تغريبة" التسوية المازنية
بقلم / عبدالرحمن فرحانة
17/12/2004م
بُعَيْد
عملية النفق ضخمة الدلالات التي وُصفت في الأوساط الصهيونية بأنها تحدٍّ
إستراتيجي من نوعٍ جديد ، خرج علينا رجل التسوية الأول و بكلّ برودٍ جليديّ
ليقول إنّ استخدام السلاح في الانتفاضة كان خطأً و ينبغي وقف عسكرة
الانتفاضة . و هي سيمفونية "مازنية" طالما تخدّشت الأذن الفلسطينية من
سماعها . هكذا بقراءةٍ مقلوبة لمعادلة الصراع لا ترضي سوى شارون و بوش ،
أما شعبه المرشّح لزعامته فلا يفقه هذه الرطانة السياسية .
أبو
مازن معروف في الأوساط الفلسطينية أنّه لا يجيد عزفاً إلاّ على هذا الوتر ،
و في الوعي الفلسطيني فإنّ التسوية و ملحقاتها هي التي صنعت أبو مازن و
مكانته . و قبل أوسلو لم يكنْ يعرفه أطفال فلسطين و لا حتى رجالها حينما
كان منزوياً في الظلّ السياسيّ لعرفات .
التسوية
هي الإبداع الحقيقيّ و الأبرز لـ (أبو مازن) و هي مؤهله الوحيد ؛ فلا غرابة
إذاً أن يتناقض مع المشهد الفلسطيني الراهن ليعود للعزف على "ربابته"
القديمة ..
و حسب
وصف الكاتب الصهيوني يهودا ليطاني له في صحيفة "معاريف" إذ يقول ، إنه
الشخص الرماديّ غير الكارزمي ، المحنّط ببدلة و ربطة عنق الذي جاء إلى
القيادة ليس من الصف المقاتل بل من الصف الوظيفي ، اللاجئ من صفد ، محمود
عباس ، كفيلٌ في المستقبل غير البعيد أنْ يملأ الفراغ الذي خلفه ياسر عرفات
و لكن بأسلوبٍ مغاير تماماً . و أقول إنّ هذا الأسلوب المغاير هو بطاقة
دخوله للمقاطعة و للبيت الأبيض و لمزرعة شارون في النقب . لكنه بالتأكيد
متناقضٌ مع الشرعية الفلسطينية و مع المتطلبات الحقيقة للحالة الفلسطينية .
سريالية
أبو مازن يعجز عن تفكيك شفرتها كلّ فقهاء السياسية ، فهو يدعو لاستخلاص
الحقوق الفلسطينية على طاولة المفاوضات ، كما أنه يرفض عسكرة الانتفاضة دون
التخلّي عن خيار الكفاح المسلح . فهل هناك منطقٌ إنسانيّ يمكن أن يستوعب
هاتين المفردتين في معادلةٍ سياسية مفهومة ، مفاوضات بلا قوة ، و انتفاضة
بلا عسكرة مع الاحتفاظ بالخيار المسلح ؟! .
و في
إطار قراءته المقلوبة للصراع و في ظلّ تغريبة التسوية المازنية ، فهل
المطلوب أن تُقتَل الطفلة "رانيا صيام" بدمٍ بارد و نقوم بدفنها فقط ؟ و هل
الصورة المثلى للكفاح الشعبي أن يتحوّل رجال الشعب الفلسطيني إلى حفّاري
قبور و نساؤه إلى بواكي مآتم ؛ و أطفاله إلى رماة حجارة ؟ و هل واقعية
التسوية تعني أنْ نجعل رائحة البارود الصهيوني عطراً للأعراس الفلسطينية
؟!! .
الذي
يُعرّي منطق أبو مازن و يجعل خياراته السياسية فضائية المحتوى و المضمون و
يصادر فرصتها في النجاح بل يجعلها مستحيلة ، مواقف "شريك السلام" على الضفة
الصهيونية . فشارون – عصفور السلام الأخضر بحسب اكتشاف البعض – و في مؤتمر
هرتسليا قطع الطريق على كلّ فقهاء التسوية العرب حينما أعلن محدّدات
التسوية و بلغة الإملاء : (لا رجوع إلى حدود 4 يونيو 1967م ، الكتل
الاستيطانية تحت السيادة "الإسرائيلية" ، القدس عاصمة "إسرائيل" ، لا لعودة
اللاجئين ...) ، إلى آخر اللاءات الشارونية.
و لنذهب
إلى نهاية الشوط التفاوضيّ بأفقٍ استشرافي ؛ و لندَعْ شعارات الكفاح
المدنيّ جانباً ؛ و لنتجه مباشرة إلى أجندة الطرف الآخر بغية التعرّف عليها
، إذ منطق الأشياء يفترض أنها هي التي سُتفرَض في نهاية المطاف بسبب
التفاوض منزوع الشوكة على مذهب أبو مازن ، و ليس المنطق فقط بل وقائع
التاريخ القريب تؤكّد ذلك ؛ و ما حقبة أوسلو عنّا ببعيدة .
نهاية
الشوط و منتهى التسوية بحسب رؤية شارون نشرتها بعض المصادر الإعلامية منها
جريدة المنار الفلسطينية ، وأضع بين يدي القارئ هذا النموذج من
سيناريوهات التسوية الكارثية كما هي ، ليرى بنفسه حجم مقصلة التسوية التي
ستُذبَح عليها الحقوق الوطنية الفلسطينية (خطة شارون) :
(1)
تقسيم الضفة الغربية إلى أربع مناطق دون الإعلان عن ذلك منعاً للتنفير و
طرحها كرزمةٍ واحدة .
(2) شقّ
عددٍ من الأنفاق و بناء عددٍ من الجسور تعمل على ربط هذه المناطق بحيث
تنفصل حركة المواصلات (الإسرائيلية) و الفلسطينية عن بعضهما البعض ، و
منعاً للاحتكاك بين الفلسطينيين و المستوطنين .
(3)
وجود (إسرائيليّ) في إطار طواقم أمنية دولية على المعابر البرية و البحرية
و الجوية .
(4)
تجميع عددٍ من المستوطنات المتناثرة و ربطها لتصبح كتلاً استيطانية تصعب
المطالبة من أية جهة بتفكيكها ، و تحدّد الخطة سبعة كتلٍ استيطانية في شمال
و جنوب و وسط الضفة .
(5) نزع
و سلخ مساحات و أحياء من القدس و ضمّها و إنشاء ثلاث بوابات عبور و أخرى
للبضائع حول القدس الشرقية و التي ستعيد (إسرائيل) عدداً من أحيائها إلى
السلطة الفلسطينية .
(6)
برامج تنسيق و تعاون في مجالات عديدة تشمل المسائل الزراعية و المياه و
التجارة و مواجهة الأمراض و الكوارث .
(7)
إقامة عدة مناطق صناعية في أماكن محدّدة بإمكانها تشغيل آلافٍ من
الفلسطينيين .
(8)
يسند دور الى الهيئة الدولية في المرحلة الاخيرة، بعد ان تكون الخطة قد
وضعت للتطبيق والتنفيذ العملي على الارض.
(9)
الاستمرار في بناء جدار الفصل بحيث يشكّل هذا الحائط حدود الدولة
الفلسطينية التي قد يُعلن عنها في المناطق الأربعة التي تحدّدها الخطة و
غزة .
(10)
تحتفظ (إسرائيل) بثلاث معسكراتٍ ضخمة في الضفة الغربية و مكاتب تنسيق مع
الفلسطينيين تدير شؤون الحياة اليومية في الساحة الفلسطينية .
(11)
السماح بإعادة 200 ألف فلسطينيّ إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة .
(12)
عقد مؤتمرٍ دوليّ لبحث مسألة حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين ، بغرض أنْ
يُصدِر المؤتمر المذكور بياناً أو ميثاقاً ينهي هذا الحقّ . و تعويض قسمٍ
منهم و توطين القسم الآخر بموافقة إقليمية و دولية .
(13)
تحديدٌ جديدٌ لعدد عناصر الأمن الفلسطينيين في الضفة الغربية و قطاع غزة .
(14)
موافقة (إسرائيلية) على بناء مطارٍ صغيرٍ في الضفة الغربية و تطوير المطار
الآخر في غزة .
(15)
إنشاء شبكة قطاراتٍ و جسورٍ في عدة مواقع تربط الضفة بغزة دون توقّف .
تنطلق من شمال الضفة و وسطها و جنوبها .
(16)
تُعلِن القيادتان الفلسطينية و (الإسرائيليّة) معاً إنهاء الصراع الفلسطيني
– (الإسرائيليّ) و عبر مؤسساتهما .
(17)
تعطي الخطّة الحقّ لـ (إسرائيل) باستخدام بعض الطرق الرئيسية و الخارجية في
الضفة لمدة عشر سنوات .
(18)
الإعلان عن وقف التحريض نهائياً بكافة أشكاله بين الجانبين .
(19)
حرية ممارسة الشعائر الدينية لليهود و حقّ الزيارة لما يرونه مقدّساً لهم .
(20) لا
يحقّ للدولة الفلسطينية في حال إعلانها عقد أية تحالفات مع أية دولة عربيّة
.
(21)
حقّ مراقبة (إسرائيل) للشواطئ و الأجواء الفلسطينيّة .
(22)
الانسحاب من غزة و الاحتفاظ بمواقع ضرورية تعزّز الأمن (الإسرائيليّ) و
ترتيبات خاصة على معابرها .
على أبو
مازن أن يفيق من غيبوبة حالة التفاوض المرَضيّة التي تغشاه لأنه سيجد نفسه
في نهاية المطاف ، إمّا موقّعاً على وثيقة استسلامٍ على شاكلة الخطة أعلاه
و هو الانتحار بعينه ، و إمّا أن يكون جسراً لمرحلة لاحقةٍ في الصراع كما
هو متوقّع .
|