كفانا «ردحاً» على الفضائيات

أنور حمام

باحث في سوسيولوجيا اللاجئين – فلسطين
4/19/2006

كمواطن فلسطيني عادي وبسيط ، ورغم عدم إلمامي بأصول الخطاب الإعلامي، وكيف يجب أن يكون، إلا أنني أجد نفسي مضطر للكتابة حول صورتنا المقدمة عبر الفضائيات يوميا، أولا كمشاهد، وثانيا كفلسطيني، وثالثا والأهم كانسان يصل يوميا لحالة من الاشمئزاز من الطريقة التي نقدم فيها أنفسنا كفلسطينيين على شاشات الفضائيات العربية وغير العربية.

انه من المحزن حقا أن يتحول كل لقاء لمناقشة حدث سياسي أو فكرة أو موضوع يخص واقعنا الفلسطيني إلى حلبة "ردح" ومجال للصراع والهجوم وتشويه الحقائق، ومحاولة من الجميع للمس بالجميع وبأفكارهم ونضالاتهم وتضحياتهم، والإمعان في الأمر لدرجة إلغاء الأخر الفلسطيني وشطب وجوده أو تقزيمه ووصمه بأبشع الأوصاف، هذا في حال كان المدعوان فلسطينيان، فكلاهما يتحولان إلى أصحاب شهادة دكتوراة في "الردح" والقذف والشتم، والتلفيق، ظنا منهما بأن المنتصر في هذا الحوار سيزيد من شعبية فصيله أو حزبه وسيعزز من فوز خطه الفكري والسياسي.

 لكن ما يثير الغرابة أنه عندما يكون الضيف الأخر غير فلسطيني(عربي، أجنبي، إسرائيلي) فان ضيفنا الفلسطيني يتحول إلى صاحب شهادة دكتوراة في الدبلوماسية وأصول المخاطبات وخبيرا في علم الألسنيات واللغة خوفا من الانزلاقات، وخوفا من غضب هذه الدولة أو تلك.

من المؤسف أن هذا السجال الفلسطيني الداخلي أصبح يطال كل شيء، وأصبح الهجوم مباحا على كل شيء، فلا خطوط حمراء ولا خضراء ولا صفراء في كل هذه المناظرات، بل لا شيء مقدس، و"المزاودات" على أشدها وتطول أقدس مناضلينا واهم مؤسساتنا وأعز ما لدينا، والكل معرض ليصبح هدفا سهلا للنقد والتجريح والهجوم الأعمى.

على سبيل المثال في هذه النقاشات ضربت صورة منظمة التحرير وفصائلها، وكأنها مرتع للفساد، وكأنها كائن فضائي غريب عنا، ويتم تناول دورها وأهميتها بنوع من السطحية والضحالة، والأدهى أن تتجرأ إحدى الفضائيات لتعرض مدى تمثيلية منظمة التحرير في مزادها العلني وعبر استفتاء على موقعها الالكتروني، والتجريح أصبح يطال المقاومة والشهداء والجرحى، وتذهب الفضائيات (من باب الرأي والرأي الأخر) إلى المساواة ما بين الضحية والجلاد، ويسأل المحاور ضيفه الفلسطيني أسئلة ساذجة وكأنه مغترب أو مستشرق، وصار الحديث عن همنا اليوم وكأنها حديث عن الصناعات التقليدية في اليابان.

بشيء من الجرأة يجب القول لجميع جنرالات الإعلام والفضائيات: لقد أصبحنا "مسخرة" يتسلى بها مقدمو البرامج التلفزيونية، ويكفي أي مقدم برنامج مغمور أن يستضيف قائدين عرمرمين من اتجاهين مختلفين سياسيا أو فكريا، ولمجرد طرحه أي سؤال فهو سيكون متأكد أن خلافا سيدب بين الاثنين، وستبدأ المشاحنات، والاتهامات، ولكن كلا الضيفين لا يعرف النتيجة الحقيقية والخلاصة الخالصة للقاء، الحقيقة المرة أن كل لقاء من هذا النوع يعني تراجعا في رؤية الآخرين لنا كشعب مناضل من أجل الحرية، وما يعلق في ذهن المشاهدين في النهاية هو أننا شعب من اللصوص، والفاسدين، والمنفلتين أمنيا وإداريا وسياسيا.

على كل حال أعرف أن كلماتي هذه لن تجدي نفعا، ولن تحد من الرغبة الجامحة للظهور على شاشات الفضائيات، ولكن الرسالة التي أريدها أن تصل بكل وضوح لجنرالات الإعلام( كفاكم عبثا، لقد مللناكم، ومللنا أدائكم المقيت على شاشات الفضائيات، أنتم تسيئون لشعب حر ومناضل، ولا يحسبن أحدا منكم بأننا نستمتع بظهوركم المخجل على الشاشات).

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع