سُلطة مثل طبخة مقلوبة
الاثنين 28 حزيران 2004
بقلم
نضال
حمد
لا
يخلو الإعلام اليومي من خبر سريع أو قصير عن لقاء أو تنسيق
امني
فلسطيني إسرائيلي، تحدث مثل تلك اللقاءات في ظل احتلال وقمع ودمار وعمليات
توغل
واغتيال وتصفيات لم تتوقف منذ اندلاع ثورة الانتفاضة الحالية. وآخر تلك
اللقاءات التي عرفت او كشفت النقاب عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية ،كان
أيام
الجمعة
والسبت و الأحد من نهاية الاسبوع الفائت، وضم الوفد الفلسطيني رجال أعمال
بالإضافة لخمسة من قياديي الأذرع الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة، وبحسب
موقع
الصنارة نت فأنهم اجتمعوا مع الطرف الإسرائيلي في فندق كارلتون في مدينة
نهاريا حيث
أقام
الوفد الفلسطيني المفاوض. و يقال ان الاجتماع المذكور عقد لبحث الترتيبات
الأمنية بعد الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة. كما ان الجانب
الإسرائيلي هو
الذي
فضل ان يكون اللقاء سرياً، لكي لا يكون هناك أي إحراج لشارون، خاصة ان
الأخير
يرفض
أي لقاء مع السلطة الفلسطينية. وقيل ايضا ان الوفد الامني الفلسطيني سيقدم
تقريره
المفصل عن الاجتماع مباشرة وشخصياً للرئيس عرفات في رام الله.
هل هذه
اللقاءات جديدة ؟
لا
يمكن القول ان اللقاءات التنسيقية بين السلطة الفلسطينية و
الاحتلال جديدة، فهي بعكس ذلك تماما ، حيث أنها كانت مستمرة وقائمة طوال
فترة
الانتفاضة في السنوات والأشهر والأسابيع الماضية، كما انها لم تنقطع سوى
لفترات
بسيطة
وقصيرة، وذلك كنوع من تحسين ظروف التفاوض الداخلية للطرفين. وتعتبر
اللقاءات
الأمنية بين الجانبين من الثوابت التي تحكم علاقتهما بحكم المصالح
المشتركة. لكن
هذه
اللقاءات لم تأت بالخير على الشعب الفلسطيني، وفي كثير من الأحيان أثمرت
إسرائيلياً عبر تمكن الاحتلال من الوصول إلى رؤوس نشطاء وقيادات وكوادر
الانتفاضة
والمقاومة الفلسطينية. فخلال سنوات السلطة الفلسطينية في الحكم الذاتي
المحدود
مارست
أجهزة الأمن الفلسطينية أدواراً مشبوهة أدت إلى اعتقال وتسليم واغتيال
وتصفية
وملاحقة أعضاء وكوادر وقيادات فلسطينية معارضة أو نظيفة.
حملة
السور
الواقي
كما
تعتبر هذه الأجهزة التي أشرفت على تدريبها وساهمت في تأسيسها
أجهزة
أمن ومخابرات غربية وعربية وكذلك غير عربية وغير غربية أيضا، من الأجهزة
التي
أساءت
للوحدة الوطنية الفلسطينية وللنسيج الفلسطيني النظيف والنقي، إذ أنها أنجبت
حالات
حاقدة و مهزومة وفاسدة وحتى بعضها كان ولازال مرتبطاً .. حالات لا تليق
بالنضال الوطني الفلسطيني، ولا ترقى لمصافي الحالة الفلسطينية المتألقة في
نضالها
المقدس، الحالة التي أنجبت مقاتلين وكوادر وقادة انقياء و أوفياء ، امتازوا
بنظافة
الجيب
والكف والروح والانتماء.واسمح لنفسي هنا بالذات باستغلال هذه المناسبة
للتذكير باسم الشهيد طلعت يعقوب الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية
الشهيد
طلعت
يعقوب
،
كحالة ساطعة ومشرفة ومشرقة في نضال شعب فلسطين المتميز ، حالة حاول
شاهد
"فضائية الجزيرة" على العصر في حلقاته المتتالية تشويهها واتهامها بما هي
بريئة
منه براءة فلسطين من عملاء الاحتلال.
لم يكن
الوقائي جهاز مقاومة بل جهاز قمع ، لذا سقط فورا
..
<لقد
ظهر عجز وارتهان أجهزة امن السلطة الفلسطينية في حملة السور
الواقي
، حيث قام العقيد جبريل الرجوب ( حاليا "عميد"و مستشار الأمن القومي
الفلسطيني في السلطة الفلسطينية)بتسليم مقر الأمن الوقائي في بيتونيا
للقوات
الإسرائيلية الغازية بدون مقاومة، وعزا ذلك لحماية المدنيين واقر بأنه لم
يقم بذلك
لوحده
بل عمل بقرارات قيادته. هذا مع العلم ان المقر كان كالقلعة الحصينة، فيه من
الأسلحة والعتاد والعدد ما يكفي لمقاومة ترفع الرأس وتليق بشعب فلسطين،
فمخيم جنين
الذي
كان يفتقد للعدد والعدة والسلاح والتحصينات صمد وحصد من الاحتلال العشرات،
بينما
مقر الوقائي سلم بعد رفع الرايات البيضاء.
الوقائي الذي أنشئ لمحاربة المعارضة الفلسطينية والرافضين لسلام
اوسلو
، والذي كانت قيادته مشبوهة الارتباطات، رامبوية المظهر والحركات،
واستعراضية
التحركات ونجومية الأمسيات، سقط جهاز الأمن الوقائي في أول امتحان حقيقي،
وسقطت معه
أسطورة
عقدائه من الذين عقدوا العزم على معاداة شعبهم ومحاباة أعداؤه.
جبريل
الرجوب وابن
شارون
هؤلاء
القادة الوقائيين المنتقين أمريكاً كانوا يجبون الضرائب و
"الخاوة"
و "التشبيح" و "التشليح" من الناس والتجار والشاحنات التي تعبر المعابر
والحواجز، ثم صاروا مع قيادات السلطة السياسية و بقدرة قادر أصحاب ملايين
وفنادق
وبيوت
وأراضي وأملاك وشركات وبنوك، هؤلاء امتصوا ويمتصون دماء الفقراء والمواطنون
مع سبق
الإصرار...
تجار
وطن مع سبق الإصرار
بمحاذاة التجار والمنتفعين من الأذرع الأمنية هناك التجار والمقاولون
من
أعضاء مجلس الوزراء والمجلس التشريعي الفلسطيني، هؤلاء لا يخفى على احد من
هم،
إنهم
تجار الاسمنت والالكترونيات، تجار الوطن والتضحيات، شركاء الاحتلال في
تعزيز
معاناة
الشعب الفلسطيني المستمرة.
اجتمع
مؤخرا مجلس تشريعهم لدراسة تجارتهم الإسمنتية مع الاحتلال
وخدماتهم الكبيرة في بناء جدار الفصل العازل. فماذا حصل تمت لفلفة التجارة
و لملمة
الموضوع وإقفال باب المجلس عليها دون العودة إليها. يعني حاميها حراميها...
سلطة
ووقائي
ومقلوبة
هل مِن
مُبرر لوجود المجلس التشريعي ما دام يشرع السرقة والتجارة مع
الأعداء وتزويد الجدار العازل بالاسمنت المصري وغيره ؟.
هل
هناك فائدة من وجود مجلس تشريعي لا هم له سوى الكسب الشخصي
والفائدة المادية؟
هذا
مجلس مهزوم ومثقوب ومنخور مثل المنخل، هو في جهة وشعب فلسطين في
جهة
أخرى، همه ليس هم الشعب والوطن، ووجوده يتناقض ووجود وطن محرر وسيد، لذا لا
فائدة
منه ولا من وجوده مادام وجوده غير ذات فائدة بل انه مسيء أكثر مما هو مفيد،
لذا
يجب أن يرحل. فلا حاجة لشعب فلسطين بمجلس تشريعي يسيء وفاسد، ولا بمجلس
وزراء
يضم
تجار الاسمنت والالكترونيات والوطن والأرض والتضحيات. لا خير في المجلسين
ولا
فائدة
من أهل اوسلو الفلسطينيين، فقد أساءوا لفلسطين وللنضال الوطني الفلسطيني
الذي
كان
والذي تطور ولازال يتطور.
ما
العمل؟
على
أهل اوسلو من الفلسطينيين الرحيل، فقد انتهت مرحلتهم ، وانتهى
زمانهم
الذي كان زمان شطب كل الإنجازات الوطنية الفلسطينية على مر النضال الوطني
الفلسطيني، منذ ما قبل وعد بلفور وحتى وعد بوش الأخير. وعلى شعب فلسطين
الدعوة
لانتخابات فلسطينية سريعة تأتي بقيادة فلسطينية تستطيع مواجهة العدوان
والمؤامرة
وتحقيق
الوحدة الوطنية، وتمتين الجبهة الوطنية العريضة، مع إعادة الاعتبار لمنظمة
التحرير الفلسطينية وتفعيلها بشكل ديمقراطي يخدم الجماعة لا الفرد ولا
الحزب او
الحركة
الواحدة. فإعادة بناء م ت ف كجبهة وطنية عريضة متحدة تقود الانتفاضة
والمقاومة وتتسع لكل الفصائل الوطنية والإسلامية، يجب ان يكون شعار المرحلة
الفلسطينية القادمة، مرحلة ما بعد زمن أهل اوسلو والسلطة المقلوبة. فقد
احترقت طبخة
السلطة
المقلوبة رأسا على عقب، وأصبح واجبا على الشعب الفلسطيني تأمين حياته
وحريته
بأساليب جديدة وبقيادة جديرة. فالقيادة التي لا تحترم شعبها ولا تقدر
تضحياته
وتتجاهله لا تستحق البقاء في مقعد القيادة. والذين يقرون بيهودية كيان
الاحتلال لا
يستحقون الحماية من شعب يرزح تحت نير الاحتلال.
نضال
حمد
كاتب
فلسطيني من
النرويج
|