التفسير«العيب» لأحداث غزة.. والاستخفاف المستمر بالرأي العام


نظرنا ببالغ الحزن والأسى لأحداث مدينة غزة مساء يوم الخميس وصباح الجمعة 15-7-2005 م من صدامات أوقعت قتلى وإصابات بين أنصار حركة حماس والأمن الفلسطيني، ومما زادنا أسفا وقلقا هو السياق الخاطئ بل والمقصود بل والعيب والخطير الذي وُضعت في إطاره هذه الاحداث ، والتفسير المزعج الذي تم فيه , وللأسف هذا الأمر نجده يطفو على السطح في وسائل الإعلام لمجرد أن يحدث أي خلاف، أو إشكالية هنا أو هناك , وننسى كل ملامح العلاقة الإيجابية الموجودة، ولا نترك مجالا لود كان من المفترض أن يعود . حيث سمعنا من بعض قادة السلطة وحركة فتح، ومحللين يدَعون الموضوعية والقدرة على التحليل... تفسيرات غريبة لا تنطلى على عاقل ، فلقد وضعوا الأحداث في سياق الصراع على السلطة، والسعي لتقاسم الكعكة، والوثب على كيانية السلطة، وعادت أغنية النشاز بأبيات قصائد خالية من النظم والتراكيب والدلالات بل القوافي، فأكدوا أن تحرك الأمن الفلسطيني بالمئات في الشوارع، وبالدبابات والسيارات العسكرية، وأنواع الأسلحة المختلفة... هو لحماية القانون، ووحدانية السلطة، والحفاظ على الأمن والوحدة الوطنية... الأمر الذي يحمل بريقا ويلاقي رواجا عند الذين لا يملكون رؤية للواقع الفلسطيني.

إن كل الذي حدث هو أن العدوان الصهيوني يتصاعد يوما بعد يوم , ولم يلتزم بما تم الاتفاق عليه في القاهرة , واستغل تهدئة الفصائل ليمعن في القتل والاجتياح والحصار, فتقوم فصائل المقاومة بلا استثناء بعمليات رد محدودة من باب تحقيق الردع، وتوازن الرعب , لحماية أرواح وممتلكات الشعب الفلسطيني، كما شعرت المقاومة أن هناك حالة من الاستفراد بأهالي الضفة الغربية. فما كان من السلطة وتحت الضغط الأمريكي والصهيوني، والذي يلامس مراكز نفوذ داخل السلطة ويتقاطع مع طموحهم ومصالحهم وتطلعاتهم..إلا أن يمنعوا المقاومة من إطلاق الصواريخ ، ولعل الأمر المستغرب جدا أن كافة فصائل المقاومة تطلق يوميا الصواريخ في كل أنحاء قطاع غزة ، فلماذا إطلاق النار من قبل الأمن الفلسطيني على سيارة مقاتلي حماس بالذات؟! ولماذا الاستعراض المستفز للدبابات والآليات في حي الزيتون بالذات ؟! والشئ المستغرب كذلك أن منطقتي الحدث في الزيتون وشمال قطاع غزة هما أكثر منطقتين تعرضتا للاجتياحات، ومن أكثر المناطق مقاومة للاحتلال دون شعور المواطن أن دورا موجود لقوات الأمن الفلسطيني التي بدأت بإطلاق النار؟! وجاء رد فعل اعضاء حماس طبيعيا على استهدافهم.

هذه هي الصورة الحادثة في المناطق الفلسطينية، وهذا سياقها الطبيعي والواقعي، إضافة لها نؤكد أن المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس تتعرض إلى حملة تشويه مبرمجة للنيل من سمعتها، وشعبيتها التي باتت مقلقة للجميع من ذوي النفوذ الذين لا يرغبون أن يزعزع أحد مكاناتهم ومصالحهم وكراسيهم، كما أنها تتعرض إلى حملة من التحريض من قبل أمريكا وحكومة العدو الصهيوني. هذا كله يدفعنا نحو التحذير من تصعيد داخلي فلسطيني على قاعدة تشويه سمعة المقاومة، وتقويض بنيتها المادية والبشرية، تمهيدا إلى غزة خالية من منغصات ومعوقات للمشاريع الاستثمارية الخاصة بمراكز القوى والنفوذ.

وأقول والأسي يلفني , والاستغراب يهيمن على مشاعري وآحاسيسي, أن هذه الحملة الاعلامية غير الموضوعية في تفسير الأحداث لم يخجل قادتها من تزامنها مع حملة عسكرية مسعورة صهيونية ضد حركة حماس ومؤسسات الشعب المدنية راح ضحيتها ستة مجاهدين من خيرة مقاتلي هذا الشعب الفلسطيني.

وأوجه أسئلة عديدة إلى الذين اعتبروا الأحداث المؤسفة بداية الصراع على السلطة، أين هذه الهيبة من ملفات الجرائم الغامضة وآخرها اغتيال المقدم اللوح ؟!! وأين هي مما قامت به كتائب الأقصى من إهانة وزير الداخلية نصر يوسف في جنين ؟! ومن احتلال المباني الحكومية من قبل مسلحي فتح في رفح وخانيونس ورام الله ونابلس، ومن منع مسئولي السلطة من قبل صقور فتح من السفر إلى مصر؟! ولماذا حماس فقط هي التي يتم اتهامها بخرق القانون ، والصراع على السلطة رغم أنها تملك موقفا واحدا وقرارا واحدا وجهاز عسكريا واحدا يلتزم بقيادته بشكل كبير جدا، بينما فتح تملك عشرات التشكيلات العسكرية مختلفة القرارات والقيادات والأوامر، وهي التي تتسبب في جزء كبير من اهانة السلطة وفقدانها الهيبة ؟! ثم لم نسمع في الاراضي الفلسطينية أن قامت حماس بانقلابات عسكرية, وأنزلت دبابات في الشوارع, وأغلقت المرافق العامة, وسيطرت على الوزارات ومراكز الأمن الرئيسة ك مقرالمخابرات العامة علىشاطيء البحر أو مقر الامن الوقائي في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة,أو مجمع السرايا في وسط غزة ؟! إذن أليس هذه الحملة غير الجديدة بل المتكررة والمتجددة هي تزوير للحقائق؟! وتضليل للرأي العام المحلي والعربي والدولي؟! وهي تشكل إساءة مقصودة للمقاومة التي قدمت الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على مصلحة الشعب الفلسطيني وصورته وحقه ومقدساته، بل وتشكل إساءة إلى السلطة نفسها التي تبين تهلهلها وتفككها وعدم قدرتها على السيطرة على الأوضاع . إنني أجزم أن تقديم هذه التفسيرات الخاطئة ليس من مصلحة السلطة، الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة جديدة للخطاب الذي يفسر الأزمات التي تحدث.

كما إنني أسجل هنا كلاما للتاريخ ليعرفه شعبنا وأمتنا وهو أن المئات من المقاتلين ذاقوا ويلات سجون السلطة الفلسطينية، وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب ولم تُبيض السجون إلا بعد فترة من إنطلاقة انتفاضة الأقصى، وهم اليوم غير مستعدين للعودة إلى السجون والتعذيب وتجريد السلاح مهما كلف الأمر، وغير راغبين أن يكونوا كبش فداء لأوهام أو مشاريع ذاتية ليس للشعب فيها ناقة ولا جمل، ولو فعلوا ذلك فلن يجدوا تعاطقا وتأيدا من الجماهير. كما أن الصورة النمطية لوزير الداخلية الفلسطيني اللواء نصر يوسف الموجودة في عقول الجماهير مرتبطة بأحداث مسجد فلسطين في 18-11-1994م والتي حينها ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى برصاص الأمن الفلسطيني وهناك خشية من تكرارها تحت ذرائع جاهزة ,والضحية هي الشعب والغطاء هو تطبيق القانون ووحدانية السلطة. كما أنني أحب أن أذكر الرأي العام في موضوع مهم جدا وهو طلب السلطة أن يكون الرد على الخروقات الصهيونية بعد التنسيق معها وبطلب منها، فيا ترى هل من الحكمة والمنطق والواقع أن تقول السلطة لحماس أو الجهاد أو الشعبية .. نعم أسمح لكم بالرد لمدة ساعتين أو صاروخين أو عمليتين؟! وهل تملك السلطة هذا القرار؟!

ومن المنزلقات الخطيرة التي تعززت في هذه الازمة هو اداء المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية الذي عب عنه من خلال بيان شديد اللهجة تهجم على بعض وسائل الإعلام وعلى المساجد واتهامها بالتحريض ونشر الفتنة والتعبير بعبارات التهديد, والاكثر إستغرابا هو هذا الإستخفاف من بعض الإعلاميين الحكوميين والكتاب في الصحف اليومية الذين مازالوا يرفضون الموضوعية وإحترام الرأي العام وعقولهم , وإمعانهم في التضليل وتقديم روايات فئوية حتى لو كان على حساب مكانتهم وشخصياتهم وكيانيتهم المسلوبة بحكم التبعية أو الوظيفة أو الحزبية أو الإرتباط بجهاز أمني معين أو النفاق والتملق... فلقد سمعنا كلاما ممجوجا, مللناه , نابع عن اوهام معشعشة في الأذهان, وهو لا يعد كونه إسطوانة جاهزة تتكرر , (وكلاشيه) جاهز يصلح مع كل موقف لا يعجب أصحابه.

إذن نحن أمام أزمة مقصودة في تفسير أزمة حقيقية، نحاول أن نضع رؤوسنا في التراب، فالمطلوب لملمة الأوراق، وترتيب الأمور، ووقف التحريض، والوعي بالمؤامرة الصهيونية التي تحاك ضد وحدتنا تحت ذرائع لها بريق ولمعان، وأن يكون دور المحللين والكتاب تجميعي وليس تحريضي والاصطياد في الماء العكر.

د. حسن أبو حشيش

أستاذالصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية بغزة

hassan6767@hotmail.com

7/16/2005

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع