السلطة والنخبة:توزيع للأدوار وتقاسم
للمغانم
د.إبراهيم
ابراش
ما يجري
في مناطق السلطة الفلسطينية هو أمر ليس فقط مؤسف وغريب بل وخطير جدا،فلا
يمكن لأي مراقب للأحداث إلا وان يخرج باستنتاج بأن شعبا هذا حاله
لا يمكنه أن ينتصر على عدو خارجي ،قد يكون هذا حكم مستفز للبعض من الذين
يجترون الحديث عن البطولات والانتصارات والصمود والتحدي وغيرها من الكلمات
الكبيرة
ذات
المردودية الهزيلة والذين يعتاشون ويرتزقون على مزاعم الانتصارات
والبطولات الشعبية والحديث عن المصلحة الوطنية. المشكلة بالتأكيد لا تكمن
بالشعب -وإن
كان الشعب يتحمل بعض المسؤولية -ولكن المشكلة تكمن في النخبة السياسية
الحاكمة
وتلك التي في المعارضة أو في مؤسسات المجتمع المدني،المشكلة أنهم يوظفون
إمكانيات الشعب التي هي بالأساس محدودة من اجل تحقيق مصالح حزبية وشخصية
ضيقة على
حساب
المصلحة
الوطنية ، كانت حصيلته تعامُل النخبة مع القضية خلال العقد
المنصرم أرضا أقل وحقوقا وطنية اقل مقابل تضخم ثروات النخبة ،مما يبرر
الربط
المنطقي بين الأمرين فالشيء لزوم الشيء!.
لسنا في
وارد جلد الذات أو التشكيك بما أنجزه شعبنا ولو أقتصر الأمر على
تقديم التضحيات –إن كان تضخم عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين يعد إنجازا
وطنيا-
ولا التشكيك بالجنود المجهولين في السلطة والمعارضة الذين يعملون من اجل
الوطن
بصمت وصدق ،أيضا لن نسقط واقع الاحتلال بتداعياته المدمرة وتآمره على كل
محاولات الإنجاز والإصلاح في الساحة الفلسطينية ولكن ما آلت إليه الأحداث
من ترد
مروع شمل كل ربوع الضفة وغزة وهي أحداث جرت بأيد فلسطينية وبتدبير فلسطيني
،يجعل الصمت تواطؤ والتبرير جريمة . ما جرى هو تواطؤ خطير على القضية من
جانب
من يفترض أنهم حماة القضية ،وعلى هذا الأساس نود إثارة قضية تندرج في باب
الحقيقة المؤلمة أو المسكوت عنه ونعتقد أن حديثنا لن يعجب الكثيرين من
النخبة
المأزومة في السلطة والمعارضة
.
لا شك
أن التعددية ظاهرة إيجابية سواء تعددية الأحزاب أو التعددية السياسية
أو التعددية في لعب الأدوار داخل مؤسسة السلطة أو بين الفاعلين السياسيين
،إلا
أن التعددية الإيجابية هي التي تنتظم ضمن استراتيجية وطنية أو مرجعية
وثوابت
لا يخرج اللاعبون عنها ،وهذا ما يُعبر عنه بالاختلاف داخل الوحدة .قبل
الشروع بالتسوية وقبل أوسلو شهد المجال السياسي الفلسطيني في ظل منظمة
التحرير الفلسطينية هذا النوع من التعددية وتوزيع الأدوار،فكان كل فصيل
يلعب دورا
مخصصا له مستمد من إيديولوجيته ،فالصاعقة كانت صلة الوصل ما بين سوريا
والمنظمة وجبهة التحرير صلة الوصل مع بعث العراق واليسار صلة الوصل مع
المعسكر
الاشتراكي والاتحاديات الشعبية صلة الوصل مع الجماهير العربية ،وحتى على
مستوى
القيادة كان من المعروف أن كل قائد في المنظمة وفتح له علاقته المميزة مع
هذا
النظام أو ذاك ،وبالرغم من بعض المشاكل والتجاوزات التي صاحب توزيع الأدوار
هذا إلا
أن أطرافه بقيت ملتزمة إلى حد ما ببرنامج منظمة التحرير وبالتالي برؤية
موحدة للمصلحة الوطنية
.
أما
اليوم فهناك توزيع ادوار ضمني لا يؤسس على المصلحة الوطنية بل نكتشف في
كل يوم نتائجه المدمرة للمصلحة الوطنية
.
1-
فهناك
توزيع أدوار ما بين السلطة والمعارضة يقوم على أساس سكوت كل منهم
عن تصرفات الآخر ليفعل ما يريد ،السلطة تسكت على المعارضة من حيث تسلحها
وعملياتها العسكرية وخرقها للقانون ومصادر تمويلها وتغريدها خارج الخطاب
الرسمي
والالتزام الرسمي تجاه عملية التسوية،مقابل سكوت المعارضة على تجاوزات
وفساد السلطة
وعدم قيامها بأي مجهود لإصلاح حال السلطة بل عملت على تخريبها وتشويه
سمعتها.والنتيجة سلطة مأزومة وعاجزة وفاقدة المصداقية داخليا وخارجيا
،ومعارضة أكثر تأزما وصل نهجها المقاوم إلى طريق مسدود وأوصلت معها الشعب
إلى
نفس الطريق.
2-
توزيع
ادوار ضمني وغير وطني ما بين مؤسسات المجتمع المدني والسلطة من
نفس المنطلق، تصمت مؤسسات المجتمع المدني عن الممارسات الخاطئة للسلطة أو
تنتقد بهدوء وبخجل ،مقابل سكوت السلطة على مصادر تمويلها وكيفية توزيعها
وفساد مسيريها بحيث أصبح فساد غالبية المنظمات الأهلية أخطر من فساد
السلطة،ووصل التواطؤ إلى قيام بعض رجالات السلطة وأعضاء في التشريعي
لمنافسة تجار
المنظمات الأهلية في تأسيس مراكز أبحاث وجمعيات ممولة من الخارج ولا تخضع
لأي محاسبة
.
3-
توزيع
ادوار ما بين غالبية المثقفين والسلطة ، السلطة تسمح للأولين
بأن ينتقدوا بالكلام والتصريحات ويصبحوا أبطالا سياسيين ووجوها دائمة على
الفضائيات وفي المؤتمرات والندوات مع تلقيمهم بين الفينة والأخرى ببعض
الفتات من موائد السلطة،فيما تستمر النخبة الحاكمة تحتكر السلطة والثروة
موظفة الانتقادات لتظهر نفسها وكأنها نظام ديمقراطي به من الحرية ما لا
يوجد
عند الآخرين.
4-
توزيع
ادوار ما بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ،السلطة تسكت
عن النواب الذين ينتقدون السلطة ويفتحون ملفات الفساد ويملئوا الدنيا ضجيجا
بل يتحول بعضهم إلى بطل شعبي لأنه فتح ملفات الفساد والمفسدين ، وفي
النهاية
تتم لملمة الموضوع من خلال مساومات داخلية بين النواب الأشاوس ورموز
الفساد بالسلطة ويُمنح صك براءة للمفسدين الكبار !.توزيع الأدوار هذا لم
يعد ينطلي
على احد حتى عندما وظف مرة أخرى في قضية النظام الانتخابي ومواعيد
الانتخابات،فاللعبة أصبحت مكشوفة وممجوجة ،والناس أصبحوا يدركون أن
المجلس التشريعي أكثر فسادا من السلطة التنفيذية ،ليس فقط من حيث ما قام به
من
تصرفات بل من حيث إحجامه عن القيام بصلاحيات مخوله له بمقتضى الدستور
.
5-
توزيع
ادوار ما بين النخبة السياسية والعصبيات العائلية ،فمن الملاحظ
أن العصبوية العائلية والعشائرية تفاقمت في ظل وجود السلطة ،فعكس ما هو
متعارف عليه عند كل المجتمعات من أن الانتماءات العصبوية التي تسود ما قبل
الدولة
تنقص أو تتلاشي في ظل الدولة والمجتمع المدني ،فقد تعززت هذه الانتماءات
عند فلسطينيي الضفة والقطاع فيما هم مقبلون على تأسيس دولتهم. لم تكن
السلطة
غائبة عن الموضوع ،فحيث أنها عجزت عن استقطاب الأحزاب السياسية فقد عملت
على
استقطاب المجتمع لصفها من خلال شراء ولاء المخاتير وزعماء العشائر ،وهي
بذلك سعت
لتحقيق هدفين :الأول ضرب الأحزاب السياسية المعارضة، أما الثاني فحيث أنها
غير
قادرة على إرضاء كل المجتمع بمنحهم وظائف وتمتيعهم بمكاسب السلطة السياسية
وحتى
لا تثور العائلات عليهم وخصوصا على العائدين من الخارج فقد خلقت السلطة
الوطنية سلطة اجتماعية ومعنوية موازية وضعت على رأسها المخاتير وزعماء
العشائر كنوع
من الترضية ،إلا أن هؤلاء وظفوا هذه السلطة المعنوية وسكوت السلطة السياسية
عنهم ليعززوا من نفوذهم الاجتماعي والمالي ثم يسلحوا جماعتهم فأصبحت بعض
العائلات اليوم قوة عسكرية انقلبت على السلطة انقلاب السحر على الساحر،ولم
يتورع
بعضهم من مهاجمة مقرات السلطة والمطالبة براس بعض قادة الأجهزة الأمنية
عندما
حاولت هذه الأخيرة إخضاع الجميع لسلطة القانون.
والمحصلة لكل ذلك استفادة أصحاب هذه الأدوار ماليا ووظائفيا على حساب
المصلحة الوطنية التي هي اليوم الغائب الأكبر عن ساحة العمل السياسي . وهذا
لا يعني
أن سوء النية كانت هي المحدد الوحيد لسلوك هذه القوى وخصوصا السلطة
الوطنية
،فإلى جانب سوء النية يوجد سوء التفكير والتدبير والجهل وعدم الخبرة في
إدارة
شؤون المجتمع.
|