شغب الحرس السلطاني
الفلسطيني
لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لمسخرة الفلتان
الأمني، وشغب أفراد الأجهزة الأمنية، وصراعات وحروب أمراءها على الساحة
الفلسطينية.
فكل نهار تطالعنا وسائل الإعلام بفضيحة جديدة لصراعات المصالح، والنفوذ،
وتضارباتها
بين قادة الأجهزة المزمنين، والتي زادت حدتها في ضوء إصطفافات جديدة،
وترتيبات
الغاية المعلنة منها الإصلاح الأمني، وهو المطلب المعلن أمريكيا
وإسرائيليا، فيما
الحقيقة أن رغبة العهد الجديد في تخليق وتثبيت زعامته، وصناعة أزلامه حاضرة
أيضا في
هذه الترتيبات.
الأجهزة الأمنية التي فقّست مع إنشاء السلطة الوطنية
الفلسطينية عام 1994، وتكاثرت حتى زادت على اثني عشر جهازا، بناءا على
حاجات أمنية
إقليمية فرضتها ترتيبات اتفاق أوسلو العجيبة، وكذا رغبة الرئيس الراحل
عرفات تفتيت
مراكز القوى والنفوذ من حوله جريا على عادته وسياسته المعهودة، بالإضافة
إلى تشكيل
بعض الأجهزة كجوائز ترضية للبعض من بطانته. كل هذا كان دافعا لتكريس حقيقة
كون هذه
الأجهزة تفتقر إلى عقيدة أمنيّه تستند إلى مصالح الشعب الفلسطيني، فيما
تتخلق
وتتعزز فيها شبكة التحالفات والمصالح غير المشروعة، وهذا ما يفسر حقيقة كون
هذه
الأجهزة إقطاعيات خاصة، وعصابات أمنية يتناحر أمراؤها على كل شيء وفي كل
شيء بدء من
الاستيلاء على سيارة مسروقة، وليس إنتهاءا بالتنافس على التعاون وتلقي
المساعدات من
أجهزة أمنية خارجية تدعيما لقوة رئيس كل جهاز في المعادلة الداخلية، يضاف
إلى ذلك
التواصل مع البنى الاجتماعية التقليدية حيث انتماء أفراد عشيرة او منطقة ما
إلى
جهاز معين قاد إلى صراعات وتناحرات على هذه الخلفية أيضا.
قبل أشهر معدودة أعلن رئيس جهاز الأمن الوقائي في
قطاع غزة السيد رشيد أبو شباك ـ والذي رقي ليصير رئيسا للجهاز بشقية ـ عن
حل فرقة
الموت التابعة لجهازه. طبعا هذه الفرقة لم تُشكل لتنفيذ مهمات قتالية ضد
إسرائيل،
بل للاشتباك المباشر في الصراع الداخلي مع الأجهزة الأمنية المنافسة، ومع
المواطن
الفلسطيني الذي يقوده حظه العاثر إلى مشكله مع احد أفراد الجهاز، أو محيطه
الاجتماعي، وفرقة الموت هذه بسمعتها القذرة كانت محل اتهام المواطن
الفلسطيني
بالعديد من الجرائم، ومع كل ذلك لم يسأل أحد السيد أبو شباك عن جرائم هذه
الفرقة،
ومن يتحمل مسوؤليتها، والتي تفضل على الشعب الفلسطيني بإعلان
حلها.
لم يستوعب أمراء الأجهزة الأمنية المحالين إلى
التقاعد فكرة التقاعد أصلا، بعد ما يزيد على عشرة أعوام على رأس هذه
الإقطاعيات
الخاصة، والتي رغم ثقافة التبجّح السائدة لا تستطيع إدعاء تنفيذ مهمة واحدة
حقيقية
خدمت مصالح الشعب الفلسطيني. للأسف فإن تعيين القادة الجدد لهذه الأجهزة
خضع لذات
المنطق السلطاني في تقريب الموالين، وأصحاب الاصطفاف والحسابات الواحدة،
فيما منطق
العقل وبناء الدول يستلزم أن تتم تزكية أي مسوؤل للعمل في موقع مدني أو
أمني كبير
بعد دراسة ملفه الوظيفي، وانجازاته المتحققة، ومدى إلتزام سلوكه الوظيفي
بمعايير
النزاهة والصالح العام، ثم الحصول على موافقة المجلس التشريعي على هذا
التعيين، وكل
ذلك في ظل تحديد مدة ولايته الوظيفية بما لا يزيد على أربع سنوات غير قابلة
للتمديد
لضمان عدم استغلال الموقع الوظيفي، وبناء شبكات المصالح والتحالفات
الشخصية، والتي
تأتي قطعا على حساب المصلحة العامة. هذا للأسف ما لم يتحقق في التعيينات
الجديدة
التي أصدرها الرئيس عباس.
والى أن يأتي يوما يصبح فيه تنفيذ القانون، وحماية
أرواح وممتلكات المواطن الفلسطيني عقيدة أمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية
على
المواطن الفلسطيني أن يتكيّف مع الفوضى والفلتان الذي يذكّر بشغب الحرس
السلطاني،
وصراعات أمراءه، واعتداءاتهم على الرعية في أزقة القاهرة وبغداد ودمشق
العصور
الوسطى، فيما الرعية تدعو للخليفة والسلطان بطول العمر، وتبتهل إلى الله أن
يجنِّبها شر الفتنه، فيما الروم في حالتنا لم يعودوا على الأبواب بل صادروا
البيت
كله.
جمال القريوتي
باحث فلسطيني
jamalq1999@yahoo.com
6/8/2005
|
|
|