لو انتهى شارون، الصهيونية مستمرة..

سوسن البرغوتي- 13/1/2006

حاول شارون تحسين صورته أمام العالم، كونه ابتدع أساليب مبتكرة في فن التعذيب، وصناعة مجازر جماعية على الشعب الفلسطيني، وخنقه اجتماعياً واقتصادياً بجدار عنصري، فوجد في الـ "كاديما" ومعناها بالعربية "إلى الأمام" المعنى الأوضح لسياسته أي قدماً في " سياسة استيطانية" تحقيقاً لعقدة جنون العظمة، وطريقةً للهروب من السقوط سياسياً.

هذا الحزب المفترض، المتغير في ظاهره والثابت في الباطن، يؤكد أركان الفكر الصهيوني، مستكملاً تحقيق حلم المشروع الاستعماري "من الفرات إلى النيل" أولا..!

 شخصية شارون السياسية المصطنعة حديثاُ لم ترضِِ مؤخراً غرور وعنجهية الصهاينة العنصريين في طريقة إبرام الاتفاقيات بحجة السلام المزعوم، وخروج قواته من غزة على أنه طرد المستوطنين من أرضهم.. كون ذلك يُعتبر من المحرمات وتنازلاً من قبل المتشددين منهم والأحزاب المعارضة عن فكرة إلغاء وجود الشعب الفلسطيني على قاعدة أن فلسطين "أرض بلا شعب"، بسياسة تقبّل الآخر، وما الادعاءات الكاذبة بالانسحاب من غزة إلا محض افتراء، وغزّة ما زالت محاصرة وبمراقبة شديدة على الحدود من جميع الجهات.

بيد أنه مثّل وطبق نهج نظام المؤسسة العسكرية، انتهى أم لم ينتهِ فإن المشروع الاستيطاني قائم ومستمر على مبدأ بناء إمبراطورية تتحكم برأس المال والإعلام والأرض العربية واستباحتها.

فقد صعّد شارون في الحقبة التي تزّعم فيها الدولة العبرية بشراسة ووقاحة علنية،  رغم أن تاريخ العصابات الصهيونية يشير إلى انتهاج سياسة محددة وبوسائل متعددة في كل مرحلة للهدف نفسه. فإن اغتيال صوت المقاومة السياسية القلمية ببيروت المتمثلة بعدوان وناجي وكنفاني، تلاها مرحلة اغتيال عدة شخصيات فلسطينية اقتصادية دعمت المرابطين في الوطن المغتصب، ثم اغتيال أبو إياد وأبو جهاد كممثلين للنضال الفلسطيني المسلح.

السياسة الصهيونية كشفت عن أقنعتها  في مذابح صبرا وشاتيلا، بتصريح شاروني، وبوقاحة هستيرية للمضي بنهج  مذبحة الحرم الإبراهيمي في عهد شامير الذي لم يكن أقل بطشاً، وكذلك إحراق المسجد الأقصى في عهد مائير، وقبلهم تنفيذ مشترك لعصابتي  الأرجون وشتيرن  بقيادة بيغن وشامير لمذبحة دير ياسين.

خلاصة القول لم يكن شارون إلا حلقة في سلسلة تطبّق بروتوكولات آل صهيون بحذافيرها على أرض فلسطين، وتكريساً لمقولة "الجيش الذي لا يُهزم".

في الطرف المقابل فإن تهاون السلطة الفلسطينية بإبرامها اتفاقية أوسلو وجنيف ومن ثم خارطة الطريق كرّست تاريخ السفاح لصالحه، ومنحته امتيازات رجل السلام رغم تلطيخ يديه بدماء الشعب الفلسطيني ورموزه النضالية.

العيب ليس بممارساته الإرهابية والقمعية لإرادة حق التحرير، فهو يحقق نصراً تلو الآخر لدولة الشر، في حين تلغي القيادة الفلسطينية وعرّابين شرم الشيخ بجرة قلم نضال وتضحيات شعبنا وحقه بتحرير أرضه.

لقد شطح خيال القيادة الفلسطينية في أن شارون شريكاً فعلياً في عملية "سلام" وهمية، مما حدا بالسلطة الفلسطينية إلى إلغاء الاحتفالات الرسمية بعيد الأضحى المبارك مراعاة لمشاعر العدو، وتضامناً مع شارون قاتل الضحايا الأبرياء، في حين أن قرار كهذا من قبل السلطة المحلية يُعتبر ضمن مسلسل التنازلات، وإرضاء سافراً لمحتل ومجرم حرب وجبت محاكمته ولو كان على مشارف الهلاك.

البحث في الإستراتيجيات والتكتيكات الصهيونية بغض النظر عن من يقود المرحلة، لم يعد لها الأهمية والجدوى طالما أن "إسرائيل" حققت  الهدف من قيام الدولة الاحتلالية.

إن ما يجب دراسته وبحثه هو في إعادة تأهيل استراتيجيات وتكتيكات عربية في مواجهة قضايا مستحدثة وردع "الإرهاب" المبتدع كضغوط للرضوخ للاملاءات الأمريكية، وأسباب ضعف الصف العربي الرسمي، والتمرد الشعبي على السلطة العربية بالمطالبة بديمقراطية عربية لا مستوردة، وعراقيل الخطط التنموية المستقلة عن سيادة العولمة المقننة والمبرمجة ثقافياً وسياسياً واقتصاديا.

وكتحصيل حاصل مررت الصهيونية مخططاتها وحققت التطبيع الكامل مع بعض الدول، وأصبحت تفرض حكم القوي على الضعيف، الجار المشارك المهيمن بالقرار السياسي العربي، وبمصير الوطن العربي بحلّة جديدة تناسب أطماع  قديمة لآل صهيون في "الشرق الأوسط" الجديد.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع