التدمير الذاتي بين المتعوس وخايب الرجا
د.إبراهيم حمّامي-2005/12/16
منذ مساء الأمس والمصادر والمؤسسات الإعلامية والرسمية الفتحاوية في حالة
صدمة وذهول بعد نتائج الإنتخابات البلدية الأولية التي قال فيها الشارع
الفلسطيني كلمته الفصل برفضه منهج الزعرنة والبلطجة والفوضى، لصالح
الإنضباط والهدوء والالتزام والتحضر، وبعد أن قال كلمته برفض الفساد
ورموزه البالية، لتفوق نتائج تلك الانتخابات أكثر المتفائلين من حركة
حماس تفاؤلاً، وأكثر المتشائمين في حركة فتح تشاؤماً، وبنسب ودون مبالغة
بمثابة الطوفان الجارف.
رغم الصدمة والذهول الفتحاوين إلا أن اي مراقب للأحداث كان سيتوقع تلك
النتيجة، وإن كان بشكل أقل وطأة، في ظل سياسة التدمير الذاتي التي
تنتهجها القوى المتنفذة والمتلاعبة بمصير حركة فتح والتي طالما حذرت
منها، هذا التلاعب في إطار تنافس وتنازع وتصارع أبعد ما يكون عن الشريف
للسيطرة على مقدرات الحركة وعلى صناعة القرار فيها، والتي كان آخرها
التقدم بقائمتين لإنتخابات المجلس التشريعي، لا تختلفان عن بعضهما البعض،
إلا مسميات الحرس القديم والحرس الجديد، ولنراجع سوياً المواقف في هاتين
القائمتين:
الموقف |
قائمة مركزية فتح (قريع) |
قائمة المستقبل (البرغوثي) |
إتفاقية أوسلو وتوابعها |
دعم مطلق وتأييد لإفرازاتها |
دعم مطلق وتأييد لإفرازاتها |
وثيقة جنيف |
تبني لها بشكل رسمي |
تبني وتأييد وتوقيع |
الفساد |
اتهامات على أعلى المستويات: قريع وفضيحة الباطون |
اتهامات على أعلى المستويات: دحلان ومعبر كارني |
شخصيات مرفوضة شعبياً |
قريع، إنتصار الوزير وغيرهم |
دحلان والرجوب والمشهراوي وغيرهم |
شعارات الإصلاح |
يتزعمها عبّاس |
يتزعمها دحلان |
السلام كخيار استراتيجي |
خيار وحيد لا ثاني له |
الخيار الأساسي: البرغوثي من جماعة كوبنهاجن |
الدولة الفلسطينية |
في حدود 1967 |
في حدود 1967 |
اللاجئين وحق العودة |
محل تفاوض |
محل تفاوض |
الموقف من الإنتفاضة |
مرحلة استنفذت مهمتها |
مرحلة استنفذت مهمتها |
وهو ما يجرنا للسؤال الأهم: على ماذا يختلف هؤلاء إن كانت برامجهم
وخلفياتهم وطروحاتهم وانتماءاتهم متطابقة تماماً؟ وهل التصارع هو حقيقة
بين حرس قديم وحرس جديد، وبين عجائز وشباب، وشخصيات بالية وأخرى متجددة؟
لا يوجد أي سبب حقيقي أو مبدأي للإختلاف سوى المصالح الشخصية الضيقة
التيي تتجاوز مصلحة الحركة، والتصارع على المناصب والآمتيازات، بل
التنافس على الترتيب في قوائم الترشح، وهو ما اشترك فيه الجميع دون
استثناء، فمروان البرغوثي الذي رضخ للضغوطات في شهر يناير/كانون الثاني
الماضي وسحب ترشحه لانتخابات رئاسة السلطة مؤثراً الحفاظ على حركة فتح
ووحدتها وراء المرشح الأوحد آنذاك عبّاس، وذلك بعد أن شن أعضاء بارزون في
حركة فتح هجوماً حاداً عليه وصل حد وصفه بخيانة الحركة والتهديد بطرده
منها، وبتأييد وتحريض من دحلان الذي كان يقود حملة عبّاس ويدير دفتها، ها
هو اليوم يتحالف مع دحلان نفسه لينافس بقائمة موازية دون اعتبار لوحدة
الحركة ومصلحتها، أو لاحتمالات انقسامها وتفتتها، وتحت مبررات غير مقنعة
في ظل التطابق المذكور آنفاً، ليبقى دحلان صاحب محاولة الانقلاب الأولى
العام الماضي ضد عرفات، وصاحب الانقلاب الثاني الآن ضد عباس، وربما
انقلاب ثالث بعد استغلال البرغوثي للوصول لأهدافه، ليبقى المستفيد
واللاعب الرئيسي لمصلحته ضد مصلحة حركته.
إذا أضفنا لذلك حالة التسيب والفوضى والفلتان التي تقودها عناصر من حركة
فتح تحت مسميات كثيرة، وحالات البلطجة والزعرنة في مدن الضفة الغربية
تحديداً كحالة زكريا الزبيدي في جنين، وعصابات أبو جبل والقذافي وغيرهم
في نابلس، وأيضاً الإقتحامات المتكررة للمراكز الرسمية وغير الرسمية في
قطاع غزة من قبل مسلحين محسوبين على حركة فتح للمطالبة بوظائف أو مراكز
في الأجهزة الأمنية، وكذلك الدور الرسمي لوزارة الداخلية في إصدار
البيانات الموجهة والمعدة سلفاً ضد طرف بعينه دون وجه حق، وغض الطرف عن
الطرف الرئيسي في حالة التسيب والفلتان، وعن ممارسات الإحتلال، وتحوَل
قوى الأمن إلى حارس أمين للإحتلال، كل ذلك مجتمعاً أدى لهذه النتيجة
المخزية ليلة أمس، وهذا ليس بحال من الأحوال تقليل من شأن الفائز في
انتخابات الأمس، أو برنامجه وانضباطه.
الصراع بين قائمتي المتعوس وخايب الرجا المتطابقتين، سيؤدي حتماً لمزيد
من التشرذم، ولمزيد من السقطات المدوية، ولمزيد من الصدمة والذهول، لأن
الشعب قد أدرك أين مواطن الخلل ومن المسؤول عن الفساد والإفساد، ومن الذي
يتلاعب بمصيره من أجل المناصب، أو من أجل من يتصدر هذه القائمة أو تلك،
وباتت الجماهير قادرة على التمييز بين مثيري الفتن والفوضى وبين
المنضبطين الذين يحترمون إرادة الشعب، ولن تجدي عمليات التجميل والترقيع
في تحسين صورة حركة باتت على وشك الإنهيار التام بسبب ممارسات قيادات لا
هم لها إلا ما تجنيه من مرابح.
هل يستيقظ أبناء حركة فتح من سباتهم، ليقولوا كلمتهم في صراع القادة
التاريخيين مع القادة المناضلين (..) على المناصب، للحفاظ على ما تبقى من
ماء الوجه، أم أن الأوان قد فات؟
|