الخوف من شارون والبكاء عليه

بروفيسور عبد الستار قاسم

8/كانون ثاني/2006

ارتعد العرب عندما استلم شارون رئاسة وزراء إسرائيل وذلك خوفا من بطشه ومن سياساته العنيفة ضد الفلسطينيين وعدم رغبته في صنع سلام يوفر على العرب بعض ماء الوجه. كتبت آلاف المقالات في مئات الجرائد والمجلات على فترات طويلة تعبر عن تشاؤمها من الأوضاع التي ستؤول إليها المنطقة العربية، ومن الحروب التي قد يجرها إليها شارون. ولم تقصّر تلك المقالات في هجاء شارون ووصفه بمجرم الحرب وجزار صبرا وشاتيلا ورافض اتفاقيات أوسلو. وقد ذرفت مقالات كثيرة الدموع على مسيرة التفاوض، وأبدت حسرتها على تلك الجهود التي بُذلت من أجل جمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المفاوضات. ومقالات أخرى استنجدت بالأمريكيين من أجل التحرك للضغط على شارون ولجمه والإبقاء على مسيرة التفاوض.

أما اليوم، فيبدو أن بعض الأكف مفتوحة تضرع إلى الله بالدعاء لبعث الحياة في شارون. هناك كتاب كثر يرون أن شارون قد بدأ مسيرة سلام بعيدا عن أصوله الآيديولوجية، وأن عملية تدمير المستوطنات في غزة تشير إلى ذلك. وهم يرون أن شارون من القيادات التاريخية القادرة على اتخاذ قرارات حاسمة ومهمة في العلاقات مع العرب، وأن غيابه ربما يجمد عقارب الساعة. من القيادات المتوقعة، لا يوجد من هو على مستوى اتخاذ قرار تاريخي سوى شمعون بيرس الذي تعثر حظه دائما في الانتخابات. قادة عرب منشغلون بصحة شارون، ويجرون اتصالاتهم بالأخص مع الولايات المتحدة بحثا عن المستقبل.

على مستوى الشارع الفلسطيني، لأول مرة لا يوجد من يأسف على هذا الرجل. عادة، كان هناك من ينتظر التغيير القيادي الإسرائيلي، ويترقب آملا أن يقود من تؤيده القيادة الفلسطينية، لكن شارون يصعب أن يجد من يبكي عليه، أو ينتظر تحسن صحته.

في كل الحالتين: حالة صعود شارون وحالة اختفائه، الموقف العربي يغيّب العرب، وهذا بحد ذاته هو الخطر. هناك نفي للذات العربية وتغييب للدور العربي الذي يمكن أن يكون فاعلا، واعتماد على الغير نحو حل المشاكل التي نعاني منها. نحن ننفي ذاتنا مستسلمين لثقافة العجز التي تجعل منا موضوعا وليس فاعلا، وتحيلنا إلى مجرد أدوات أو مطايا يعبر عليها الآخرون مع إمكانية التكرّم علينا بما يرونه مناسبا. المعادلة كالتالي: نحن نقف مهمشين أنفسنا، وننتظر ماذا سيفعل بنا البيت الأبيض أو الحكومة الإسرائيلية. وما دمنا كذلك، لا يمكن لنا أن نحقق شيئا مما نتطلع إليه، ولن نحصل على شيء إلا ضمن ما يرى غيرنا أنه يخدم مصالحه.

لا بد من التأكيد على نقطتين: الأولى أن شارون هو ابن مؤسسة ديمقراطية تتميز بالانتظام والتواصل والاستمرارية. هناك فروق شخصية بين قيادات الدول الديمقراطية، ويظهر أثرها في تفاصيل مختلف السياسات الداخلية والخارجية، لكنها فروق لا يمكن أن تطغى على البعد المؤسسي. الفروق الشخصية تظهر ضمن المؤسسية وقواعدها، ولا يمكن أن تتجاوزها؛ وإذا حصل أن تجاوزت فإن المؤسسية تنتقد وتحاكم وتقاضي. الثانية هي أن شارون لم يخرج من غزة ويدمر المستوطنات لأنه أصبح عاقلا وأدرك تطرفه، ولكن لأنه أُجبر على ذلك. زمجر شارون عند انتخابه رئيسا للوزراء وأرعد وأزبد، ووعد بقتل الانتفاضة خلال مائة يوم. مضت الأيام ووجد نفسه عاجزا على الرغم من قسوة الضربات التي وجهها للفلسطينيين. عندها أدرك شارون أن قدراته العسكرية غير قادرة على هزيمة الإرادة الفلسطينيين الصلبة، فنحى الآيديولوجيا جانبا وقرر العمل بالسياسة.

هناك فلسطينيون يقولون إن خروج شارون من غزة عبارة عن مؤامرة، لكنهم لم يعملوا على مقاومة انسحاب إسرائيل. هذا قول مردود لأن شارون قد قاوم تعاليم الرب وكل البرامج الانتخابية التي طرحها عبر السنوات بتدمير المستوطنات. فقط المسألة متعلقة بأن العاجز يحزن عندما يرى غيره قد حقق الإنجاز. قطاع غزة الآن محاصر، ولا يوجد استراتيجي عسكري واحد كان يتوقع غير ذلك. كانت إسرائيل تحاول الحفاظ على مصالحها من داخل غزة، ولم يتبق لها الآن خيار سوى الحفاظ عليها من حوله.

إذا درس العرب تاريخ القيادات الإسرائيلية، فإنهم سيجدون أن القيادات الحمائمية هي الأقل تسامحا مع العرب، أو هي الأقل قدرة في حفظ ماء وجه القيادات العربية. الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد هو بيغن، والذي ذهب إلى مؤتمر مدريد هو شامير، والذي انسحب من مدينة الخليل هو نتنياهو. قادة حزب العمل الذين يوصفون بالعقلاء كانوا يتطفلون على خطوات قادة اليمين الإسرائيلي ويحاولون إكمال المشوار. وإذا أراد العرب سلاما إسرائيليا، فإن عليهم أن يتمنوا صعود متطرف لعين إلى رئاسة الوزراء.

من الأجدى للقيادة الفلسطينية ومعها كل القيادات العربية أن تبحث عن الذات وعن الطاقات التي تملكها أو يمكن أن تطورها من أجل تحقيق الأهداف المرجوة. إذا أرادوا حلا سريعا للقضية الفلسطينية وتحقيق الراحة والاسترخاء، فإن عليهم أن يكونوا جزءا من المعادلة وليس على هامشها. إذا وجد العدو أن هناك من يضغط عليه ولا يستجديه فإنه سيفكر كثيرا قبل أن يقوم بعدوان، أو قبل العناد في تلبية مطالب عدوه. الطريق الأقصر ليس الابتهال من أجل شفاء شارون، وإنما من أجل أن يبعث فينا القوة لندرك أنفسنا.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع