شمال غـزة ... حزام أمني قابل للتوسع !
محمـد العبـد اللـه /
كاتب فلسطيني
3/1/2006
منذ أسبوعين تقريباً، تعيش محافظات غزة أوضاعاً صعبة، أقل مايقال
عنها، أنها مأساوية وكارثية! تحت " السماء الزرقاء " التي أرادها العدو
الإسم الجديد لحملته الوحشية المستمرة على الأجزاءالشمالية، وهجمات
الطائرات المتنوعة(استطلاع بدون طيار،آباتشي،
F16)
على غزة، رفح وخان يونس ، لتنفيذ الإغتيالات والتدمير)، وفوضى السلاح
العابث والمدمر، سياسياً واجتماعياً، تتجدد معاناة السكان الذين ضللتهم
أطراف عديدة ، عبر تصوير تنفيذ خطة الفصل الشارونية ، قبل ثلاثة أشهر ،
على أنه " الإنسحاب الناجز والكامل " ، ليدركوا بأن ماحصل لايعدو كونه
إعادة انتشار للقوات ، واستمراراً للتحكم بالبر والبحر والجو .
العملية العدوانية الوحشية تستهدف إخضاع مناطق شمال غزة لمظلة نارية
هائلة لاتترك أية ألوان طبيعية للسماء. فقد وضع جنرالات الحرب الصهاينة
ثلاثة مراحل لتنفيذ عمليتهم، بهدف وقف عمليات إطلاق الصواريخ ، بحيث
تتحول كل هذه الأراضي لمناطق محروقة، حتى لايتمكن رجال المقاومة من
استغلالها لوضع منصات الإطلاق، وتحويلها كما يدّعون إلى منطقة " معقمة "
خالية من المقاتلين. المرحلة الأولى بدأ تنفيذها منذ عدة أيام، بإغراق
المنطقة بمنشورات تحرض السكان_ تقطنها أكثر من مائة عائلة _ على أبنائهم
المقاومين ، وتدعوهم في حال رفضهم لذلك، لمغادرة المنطقة بواسطة القصف
البري والجوي العنيف ، وهو مابدأت تنفيذه عملياً. قالمنطقة التي تبلغ
مساحتها ستة عشر كيلومتر مربع (كانت توجد على مساحات منها مستعمرات ايلي
سيناي، دوغيت ونيسانيت ) والممتدة بطول 6,3 كم على طول الحدود الشمالية
من البحر غرباً، ومن المنطقة الصناعية شرقاً وبعمق يتراوح بين 2,1 كم إلى
2,7 كم ، تقوم على أكثر من ستة آلاف دونم فيها زراعة التوت الأرضي. وفي
حال استمرار عمليات المقاومة سيتم تنفيذ المرحلة الثانية الهادفة تشديد
الضغط على سكان بلدات " بيت حانون، بيت لاهيا " و حي الشجاعية لدفعهم
لترك منازلهم، وضمها لاحقاً لأراضي المرحلة الأولى. وأمام تصاعد عمليات
المجابهة لقوات الاحتلال ، سيتم الانتقال للمرحلة الثالثة والنهائية،
باللجوء لعملية برية واسعة شبيهة بمجازر " السور الواقي " التي نفذتها
قوات العدو في أراضي الضفة الفلسطينية، بهدف إعادة احتلال كامل أراضي
القطاع ، وهو ماتحاول أطراف سياسية / عسكرية تأجيله لما بعد انتخابات
الكنيست " أواخر مارس / آذار القادم " لقطع الطريق على أولئك الذين وقفوا
ضد خطة شارون للفصل وراهنوا على فشلها من الليكوديين .
في ظل هذه التطورات المتسارعة ميدانياً ، يبدو الطرف الرسمي
الفلسطيني فاقداً القدرة على التعامل الجدي مع الحالة القائمة . فالرؤية
الأمريكية متطابقة لدرجة كبيرة مع الموقف والممارسة " الاسرائيلية "،
واللجنة الرباعية تأتي بياناتها كصدى لإدارة البيت الأبيض ، والأهم هو
الحالة الداخلية المضطربة داخل حزب السلطة، مما انعكس سلباً على الأجهزة
الأمنية المتعددة التي تتوزع ولاءاتها لمراكز القوى المتنازعة، وهو ماوفر
البيئة المناسبة لظهور مئات المسلحين الذين أشاعوا الخوف والتوتر والقلق
في حياة المواطنين، فالرعب الذي يعيشه أكثر من مليون مواطن، لم يكن سببه
الوحيد _ رغم قسوته لكونه جذر المشكلات كلها _ العدو وممارساته، بل حالة
الفلتان الشامل ، التي أصابت مختلف مناحي الحياة ، واستهدفت بعض الناشطين
الأجانب، العاملين في أكثر من مجال، آخرهم اليساري الإيطالي الذي اختطف
لعدة ساعات في خان يونس. لكن التطور الأخطر كان في التحاق مايقارب من
مائتي شرطي في عمليات الاحتجاج العنيفة ، إذ أقدم رجال الأمن الوطني
بملابسهم الرسمية وأسلحتهم على احتلال مباني المحاكم والجوازات والبلدية
والمجلس التشريعي في مدينة رفح، بدعوى تقصير السلطة في اعتقال قتلة
الشرطي " عبد الرحيم صالح " الذي سقط قبل عدة أيام في حي الشجاعية، مما
دفع بقائد شرطة القطاع " علاء حسني " للقول " إنه تمرد عسكري في سلك
الشرطة، والوضع خطير للغاية". فمابين الاحتجاجات على القرارات الداخلية
لفتح (المشاركة بالانتخابات التشريعية، بعض الأسماء بالقوائم ) وتدني
الرواتب وانعدام فرص العمل، تتراجع للوراء عملية تأهيل المجتمع بأجهزته
ومؤسساته وأفراده لمجابهة استحقاقات المرحلة الراهنة، لهذا جاء اعلان
فصائل العمل الوطني المسلح " كتائب الشهيد أبو علي مصطفى ، كتائب شهداء
الأقصى ، ألوية الناصر صلاح الدين " عن تشكيلها لغرفة عمليات مشتركة للرد
على " بدء جيش العدو بتنفيذ مخططه بإقامة منطقة عازلة شمال القطاع "
ليشكل بارقة أمل لرفع درجة التنسيق بين مختلف القوى، وليشكل خطوة على
طريق تمتين التحالف الميداني، من أجل تطوير العمل السياسي / المجتمعي في
مواجهة عمليات التخريب المنهجية التي تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي ،
وإلهائه بالتعارضات العائلية والمناطقية .
إن خطورة المرحلة الراهنة، تتطلب من جميع قوى العمل الوطني ( السلطة
والمعارضة ) وضع الآليات المناسبة لتطبيق رؤية موحدة للجهد السياسي /
الكفاحي المشترك ، سواء في قراءتها لتنفيذ الانتخابات في موعدها بعد
ثلاثة أسابيع، على ضوء" قرار العدو حول مشاركة المقدسيين " وفي ظل اتساع
الهجمات العسكرية للعدو، والخلخلة العنيفة داخل المجتمع في أكثر من
محافظة . فهل تحمل لنا الأيام القادمة توافقاً وطنياً يضع مصلحة الوطن
والشعب فوق كل
اعتبار!.
|