حل السلطة.. هل بات يمثل الحل الوحيد أمام الفلسطينيين؟

 

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

صحيفة أخبار الخليج البحرينية 26/1/2004

 

أثار تهديد رئيس الحكومة الفلسطينية أحمد قريع يوم 8/1/2004 بالتخلي عن طرح الدولتين الذي تستند إليه خطة خريطة الطرق واعتماد أو طرح (دولة ديمقراطية ثنائية القومية) يتمتع فيها الفلسطينيون بذات الحقوق التي يتمتع بها الإسرائيليون إذا واصلت "إسرائيل" تحركاتها من خلال خطوات أحادية الجانب من شأنها قطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بما في ذلك بناء جدار الفصل العنصري والمضي قدماً في سياسة الاستيطان أثار ردود فعل متباينة، كما طرح تساؤلاً مهماً مؤداه: هل حل السلطة الوطنية الفلسطينية بات يمثل المخرج الوحيد أمام الفلسطينيين بعد أن فشلت في تحقيق أي من الأهداف التي جاءت من أجلها بموجب اتفاق أوسلو؟

 

ويعكس هذا التهديد حالة الإحباط واليأس الذي يعانيه الفلسطينيون نتيجة الممارسات الإسرائيلية والتي أدت عملياً إلى تدمير عملية التسوية وتجميد خريطة الطريق، فمن ناحية تواصل الحكومة الإسرائيلية عملية البناء في جدار الفصل العنصري الذي يلتهم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، قدرها البنك الدولي بنحو 12% من أراضي الضفة الغربية، فيما قدرتها بعض المصادر الفلسطينية بنحو 42.5%، ويكفي أن نشير إلى أن الجدار اغتصب في مرحلته الأولى 15 قرية فلسطينية يسكنها 13600 فلسطيني. كما يمثل هذا الجدار محاولة لفرض الحدود السياسية التي تراها "إسرائيل" للدولة الفلسطينية المرتقبة، إذا كان لها أن ترى النور، وهي المخاوف التي عبر عنها وزير الخارجية الأمريكي نفسه في مطلع أغسطس عندما حذر من أن بناء هذا الجدار قد يخلق واقعاً لا يمكن الرجوع عنه عند رسم حدود الدولة الفلسطينية المستقلة، إضافة إلى ما يمثله من تفتيت للأراضي الفلسطينية وتقسيمها إلى كانتونات أو مناطق منعزلة تفصلها المستوطنات الإسرائيلية.

 

ومن ناحية أخرى تواصل "إسرائيل" بناء المستوطنات، في الوقت الذي تعلن فيه أنها تقوم بتفكيك بعض المستوطنات غير المشروعة، وهو ما تنفيه حركة «السلام الآن« الإسرائيلية، التي أكدت أن حكومة شارون في حالة خرق فاضح للبندين المتعلقين بشأن المستوطنات في خريطة الطريق، مؤكدة أنها لم تخل أو تجمد البناء في أي من المستعمرات القائمة، في الوقت الذي أعلنت فيه عن خطط لبناء مستوطنات جديدة في الأراضي الفلسطينية. كما شرعت "إسرائيل" من ناحية ثالثة في تنفيذ خطة الانفصال الأحادي الجانب عن الفلسطينيين، وتعني هذه الخطة قيام تل أبيب باتخاذ خطوات منفردة وأحادية، الجانب لتحقيق الفصل التام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبذلك تكون الحكومة الإسرائيلية قد وضعت، وفق تصورها، حلاً لجميع القضايا الخاصة بالمفاوضات بين الجانبين، بالشكل الذي يمثل إعلاناً رسمياً عن (الموت النهائي) لخريطة الطريق والقضاء على أمل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

ويوضح وزير العمل الفلسطيني حالة الإحباط هذه، قائلاً: إن استمرار "إسرائيل" في السياسات الاستيطانية وبناء الجدران العازلة سوف يؤدى إلى إغلاق الطريق من الناحية العملية أمام فرصة إقامة دولة فلسطينية، وإذا حدث ذلك فإن النتيجة الحتمية هي بقاء الفلسطينيين أمام خيار آخر وحيد هو الدولة ثنائية القومية. فإسرائيل لا تستطيع أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها، وإذا أرادت المحافظة على الدولة اليهودية عليها أن تسمح بإقامة دولة فلسطينية وهذا يقتضي وقف السياسة الاستيطانية ولكن إذا استمرت في سياستها تلك فإنها تكون قررت دفع الفلسطينيين إلى الخيار الآخر الوحيد وهو الدولة ثنائية القومية.

 

وقد أثار هذا التهديد ردود فعل متباينة، حيث انتقدته "إسرائيل" بقوة، وأعلنت رفضها لطرح الدولة ثنائية القومية، وجددت تهديدها بالمضي قدماً في اتخاذ إجراءات أحادية بجانب فك الارتباط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ودعا البعض داخلها إلى ترحيل فلسطينيي الـ 48 باعتبار أنهم يمثلون المشكلة الأساسية التي تهدد "إسرائيل"، على حد تعبير وزير المواصلات الإسرائيلي المتطرف أفيجدور ليبرمان. ويرجع هذا الرفض الإسرائيلي لفكرة الدولة ثنائية القومية إلى عاملين أساسيين: الأول: يتمثل في الحساسية الإسرائيلية المفرطة فيما يتعلق بالمشكلة الديمقراطية نتيجة التزايد المستمر والملحوظ في أعداد السكان الفلسطينيين، والذين بلغ عددهم نحو خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48 إضافة إلى نحو أربعة ملايين آخرين في عداد اللاجئين الذين ترفض الحكومة الإسرائيلية السماح بعودتهم، وبالتالي فإن تطبيق هذا الطرح بمعنى صوت واحد لكل مواطن فلسطيني أو إسرائيلي، سيعطي الفلسطينيين ثقلاً سياسياً كبيراً في "إسرائيل" بل ويهدد بإنهاء هذه الدولة.

 

وقد أبرزت وثيقة (هرتسليا) الصادرة في ديسمبر 2000 هذه المخاوف أو الهاجس الديمغرافي، مشيرة إلى أن نسبة الولادة في أوساط المسلمين في "إسرائيل" تبلغ 4.6 مولود لكل امرأة وهي تمثل ضعف نسبتها عند المرأة اليهودية لـ 2.6 مولود بما يشير إلى اتجاه اليهود ليكونوا أقلية في المستقبل، وقد أوصى المؤتمر باتباع عدة إجراءات لمواجهة هذه المشكلة بما في ذلك استقطاب المزيد من المهاجرين اليهود إلى "إسرائيل"، وكان ذلك هو محور تركيز زيارة وزير الخارجية الإسرائيلية الأخيرة إلى إثيوبيا لتسهيل هجرة نحو 150 ألفاً من يهود الفلاشا.

 

وقد انعكست هذه المعطيات على استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي الذي يخشى قيام دولة ثنائية القومية، حيث أكد 67% من الإسرائيليين خلال استطلاع الرأي الذي أجري في أكتوبر 2003 خوفهم من هذا الطرح، وأعرب 78% من المستطلعة آراؤهم عن تأييدهم لحل الدولتين في حين أيد 6% فقط حل الدولة ثنائية القومية واعتبر 86% أن هذه الدولة لا تضمن تعايش اليهود. وأكد 66% أن هذه الدولة لن تستطيع تجسيد الهوية اليهودية.

 

أما العامل الثاني، فيتمثل في الحرص الإسرائيلي على يهودية الدولة العبرية، فالقبول بهذا الطرح يعني تداخل الفلسطينيين والإسرائيليين وبالتالي القضاء على خصوصية الدولة اليهودية. وكان شارون قد نجح خلال الفترة القليلة الماضية في انتزاع اعتراف صريح من الإدارة الأمريكية بيهودية "إسرائيل"، رغم ما يمثله ذلك من عنصرية واضحة. وقد جاء الموقف الأمريكي مؤيداً كالعادة لنظيره الإسرائيلي، حيث أعلن وزير الخارجية كولن باول رفض الإدارة الأمريكية لتصريحات أحمد قريع، مؤكداً تمسك حكومته بخريطة الطريق وبطرح حل الدولتين، ولم يكتف بذلك، بل دعا الحكومة الفلسطينية إلى شن حملة صارمة ضد الناشطين الفلسطينيين لفتح الطريق أمام تنفيذ خريطة الطريق، فيما شهدت الساحة الفلسطينية تبايناً واضحاً، حيث انتقد البعض هذه الخطوة باعتبار أنها غير مفيدة في الوضع الراهن وأنها تمثل تهديدًا من طرف لا يملك القوة لتنفيذ تهديده، فيما أيدها البعض الآخر باعتبار أنها تمثل الخيار الأخير أمام الفلسطينيين بعد فشل كل جهود التسوية.

 

ويرى العديد من المراقبين أن حل السلطة الفلسطينية وإعادة الأوضاع في الأراضي المحتلة إلى ما كانت عليه قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، بات يمثل الخيار الأفضل أمام الفلسطينيين، لعدة أسباب، أبرزها:

 

1- أن ما حققته "إسرائيل" من مكاسب في ظل وجود السلطة الفلسطينية وباسمها بعد عشر سنوات من اتفاق أوسلو كانت ستعجز عن تحقيقه إذا ما استمرت كقوة احتلال، فعلى سبيل المثال أقامت تل أبيب خلال هذه الفترة 32 ألف وحدة استيطانية في الضفة الغربية مقارنة مع 31 ألف وحدة منذ عام 1967 وحتى عام 1993 وارتفع عدد المستوطنين من 105 آلاف مستوطن إلى 236 ألفًا، وشهدت المدينة المقدسة حملة تهويد واسعة شملت زيادة عدد المستوطنين في القدس الشرقية خلال حقبة أوسلو من 153 ألف مستوطن إلى 180 ألفاً، فيما ارتفع عدد البؤر الاستيطانية داخل البلدة القديمة من 55 إلى 70 بؤرة، كما بدأت في بناء الجدار الفاصل في محاولة لإعادة رسم الحدود التي تراها للدولة الفلسطينية المرتقبة وتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات لعزل المدن والقرى الفلسطينية ومنع أي تواصل جغرافي بينها، واتخذت قراراً وافق عليه الكنيست يقضي بعدم السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى سلسلة المجازر والمذابح الجماعية التي نفذتها بحق الفلسطينيين، وغيرها من الممارسات التي كانت تل أبيب لا تستطيع القيام بها في حالة بقائها كسلطة احتلال.

 

2- الضغوط والتحركات الأمريكية - الإسرائيلية لإضعاف السلطة ودفعها لتقديم أكبر تنازلات ممكنة عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث نجحت حكومة شارون في إقناع إدارة بوش بعزل وتهميش الرئيس ياسر عرفات بدعوى دعمه لعمليات المقاومة الفلسطينية ضد الإسرائيليين التي تصنفها على أنها إرهابية حيث أكد بوش في خطابه الذي طرح فيه رؤيته لعملية التسوية في يونيو 2002 أن إرساء السلام القائم على وجود دولتين متجاورتين "إسرائيل" وفلسطين، لا يمكن تحقيقه دون تأسيس وتكوين قيادة فلسطينية مستقلة عن عرفات تهدف إلى إنهاء العنف، وذلك في أول دعوة صريحة إلى تغيير عرفات باعتباره معوقاً أساسياً أمام التحرك الأمريكي لإعادة مفاوضات التسوية إلى مسارها الصحيح.

 

واستمر هذا الموقف الأمريكي قائماً رغم الإصلاحات السياسية التي أدخلتها السلطة الفلسطينية، حيث أكد بوش في خطابه أمام الجمعية العامة في سبتمبر 2003 أن القضية الفلسطينية "خانها قادة يتمسكون بالسلطة من خلال ترويج الكراهية القديمة وتدمير عمل الآخرين الجيد". كما أكد وزير الخارجية كولن باول يوم 8/1/2004 أن المشكلة تكمن في عدم وجود شريك فلسطيني موثوق به. ولم تتردد واشنطن في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار عربي يطالب "إسرائيل" بالتراجع عن قرارها الخاص بإبعاد الرئيس عرفات، والذي كانت قد وافقت عليه يوم 11/9/2003، بل وبرزت بعض الدعوات الإسرائيلية التي تطالب بقتل عرفات وتصفيته جسدياً على أساس أن نفيه للخارج سيمنحه الفرصة للتحرك بحرية وتأليب الموقف الدولي والإقليمي ضد "إسرائيل". وتمثل هذه الدعوات والتحركات نوعاً من الإرهاب النفسي الذي يستهدف دفع الفلسطينيين إلى تقديم تنازلات أكبر وفرض الاستسلام على الطرف الفلسطيني.

 

3 ـ أن خروج السلطة الفلسطينية سيضع "إسرائيل" أمام مسؤولياتها الدولية كسلطة احتلال ويقيد ممارساتها القمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقيات جنيف، ويكشف حقيقة الاحتلال الذي يمارس حالياً السلطة الفعلية باسم السلطة الفلسطينية التي تحولت بالفعل إلى أداة للتغطية على ممارساته، كما أن هذا الخروج سيضع "إسرائيل" في وجه جماعات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي. ويكاد يجمع المراقبون على أن نتيجة المواجهة ستكون في غير صالح الإسرائيليين الذين قد يضطرون إلى تقديم تنازلات كبيرة في سبيل إعادة الأمن والاستقرار لهم.

 

وفي المقابل يرى البعض أن حل السلطة الفلسطينية في الوقت الراهن سيكون له العديد من التداعيات السلبية على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، إذ سيؤدي إلى خلق فوضى أمنية وسياسية واجتماعية والإضرار بالاقتصاد الفلسطيني ومستوى معيشة المواطنين نتيجة إقدام الدول المانحة على وقف مساعداتها التي تقدمها للسلطة، وقد يؤدي هذا الوضع إلى صراع داخلي فلسطيني نتيجة غياب المرجعية الوطنية التي تمثلها حالياً حركة فتح والرئيس عرفات والخلاف حول أسلوب مواجهة الاحتلال والتعامل معه، فيما يتوقع البعض أن تلجأ الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى تشكيل حكومة فلسطينية عميلة خلفاً للسلطة تستطيع من خلالها تحقيق كامل أهدافها، بيد أن هذا السيناريو مستبعد لأن مثل هذه الحكومة لن تحظى بالشرعية الداخلية وستواجه من جانب جماعات المقاومة الفلسطينية.

 

وعموماً فإن السلطة الفلسطينية عليها أن تختار الآن بين أمرين: إما أن تضغط على المجتمع الدولي والدول الراعية لعملية التسوية للتدخل بفاعلية لوضع مقررات اتفاق أوسلو الذي جاءت بموجبه وتحقيق أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني، وإما أن تنسحب من الساحة لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل أوسلو، بحيث تتحمل "إسرائيل" مسؤوليتها كاملة كسلطة احتلال، لأنه لم يعد مقبولاً أن تستمر "إسرائيل" في انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين تحت سمع وبصر السلطة وباسمها، خاصة أن استجابة الأخيرة للضغوط الخارجية والاتجاه إلى تفكيك منظمات المقاومة من شأنه أن يكرس الهيمنة الإسرائيلية ويزيد من مخاوف الانزلاق إلى حرب أهلية تدمر ما تبقى من القضية الفلسطينية

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع