سلطة
فلسطينية تتآكل
2004/01/09
عبد الباري عطوان
تعيش السلطة الفلسطينية واحدة من اسوأ فتراتها هذه الأيام، حيث باتت
مشــــلولة تمـــاماً، فاقدة زمــام المبادرة، تتفاقــــم الخلافات بين
اجنحتها، بيـــنما يستمر اريـــيل شارون رئيس الوزراء الاسرائـــيلي في
بناء السور ومصادرة الاراضي وتوسيع المستــوطنات واغتيال النشطاء وتدمير
المزروعات.
انقسامات في حركة فتح حزب السلطة، وخلافات بين وزير المالية سلام فياض
والرئيس ياسر عرفات، وجماعة مبادرة جنيف يفتحون دكاناً علي حسابهم،
ويتنافسون في جماعة سري نسيبة يعالون اصحاب المبادرة الاخري علي مبدأ من
يقدم تنازلات اكثر للاسرائيليين.
السيد احمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني، وصاحب المدرسة الواقعية في
السياسة الفلسطينية، والذي قيل انه قبل هذا المنصب بعد الحصول علي ضوء اخضر
امريكي وعدم ممانعة اسرائيلية، لم يجد ما يمكن ان يفعله تجاه السور العنصري
الذي يبنيه شارون غير التهديد باعلان دولة ثنائية القومية والتخلي عن خيار
الدولتين.
تهديدات ابو علاء هذه لن تجد آذانا صاغية عند شارون، لعدة اسباب، أولها ان
عشرات التهديدات الفلسطينية صدرت عنه وعن مسؤولي السلطة ولم ينفذ اي منها،
وثانيها ان السيد قريع لا يستطيع مغادرة رام الله دون الحصول علي اذن من
السيد شارون نفسه.
العرف الشعبي والقبلي الفلسطيني يقول بان من يكبّر عصاه لا يضرب ، ومن يريد
القتل لا يهدد. وكان الأحري بالسيد قريع وكل رجالات السلطة ان يعقدوا
اجتماعا للمجلس الوطني الفلســـطيني وبمـــن حضــر، في رام الله او غيرها،
ويعلنون حــــل السلطة الفلسطينية، والتخــلي عن فكرة الدولة المستقلة،
والعودة الي منطلقات الثورة الفلسطينية الاساسية، وهي دولة علمانية ثنائية
القومية، وتحميل شارون والمتطرفين الاسرائيليين مسؤولية هذه الخطوة.
شالوم وزير خارجية اسرائيل يذهب الي اثيوبيا لاستيراد عشرين الف اثيوبي من
يهود الفلاشا. وأحد مساعديه يطير الي الارجنتين للبحث عن بقايا يهود في
امريكا اللاتينية لاغرائهم بالهجرة، والثـــاني يشــــد الرحال الي
الهـــند للبحث عن طائفة يهـــودية ثالثـــة ضائعة لاعادة الحياة الي
يهوديتها، والثالث الي نيجيريا للهدف نفسه، بينما تنشغل السلطة بالخلافات
بين قادة اجهزتها الامنية.
السيد قريع يقول ان السور العنصري يلتهم نصف أراضي الضفة الغربية، ولكن
السؤال هو ما الذي فعله ووزارته للتصدي له، واثارته علي مستوي العالم
بأسره؟
حتي المظاهرات التي نظمتها السلطة الكريمة علي استحياء شديد، وبطريقة
عشوائية لم يشارك فيها غير المئات فقط، لأن هذه السلطة منشغلة بالحوار من
أجل الهدنة، وكيفية ارسال الوفود للاعتذار للسيد احمد ماهر وزير خارجية مصر
عن واقعة الأحذية التي وقعت خارج مناطق نفوذها، ومن قبل جماعات لا يأتمرون
بأمرها.
السلطة تحولت الي خيال مآتة او الدمية التي يضعها المزارعون في حقولهم
لتخويف الغربان والطيور الأخري التي تلتقط بذورهـــا وحبـــوبها، مع فــارق
بســيط، وهــــو ان هذه الدمية تخـــيف بعــض الطيور ولكن السـلطة لم تعد
تخيف احداً.
أين السيد ياسر عرفات، الذي كان محور اهتمام العالم بأسره، ويفرش له السجاد
الأحمر في المطارات، وتزلزل كلماته عواصم بأكملها، اين هو الآن ومن يسمع
به، او يقرأ عنه؟
تصريحاته بالكاد تنشر في ذيل الصفحات الداخلية في الصحف العربية، ناهيك عن
الصحافة العالمية. كيف يقبل السيد عرفات بهذا الموت البطيء، والقتل
التدريجي له ولقضيته، والسجن المهين الذي يعيش في ظله، حتي بات اقرب
المقربين اليه، يتجنبون زيارته رضوخاً للضغوط الاسرائيلية، ونحن نتحدث هنا
عن وزير خارجية مصر احمد ماهر، الذي تجاهله بالكامل ولم يعرج للسلام عليه
اثناء مقابلته لشارون، وهو الذي يتحدث العربية بلكنة مصرية، ويتفاخر بأنه
مصري الهوي؟
هل يريد السيد عرفات ان يظل في هذا الوضع المهين معتقلاً في مكتبه حتي يخرج
منه جثة هامدة لا سمح الله، بسبب مرض او قهر او عارض ما، وهو الذي تجاوز
الخامسة والسبعين من عمره؟
هذا الوضع الفلسطيني المخجل لا يليق بهذا الشعب، وانتفاضته، وتضحياته
وشهدائه، ويجب ان لا يستمر.
الرئيس عرفات طالما تغني بسلام الشجعان، ونحن نطالبه بان يهب هبة الفرسان
الشجعان، ويترجل من موقعه، ويحل السلطة، ويضع شارون وجهاً لوجه امام الشعب
الفلسطيني، وليتحمل مسؤوليات الاحتلال وتبعاته كاملة، وبدون وسطاء، وبدون
سلطة يعلق عليها مسؤولية كل جرائمه، ومجازره وانتهاكاته للشرعية الدولية
|