أريحا وسلطة العجز الكامل
بقلم:
أبو علي خالد*
لمحة تاريخية قصيرة:
مدينة اريحا، المدينة العريقة والتاريخية في فلسطين، والتي يزعم علماء
الجغرافية بانها "النقطة الأكثر انخفاضاً في العالم" والبعض يقول "اقدم
مدينة في العالم وأكثرها انخفاضا" او "اسفل نقطة تحت سطح البحر" الخ..،
المهم ان هذه المدينة التاريخية تحتضن بقايا لقصر هشام الاموي وآثار كثيرة
من حقب زمنية مختلفة، ومعالم تدل على تاريخ شعوب ومعارك شهدتها تلك البقعة
من فلسطين. وهي البلدة المعروفة بخصوبة تربتها وموزها الشهير وخيراتها
المتعددة، من حمضيات وفاكهة ونخيل، وجداول الماء وحرارة الطقس، بعبارة
اخرى: انها افريقيا فلسطين الصغيرة.
اهل اريحا، او اكثريتهم الساحقة، هم سود البشرة وافريقيو الملامح، ولذلك
فانهم تعرضوا بشكل متواصل الى الاهانة والعنصرية والقمع، حصل ذلك على ايدي
كل سلطة تناوبت على تاريخ وارض فلسطين، خاصة سلطة الاجنبي الابيض، القادم
دائما من اجل التجارة والاستعمار والاحتلال ولفرض شروطه على السكان
الاصليين. وتعرض السكان الى الاستغلال المحلي وظلم العائلات "الكبيرة" التي
تملك اكثر واخصب الاراضي في المحافظة. رغم انها عائلات ليست من اريحا اصلا
مثل "الحسيني" و"عريقات" و"النشاشيبي" وغيرها من العائلات الاقطاعية
المعروفة والتي كانت لها حصة ومساهمة معروفة إما في مقاومة الاستعمار، او
العمل لصالح مشاريعه ومهادنته.
في هذه المدينة لم تبني السلطة الفلسطينية العتيدة، منذ توقيع اتفاقية
اوسلو، غير كازينو للقمار وقلة الادب، كازينو لترفيه الخواجات ورجال
الاعمال، وعقد الصفقات المشبوهة، ومشاريع البناء وشق الطرق وتعبيدها في
المستوطنات، وغيرها من الصفقات المعروفة مع اجانب وصهاينة وبمباركة جليلة
من صهاينة- عرب من مصر ودول الخليج والاردن.
كما قامت السلطة بتوسيع مبنى السجن الذي ورثته عن سلطة الاحتلال والذي ورثه
الاحتلال بدوره عن سلطة استعمارية سبقته، لكن الاحتلال عاقب السلطة مع بدء
الانتفاضة الثانية وأغلق الكازينو، لكنه ابقى على السجن طبعا، في اشارة الى
الدور الامني الذي يجب ان تلعبه الاجهزة الامنية في خدمة مشروع الاحتلال،
الان وغدا وفي المستقبل!
وقد ارتبط اسم العقيد جبريل الرجوب في منطقة اريحا، اكثر من غيره من رموز
السلطة، حيث صار الرجوب واليا عليها واميرا على اهلها، يأمر وينهى ويقرر
وهم بدورهم يواصلون حمل تاريخهم وعبء يومهم، ويعتاشون على "فائض الزبالة"
القادم من الكازينو والعمل في جهاز الشرطة وحقول الموز وتجد الكثير من شباب
المدينة يعملون "عتّالين" وعمال فقراء على الجسور والمعابر الحدودية التي
تربط بين فلسطين والاردن.
ظل السجن وطار الكازينو "مؤقتا" كما يقول احد مسؤولو السلطة. وفي سجن
اريحا، يقبع الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات ورفاقه
الاربعة، تحت رقابة امريكية-بريطانية مباشرة. وقد قامت اجهزة المخابرات
الفلسطينية باعتقال سعدات وحجزه في المقاطعة برام الله، ولاحقا تم تسليمه
الى المخابرات الامريكية والبريطانية هو ورفاقه المتهمون باغتيال الوزير
الاسرائيلي العنصري رحبعام زئيفي، وقد تمت الصفقة المعروفة بـ(صفقة
المقاطعة) لتشكل سابقة خطيرة ضد المقاومة وانتهاكا صارخا لحق الشعب في
مقاومة المحتل. صفقة تورط فيها الجميع، من كبير القوم المرحوم ياسر عرفات
وصولا الى المدعو توفيق الطيرواي.
ان السلطة التي تعجز عن تحرير اسير واحد او مجموعة من الاسرى، من سجونها،
لن تستطيع ان تحرر شبرا واحدا من الوطن وسوف تظل سلطة تراكم الهزيمة تلو
الاخرى والمهزلة تلو المهزلة، لانها سلطة رثة تقوم على ثقافة غريبة من
الرموز والاوهام، ثقافة هي مزيج بين عقل الشرطي وقدسية الصفقة التجارية.
انها سلطة العجز الكامل بامتياز..!
* كاتب فلسطيني يقيم في النمسا.
(أمين) |