قبل أن تحرق سفنك يا ريّس!
مصطفى الصواف
يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتجه نحو سياسة حرق السفن، وذلك عندما ورط نفسه بقضية الاستفتاء حول وثيقة الأسرى ما لم يتم التوصل إلى اتفاق حولها خلال الحوار مؤقتا ذلك في أيام عشر، وكأنه يعلم علم اليقين أن الفشل هو نتيجة حتمية لهذا الحوار ولوّح بسيف الاستفتاء ليقطع الطريق على المتحاورين.
وتشير خطوة عباس إلى أنه يتجه بالحوار إلى الفشل ليكون البديل هو الاستفتاء، فهو يعلم أنه سيكون مرفوضا من قبل حركة حماس والحكومة الفلسطينية، ليصل فيما بعد إلى النتيجة التي تسعى إليها حركة فتح والتي يترأسها إلى الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة .
وعلى ما يبدو فإن كل التسريبات الإعلامية التي كانت تنشر في وسائل الإعلام حول إسقاط الحكومة بعد الشهور الثلاثة الأولى عبر تحالف فلسطيني إقليمي دولي بدأت تنسج خيوطه عقب إعلان نتائج انتخابات المجلس التشريعي وفوز حركة حماس فيها بالغالبية الكبيرة التي حصلت عليها وذلك في 25/1/2006 ، جميعها؛ كان صحيحا بدليل أن الواقع بدأ يصدقه.
من هنا، نحن مقبلون على انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية، كنتيجة حتمية لموقف الرئيس محمود عباس، ظانا أن المواطن الفلسطيني ربما يعيد حساباته من جديد ويمنح الثقة لحركة فتح وتفوز لو أجريت الانتخابات التي يخطط لها هو وقادة فتح.
وبذلك يكون عباس قد حقق ما تريده حركة فتح ويريده لتنفيذ برنامجه السياسي القائم على تجريم المقاومة وتحميلها مسئولية ما يجري في الأراضي الفلسطينية وكذلك الاعتراف بـ (إسرائيل) ومشروع الدولتين وفقا لرؤية الرئيس الأمريكي بوش وتعديلات الحكومة (الإسرائيلية) أي دولة فلسطينية على 42 بالمائة من الضفة الغربية بعد تقطيع أوصالها، وقطاع غزة دون القدس، مع إمكانية التحايل على وجود بعض الإشراف الإسلامي على الأماكن المقدسة في القدس وفق التصور (الإسرائيلي)، وفي الغالب سيكون أردني ويحتال الفلسطينيون على ذلك ويسمونه إشرافا فلسطينيا.
ولكن السؤال المطروح، ما الذي تغيير؟ حتى يعتقد قادة فتح أن أي انتخابات جديدة ستكون نتائجها في صالحهم، فقد جرت الانتخابات قبل خمسة أشهر تقريبا، واختار الناس حركة حماس، سواء كان هذا الاختيار هو اقتناعا ببرنامج حماس أو عقابا لفتح، فالصورة لازالت كما هي.
إن الانطباع الذهني عن حركة فتح لازال في عقول الناس على حالة ولم يتغير، بل ربما زاد عقب الحصار المفروض على الحكومة التي شكلتها حماس، والمواطن يرى أن حركة فتح لها دور فيما يجري على الساحة الفلسطينية، سواء كان هذا الانطباع صحيحا أو مبالغا فيه، كما أن فتح لازالت منقسمة على حالها رغم حالة التوافق السطحية والتي جرت لمواجهة حركة حماس والحكومة الفلسطينية .
في المقابل، فإن حركة حماس لازالت على ما هي عليه، وشعبيتها لم يعتريها أي هبوط فهي في تزايد نتيجة هذا الحصار وهذه المؤامرة التي تدار من كل الأطراف، الأمر الذي قد يكسب حركة حماس مزيدا من الشعبية.
نقول ذلك لأن المواطن الفلسطيني سيعتبر ما يجري هو لكون حركة حماس ترفض التنازل عن الثوابت الفلسطينية وأن هذا الحصار يمكن أن ينتهي لو اعترفت حماس بـ (إسرائيل) وأوقفت المقاومة ضد (إسرائيل)، أو بمعنى آخر أن ترفع حماس الأيدي بالراية البيضاء ، وهذا الذي ترفضه حركة حماس .
ومن هنا نسأل: هل لو أجريت انتخابات جديدة رئاسية وتشريعية وفازت حماس مرة أخرى، فهل ستقبل حركة فتح بالنتائج التي تريد الالتفاف على سابقتها ؟ وهل ستقبل حماس هذا المخطط الذي بات واضحا وجليا للجميع ؟.
على ما يبدو أن مواقف الرئيس محمود عباس سواء من حيث يدري أو لا يدري سيعمّق من حالة الخلاف الفلسطينية ـ الفلسطينية من خلال الورطة التي وضع نفسه فيه واقعدته على الشجرة ولا يريد أي سلم للنزول عنها.
كان من المفترض أن يكون دور الرئيس الفلسطيني على غير ذلك، فدوره الأهم هو تجميع هذا الكل الفلسطيني وأن يعمل على أن يكون رئيسا فقط للشعب الفلسطيني وليس رئيسا لحركة فتح، وكان من المفترض أن يستقيل الرئيس محمود عباس من ترأس حركة فتح بعد فوزه في انتخابات الرئاسة، أما أن يكون رئيس للسلطة ورئيس لفصيل فهذا لا تستقيم معه الأمور، وهذه النتيجة التي نحن نعيشها ناتجة عن هذا التداخل.
لا مجال أمام الواقع الفلسطيني إلا أن يمارس الديمقراطية بكل ما لها وعليها وإلا سيكون المستقبل معتم وخطير، خاصة في ظل المعلومات التي بحوزة حركة حماس عن التحضير من قبل جهات فلسطينية للقيام بعملية انقلاب بالقوة على نتائج الانتخابات، ظناً منهم أن الطرف الأخر سيسلم بما يريدون، وهم بذلك وعن يقين يريدون أن يجروا الساحة إلى حمام دم مع سبق الإصرار والترصد.
|