التهدئة لا تعني هزيمة

د.أحمد مجدلاني

تضافرت جملة من العوامل التي أسهمت إلى حد بعيد في نجاح اتخاذ خطوات ملموسة باتجاه التوصل لاتفاق للتهدئة ، وذلك لإفساح المجال لتحرك سياسي جديد أو لإعطاء فرصة للرئيس الجديد باتجاه تحقيق برنامجه ، ومما لاشك فيه إن احد هذه العوامل المؤثرة وجود مناخ دولي وإقليمي داعم ومساند لإعطاء فرصة لاستئناف العملية السياسية بعد انتهاء الانتخابات الفلسطينية بنجاح ملحوظ وبشهادة دولية وإقليمية قل نظيرها من ناحية ديمقراطيتها وشفافيتها ، كما أن الرهان على القيادة الجديدة القديمة نظرا لمصداقيتها وبالتالي جديتها في معالجة الوضع الداخلي قد عززت مثل هذه المصداقية ، ولقد كان للحوارات التي أدارها الرئيس محمود عباس في غزة وهي حوارات اتسمت بالجدية والوضوح من جانبه ، وبالمسؤولية الوطنية العالية من القوى الأخرى، أن ساعدت على خلق مناخ ايجابي لنجاح الحوار وصولا لتطبيق تهدئة محددة بأفاق زمنية تفتح الأفق أولا لاتفاق شامل ومتبادل ومتزامن لإطلاق النار، وثانيا لاستئناف عملية سياسية وصولا لتطبيق خطة خارطة الطريق .

 جملة هذه العوامل أطلقت ديناميكية فعالة لتحرك سياسي ودبلوماسي نشط عربي ودولي اتجاه إنجاز هذه القضية وبأسرع وقت ممكن حتى لا تستنزف قوة الدفع المتوفرة الآن، غير إن المسألة الأهم والتي تواكبت مع هذه التحركات الدولية والإقليمية هي التفاعلات الايجابية على الصعيد الوطني الفلسطيني والذي أبداه الجميع بالحرص على وحدة الصف الداخلي وعدم الانجرار إلى لعبة الاقتتال الداخلي واستئناف الحوارات الداخلية وعلى أعلى المستويات .

غير انه ورغم التباينات التي ظهرت اتجاه مسألة الهدنة أو التهدئة أو وقف إطلاق النار وهذه التباينات الناجمة عن القراءات المختلفة للوضع الدولي والإقليمي، وللتهديدات الإسرائيلية والأمريكية الجدية، فإن المسألة الأساس أن شارون هو الذي اضطر للتراجع وقبول التهدئة أو وقف إطلاق النار بعد أن صعد إلى الشجرة وأعلن انه لن يتوقف قبل تصفية المقاومة لانتفاضة.

والهدنة، وبهذا المعيار أيضا فإن خيار التهدئة أو الهدنة ليست هزيمة للقوى الوطنية والاسلامية وللمشروع الوطني الفلسطيني بل هي على العكس من ذلك فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تجميع الصفوف، وسحب الذرائع من شارون وتعرية موقفه الذي أراد أن يتغطى بموقف الرفض الفلسطيني للمضي قدما باستخدام المزيد من القوة بغية فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتنفيذ مشروعه للفصل الأحادي الجانب والتهرب من الاستحقاقات المطلوبة منه.

إن قبول منطق التهدئة الذي كان مرفوضا أمريكيا وإسرائيليا كمدخل لتطبيق خارطة الطريق، لا يعني سوى سقوط نظرية الحل الأمني في معالجة الوضع الداخلي الفلسطيني، مما يتطلب تعزيز وتطوير صيغ العمل الوطني الداخلي على قاعدة احترام سيادة القانون، وضمان الممارسة السياسة على أسس الديمقراطية والتعددية، وصيانة الحقوق والحريات الأساسية والعامة.

 وبات يتطلب أيضا أن تكون هذه التهدئة محددة بسقف زمني قابل للمراجعة والتجديد وقائمة على أساس التزامات متقابلة ومتزامنة، وتقود إلى وقف فوري لاستهداف المدنيين من كلا الطرفيين وإخراجهم من دائرة الصراع العسكري، هذا الالتزام ينبغي بالقدر الذي يكون موثقا وملزما أن يكون تحت إشراف ورقابة دولية من جانب اللجنة الرباعية لضمان تطبيقه بنزاهة وشفافية وليتسنى بعد ذلك تحديد مسؤولية الذي يقوم بالخرق وعدم الالتزام بما اتفق عليه.

ولضمان النجاح في خطوات التهدئة وصولا لوقف إطلاق نار شامل وجدي ويقود إلى تطبيق الالتزامات المتقابلة والمتزامنة الأخرى في خارطة الطريق، ينبغي أن تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية بكافة أشكالها من الاجتياحات وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك وقف الملاحقات والاغتيالات، والبدء بإطلاق سراح المعتقلين والأسرى وعودة المبعدين، حتى تكتسب الخطوات اللاحقة مصداقية باتجاه عودة الأمور إلى طبيعتها، وفي هذا الإطار أيضا فإنه من غير المنطقي أن نتحدث عن وقف إطلاق نار وتهدئة وهدنة وجيش الاحتلال الإسرائيلي متواجد داخل القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، بل ينبغي وضع جدول زمني محدد وبآليات ملزمة وتحت رقابة دولية للأنسحاب من كافة المناطق التي أعيد احتلالها بعد 28/9/ 2000، بما في ذلك طبعا رفع الحصار والإغلاق عن كافة المناطق الفلسطينية في إطار جدول زمني سقفه ثلاثة اشهر لإعطاء العملية الصدقية والجدية وقوة الدفع المقنعة للشارع الفلسطيني.

وفي إطار هذه التبادلية في الالتزامات المتقابلة والمتزامنة والمراجعة الدورية لما تم إنجازه وصولا لتطبيق المراحل الأخرى من خارطة الطريق والتي من المفترض أن تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة طبقا لقرارات الشرعية الدولية، فإنه وللوصول إلى ذلك فإن المسألة لا تتصل بمقدار الضمانات الأمنية بل بما يمكن أن يوفره أيضا وهذا هو الأهم التوافق السياسي الوطني الداخلي الذي هو ضمانة لنجاح العملية برمتها، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال وضع آليات لحوار وطني داخلي تحت مظلة م.ت.ف يقود إلى بلورة لما يتم التوافق والاتفاق عليه من قضايا خلافيه تمس الشأن الوطني العام ، بعيدا عن روح الهيمنة والاستئثار وفرض سياسة الآمر الواقع ،وبما يؤدي إلى معالجة حقيقية للشأن العام الداخلي وعلى قاعدة المشاركة والديمقراطية وذلك بإطلاق آلية محددة لعملية إصلاح النظام السياسي الفلسطيني عبر إطارات الحوار الوطني الشامل ، والعمل بأسرع ما يمكن لإقرار قانون انتخابات عصري وديمقراطي يقوم على أساس النظام المختلط النسبي والفردي وإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد، والمضي قدما في إجراء الانتخابات البلدية والمحلية وفقا للجدول الزمني الموضوع ،  وذلك لضمان قاعدة ديمقراطية أوسع لصيانة الوحدة الوطنية ولإشراك الجميع في النظام السياسي انطلاقا مما تفرزه الانتخابات من موازيين قوى داخلية تعزز الممارسة الديمقراطية .

والى أن يتم الوصول إلى الانتخابات فإن الاتفاق على آليات محددة لمواصلة الحوار والتواصل بين القيادة السياسية وممثلي القوى السياسية الأخرى غير المشاركة في اللجنة التنفيذية ل.م.ت.ف. أمرا في غاية الأهمية لضمان المشاركة في صنع القرار السياسي الوطني. أن من شأن هذه الخطوة أن تعزز الشعور بالثقة لدى جميع أطراف الطيف السياسي وإن المشاركة في صنع القرار الوطني متاحة للجميع وان لا مكان لسياسية الإقصاء والأبعاد والهيمنة والاستئثار، وان الجميع له مصلحة في نجاح الجهود السياسية من اجل تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني على قاعدة البرنامج الوطني المقر من المؤسسات التشريعية الفلسطينية.

أن تجربة شعبنا التاريخية الحية والملموسة تثبت يوما بعد يوم أن لا خيار أمامنا سوى الحوار وان لا خيار سوى الخيار الديمقراطي الذي يعزز التعددية الحزبية السياسية والفكرية التي ميزت شعبنا وحركته الوطنية، هذا المكسب علينا أن لانفرط به بل أن نواصل تطويره وتعزيزه ويكون كما كان دائما خيارنا الأول والأخير.

رام الله

25.1.2005

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع