مهام أمنية للجنود المصريين

 

بروفيسور عبد الستار قاسم

يلاحظ المراقب أن التصريحات السياسية والتحليلات الإعلامية لمسألة انتشار قوات مصرية في سيناء على حدود فلسطين الافتراضية تتسم بالمجاملات والاختصار واللهجة الدبلوماسية التي تضيع معها الحقيقة. تشترك الفضائيات والصحف والإذاعات العربية، في معظمها، مع السياسيين والقادة في محاولات إخفاء حقيقة هذا الانتشار. في المنطقة، فقط وسائل إعلام إسرائيل وتصريحات الساسة الإسرائيليين هي التي تتحدث عن الدور الأمني المصري في تلبية متطلبات الأمن الإسرائيلي.

واضح إعلاميا وسياسيا أن لا أحد يريد أن يُغضب النظام السياسي المصري أو يدخل معه في عداوة أو مشاحنة أو توتر. وعلى المستوى الفردي، لا يريد أحد أن يغامر بملاحقة أجهزة الأمن المصرية له ولو في مسألة منعه من دخول مصر. بين المصالح المتبادلة، والمصلحة الفردية، وحك الظهر المتبادل بين قادة العرب تضيع الحقيقة. أبرز من يحاول التورية على الحقيقة هم قادة الفصائل الفلسطينية الذين يعلنون غير ما يسرون، ويقفون أمام العدسات يشيدون بدور مصر الشقيقة في استعادة الحقوق الفلسطينية. أما مصر فلا تكف عن الحديث عن وقفتها الأخوية المتفانية من أجل شعب فلسطين، ومن أجل القضايا القومية العربية.

القوات المصرية تنتشر على الحدود الافتراضية الفلسطينية المصرية للدفاع عن الأمن الإسرائيلي وفي مواجهة مهربي السلاح من مصر إلى فلسطين والمقاومين الفلسطينيين الذين يمكن أن ينتقلوا من هذا الطرف إلى ذاك لأسباب عدة. هذه القوات ليست موجودة لملاحقة مهربي المخدرات لأن شرطة الحدود المصرية تستطيع القيام بذلك، ولا من أجل دعم المقاومة الفلسطينية من أجل تحرير المعابر وتأمين حرية الانتقال بين غزة ومصر، ولا من أجل تدريب المقاومين.

وفق الاتفاقيات المعقودة بين مصر وإسرائيل، لا يجوز لقوات الجيش المصري أن تنتشر في سيناء، والانتشار مسموح فقط لقوات الأمن المدني مثل الشرطة وحرس الحدود ووفق معادلة تعلمها إسرائيل، وإذا كان لأي تغيير في الانتشار أن يحصل فعلى مصر أن تبلغ إسرائيل. أي أن مصر تمارس نوعا من الحكم الذاتي على سيناء، ولا يسمح لها بإدخال أسلحة غير الأسلحة الفردية.

حتى تستطيع مصر إدخال قوات الجيش إلى سيناء لا بد لها أن تطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد، أو أن تتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. وهذا بالضبط ما جرى. طرحت أولا مسألة التعديل، ولكن الدولتين انتهتا إلى اتفاق منفصل ومؤقت.لإسرائيل طبعا حق تقييم أداء القوات المصرية، ولها أن تقرر فيما إذا كان على مصر سحب قواتها أو الإبقاء عليها. التقييم الإسرائيلي هو تقييم أمني وفق مصالحها الأمنية.

أرادت إسرائيل أن تنسحب أحاديا من قطاع غزة، على أن تحتفظ لنفسها بسياسة أمنية في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية. هبت السلطة الفلسطينية معترضة خشية أن تتسلم فصائل المقاومة السلطة المدنية في القطاع، وحصلت على دعم مصر، وطلب الطرفان من إسرائيل التريث وضرورة التنسيق قبل الانسحاب. استعدت إسرائيل مدعومة من أمريكا للتنسيق، لكنها أوضحت أنها لا تستطيع الاعتماد على السلطة الفلسطينية في القضايا الأمنية لأنه ثبت فشلها. اتفقت الأطراف في النهاية على أن تقوم مصر بدور أمني على الحدود وداخل القطاع وإنما بطريقة غير فاضحة حتى لا تلحق أضرار بالنظام المصري أو يُستفز الشارع الفلسطيني. هناك الآن ضباط مصريون في غزة يدربون القوات الفلسطينية على ملاحقة الإرهاب، وهناك قوات على الحدود تقوم بذات المهمة. ومن المتوقع أن يتسلل مزيد من الضباط المصريين إلى القطاع دون إعلام ودون اتفاقيات معلنة، خاصة إذا احتاجت القوات الفلسطينية دعما لتجريد الفصائل الفلسطينية المقاومة من السلاح.

أول الغيث قطرة. تم قتل فلسطيني وجرح آخر في رفح. نفت مصر أن تكون قواتها قد فعلت ذلك، لكن شهود عيان أفادوا بعكس هذا. لم تكن هناك قوات إسرائيلية في المنطقة ولا اشتباكات بين أطراف متخاصمة ساعة وقوع الحادث. أما إذا كان الادعاء ضد القوات المصرية غير صحيح، فإجراء تحقيق محايد يحل المشكلة. ومن ناحية ثانية، احتجت إسرائيل على عبور الناس بين شطري رفح على جانبي الحدود. استجابت السلطة الفلسطينية للاحتجاج وقررت منعهم من العبور، وكذلك فعلت مصر. علما أن هؤلاء عبارة عن أقارب وأصدقاء وجيران دفعهم الاشتياق والحنين للزيارات المتبادلة.

أبدت إسرائيل انزعاجها من هذا الأمر، فانزعج العرب مصريون وفلسطينيون. فإذا كان لمصر ألا تصمد أمام هذا البعد الإنساني، فكيف بها ستتصرف إذا كان هناك تهديد فعلي للأمن الإسرائيلي؟ أصابت إسرائيل حساسية أمنية من أشواق الناس، وبالتأكيد ستكون حساسيتها متشنجة جدا إذا قرر هؤلاء الاستمرار في المقاومة.

الخطوة المطلوبة تاليا هو تجريد فصائل المقاومة من السلاح وتحويلها إلى أحزاب سياسية تشارك في العملية السياسية التفاوضية. ماذا سيكون الموقف إن رفضت هذه الفصائل، وقد أعلنت الرفض فعلا؟ رئيس السلطة الفلسطينية يهدد، وهو يعلم كما تعلم الفصائل أن مصر لا ترى ضرورة لحمل السلاح وقتال إسرائيل. من الصعب التكهن بذلك بخاصة أن مصر لا تريد أن تدخل أيضا في صراع شعبي مع الفلسطينيين أو أن يتم اتهامها بالخيانة علنا من أوساط فلسطينية، لكنني أرجح وقوفها إلى جانب السلطة بشكل أو بآخر.

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع