامعة الدول العربية محمد صبيح بان توصية مجلس الجامعة بعدم تجنيس الفلسطينيين من قبل الدول العربية، حفاظا علي هويتهم، سقطت بالتقادم. وذلك في تناقض مع تصريح الناطق الرسمي باسم الجامعة الذي أكد بأن التوصية العربية، التي صدرت سنــة 1958، زمن الجمهورية العربية المتحدة، ما زالت قائمة ولا تسقط بالتقادم.


وبعد أن كان الرئيس محمود عباس قد أدان العملية الاستشهادية في نتانيا، معتبرا إياها من أعمال العنف، وتضر بما يسمي عملية السلام ، والي تصريحاته الرافضة إطلاق صواريخ المقاومة علي المستعمرات الصهيونية كما واصل التنديد بها، ونعتها بأنها أعمال عبثية وليست في صالح القضية الفلسطينية. بل وتضر بمصالح شعب فلسطين، وتباري أزلام السلطة في التعقيب علي تصريحات الرئيس، مكيلين الاتهامات جزافا لفصائل المقاومة. متجاهلين أنها لم تخرق اتفاق التهدئة إلا بعد أن تمادي العدو الصهيوني في عمليات الاغتيال والاعتقال وتجريف التربة وهدم البيوت في الضفة والقطاع. ناهيك عن مواصلة الاستيطان، وبناء الجدار العازل، وتعزيز حصار القدس، وتهديد المسجد الأقصي، وتدنيس المصحف الشريف.


وتصريحات السيد الرئيس وازلام سلطته لا تكمن خطورتها فقط عند حدود المساس الخطر والمقلق بحق العودة وحق المقاومة المشروعين دوليا. وإنما الأكثر مدعاة للقلق دلالة تلك التصريحات، من حيث إنها توحي بقراءة غير دقيقة لحقائق ومعطيات الواقع فلسطينيا وعربيا ودوليا. فضلا عن كونها مؤشرا علي أن نهج أوسلو لما يزل هو الخيار الاستراتيجي المعتمد عند الفئة السلطوية المتفردة بصناعة القرار الفلسطيني. علي الرغم من النتائج الكارثية التي ترتبت علي اتفاق أوسلو سيئ السمعة وعدم تردد احمد قريع، أبرز مهندسيه، في الحديث عن فشله الذريع.


والسؤال : متي كانت الأنظمة العربية تلتزم بقرارات الجامعة، وتعمل علي تنفيذها، وفي إدراج الامين العام ولجان الجامعة آلاف القرارات التي صدرت بالإجماع ولم تنفذ؟ ثم إنها لم تكن توصية الجامعة هي العامل الحاسم في تجنيس أو عدم تجنيس الفلسطينيين في البلاد العربية، وتحديد المواقف من إقامتهم وعملهم فيها، وإنما هي ظروفها السياسية والاقتصادية والسكانية، وقوانينها المنظمة الحصول علي الجنسية والإقامة والعمل. بدليل تمايز المواقف من الفلسطينيين في الدول العربية بين من توسعت في تجنيسهم وشجعتهم علي ذلك، ومن حدت من ذلك، ومن منحتهم كل حقوق المواطن عدا حقوقه السياسية من غير تجنيس. ومن اتاحت لهم فرص العمل بلا حدود، ومن منعتهم من العمل علي أراضيها وإن يسرت للمقيمين لديها السفر للعمل خارجها.


وأن يكون الواقع كذلك علي هذا الصعيد، والرئيس محمود عباس لا يجهل ذلك يقينا، يغدو مبررا الظن بأنه في التحليل الأخير لا يستهدف التجنيس والدول العربية بتصريحاته، وإنما إرسال إشارات لمن يعنيه أمرهم بالدرجة الأولي في واشنطن والعواصم الأوروبية وتل أبيب من جهة، وإطلاق بالون اختبار في الشارع السياسي الفلسطيني حول إمكانية مقايضة حق العودة مقابل أوهام الدولة المأمولة من جهة ثانية، وهذا هو مبعث قلق من استفزتهم تصريحاته وادعاء السفير محمد صبيح.


أما القول بان العمليات الاستشهادية ، وإطلاق صواريخ بدائية الصنع علي المستعمرات الصهيونية أضر بمصالح الشعب العربي الفلسطيني، وإنها هي التي تعطل عملية السلام ، فقول لا تاريخي أولا، ويجافي الموضوعية ثانيا، وينم عن تجاهل لحقائق الصراع الدائر ثالثا. والدليل أن قرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بانسحاب اسرائيل من الضفة والقطاع صدر في خريف 1967. ثم جري تأكيده بالقرار 338 بعد حرب 1973. وبرغم توالي الوسطاء والمبادرات حتي العام 1987، وغياب المقاومة المسلحة التام طوال عشرين عاما، لم يحدث أي تقدم علي طريق تنفيذ القرارات الدولية.


وإنه لولا انتفاضة الحجارة خلال سنوات 1987 ـ 1993، وعجز آلة الحرب الصهيونية عن قمعها، والآثار السلبية التي ألحقتها بصورة إسرائيل لدي الرأي العام العالمي، وتداعياتها في أوساط التجمع الاستيطاني الصهيوني. لولا ذلك كله متفاعلا لما تراجع رابين وأركان دولته والمؤسسة العسكرية في إسرائيل عن قرارهم بعدم التعاطي مع منظمة التحرير الفلسطينية . التي كانت تصنف باعتبارها إرهابية ، وسعيهم إلي لقاء أوسلو، الذي تم بفعل المقاومة وليس المساومة، واتاح فرصة عودة ازلام السلطة للضفة والقطاع، إذ صاروا مقبولين لدي ما يسمي المجتمع الدولي . ولكن رابين بعد أن قضي غرضه بإجهاض الانتفاضة، عن طريق الذين كانوا رموز الكفاح الفلسطيني، صار يقول ليست هناك مواعيد مقدسة ، وبدأ يتنصل من التزامات أوسلو حتي تفجرت انتفاضة الأقصي.


وليس من حالة استعمار أو احتلال في التاريخ الانساني إلا وكان ميزان الامكانيات المادية والقدرات العسكرية مختلا لصالح المستعمرين والمحتلين. ودائما كانت إرادة المقاومة وأداؤها المتميز هو المعادل الموضوعي للشعوب المحتلة أرضها والمعتدي علي حقوقها. ولأن الاستعمار في فلسطين استيطاني إجلائي فانه لا تصلح معه سياسة خذ وطالب . والدليل أن جميع المبادرات التي توالي طرحها منذ عشرينات القرن الماضي لم يجر تنفيذ أي منها، وإنما وظفت دائما لأحداث انقسام في الصف العربي، وتوفير الوقت اللازم لتمكين الصهاينة من تعزيز استيطانهم.


وحين تبدي حكومة شارون، ورعاة المشروع الصهيوني علي جانبي الأطلسي، كل هذا القلق من العمليات الاستشهادية محدودة التأثير المادي، أو من إطلاق صواريخ بدائية الصنع لا مجال لمقارنة تأثيرها بصواريخ إسرائيل، ففي ذلك البرهان الساطع علي أن ما يقلق التحالف المضاد إنما هي الدلالة المعنوية للعمليات الاستشهادية ولإطلاق الصواريخ وأثارها النفسية لدي عدو مسكون حتي النخاع بقضية الأمن ، التي هي بالتأكيد نقطة ضعفه الأولي والأساسية. وانه باستغلالها يمكن تحقيق انجازات عربية، كما حقق ذلك الفعـــل المقاوم المبدع الذي قاده حزب الله وفرض به تطبيق القرار 425، من جانب واحد.


وأن يكون الواقع كذلك، وهو كذلك يقينا، يغدو منطقيا الاستنتاج بأن ليس في صالح الشعب العربي الفلسطيني، وقضيته العادلة، ولا حتي الوصول لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، الوقوف في وجه عمليات المقاومة أيا كان أسلوبها ومستواها. وإنما بدعمها وتأييدها وجعلها الأساس الصلب للوحدة الوطنية وأداة الضغط في المفاوضات. وخلاف ذلك ليس فيه مصلحة وطنية، وإن كان في صالح الفئة التي باتت تستثمر ما كان لها من تاريخ في تعظيم مكاسبها المادية. خاصة وقد غدت مجالات الربح أوسع وأكثر إدرارا للدولارات بعد أن غدت الدول الثماني الكبار هي الراعية والممولة لإسرائيل، وللذين يساومون علي الحقوق الوطنية والقومية المشروعة. وليس حرصهم المتزايد علي التهدئة إلا بدافع خوفهم المتعاظم علي دورهم السياسي المهتز، وقلقهم المتنامي علي مكاسبهم المهددة، مقابل تعاظم الالتفاف الشعبي حول المقاومة والمقاومين.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع