قوات الأمن "الوطنية"!

 د.إبراهيم حمّامي

10/12/2005

انتشرت القوات بأوامر أصحاب القرار الثلاثة، وتوزعت على المواقع والنقاط الحساسة، مدججة بالأسلحة الفردية والرشاشة، تحت مسميات ليس أقلها الحفاظ على أمن الوطن والمواطن، وتحت حجج بالعلن وبالباطن، فعلينا أن نقبل دون اختيار، أن أمن السلطة يسهر على راحتنا ليل نهار، وهاهي قواتنا الفلسطينية، رمز الشموخ والوطنية، على الزناد ضاغطة دون ارتياح، لوقف القتل والتدمير والاجتياح!

نعم فالمشهد يوحي أننا دولة ذات سيادة، ولها جيش جرار يحمي حدودها وممتلكاتها، وعلى أتم الجاهزية لوقف الاعتداءات المتكررة للإحتلال، لكن الواقع على الأرض يخبرنا قصة مختلفة تماماً، لا علاقة لها بحماية الوطن والمواطن لا من قريب ولا من بعيد، بل هي قوات لحماية الاحتلال والمحتل، ولتنفيذ أوامره ونواهيه، وبشكل مباشر دون مواربة، وبأسلوب عصابات المافيا وخفافيش الليل، وهو الذي طالما حذرنا منه، ألا وهو تحول هذه القوات إلى جيش لحدي فلسطيني بغيض، وقد سبق وكتبت حول هذا الموضوع تحديداً، وقامت قيامة المنتفعين والمستنفعين، ليخلطوا الحابل بالنابل، وكأنني أقصد أبناء شعبنا جميعاً بأسلوب مفضوح مرفوض، وها أنا أعود مجدداً لسرد الوقائع الجديدة حول لحديو فلسطين، الذين ارتضوا لأنفسهم مهمة حراسة الإحتلال.

في الوقت الذي يتواصل المسلسل الإحتلالي اليومي من إغتيال وتدمير واجتياح ومصادرة وغيرها، في مدن الضفة الغربية وفي قطاع غزة، تحت مرأى ومسمع قوات الأمن الوطنية الفلسطينية (أقولها مجازاً لأنها أبعد ما تكون عن الوطنية)، دون أن تحرك تلك القوات ساكناً، بل في كثير من الأحيان يطلب منها مغادرة مواقعها قبل الإجتياحات في إطار التنسيق الأمن، لتترك المواطنين تنهشهم قوات الإحتلال، في ذات الوقت وبالتوازي مع هجمة الإحتلال تقوم تلك القوات بمحاربة الناس في لقمة عيشهم لتمارس العربدة على الضعاف، بينما تترك الزعران من المحسوبين عليها يصولون ويجولون دون اعتراض، ولتقوم ومن جديد بحملات اعتقال طالت العشرات من أبناء الشعب الفلسطيني استرضاءاً لشارون وموفاز، وبحجة الحفاظ على التهدئة التي اتفق عليها الجميع في القاهرة، وباعتبارها مصلحة وطنية عليا لا يجوز خرقها.

القيادة التي تصدر الأوامر اللحدية تعرف تماماً أن تلك التهدئة هي من طرف واحد وباختيار من وقعوا عليها، ويدفع شعبنا ثمنها دماً ودموع ودمار وتشريد، دون أن تنبس تلك القيادة الخانعة ببنت شفة، ودون أن تقوم بواجبها بحماية الشعب، ولتتفرغ للإدانة والتجريم لكل رد فعل على جرائم الإحتلال، لكن يبدو أن المصالح الشخصية أهم من المصلحة العامة، وهذه حصيلة جديدة للتهدئة المزعومة والتي يستبسل عبّاس ودحلان ونصر يوسف وعبر أوامرهم في الحفاظ عليها:

- عدد إنتهاكات الإحتلال بلغ 19707 انتهاكاً، خلال الفترة التي أعقبت تفاهمات وقف إطلاق النار التي عقدت في قمة شرم الشيخ بتاريخ 8/2/2005 وحتى تاريخ 28/11/2005، سقط خلالها 141 شهيداً، و977 جريحاً، وتم اعتقال 3464 مواطناً، وبلغ عدد عمليات إطلاق النار 1969 عملية، في حين أقامت قوات الاحتلال 3789 حاجزاً، ووصل إجمالي مساحة الأراضي التي تم مصادرتها 35344 دونماً، وكان هناك أعمال تجريف واقتلاع للأشجار بلغ 186 مرة، كما قام المستعمرون بـ530 اعتداءً على المواطنين الفلسطينيين.

-    في الأسبوع الذي صدرت فيه الأوامر اللحدية لتعيد سياسات الإعتقال السياسي مبتدأة حملة جديدة من الإعتقالات سجلت 39 حالة إطلاق نار، و35 حملة اعتقال، تم خلالها اعتقال 83 مواطناً، و42 حملة مداهمة تم فيها تنفيذ 108 اقتحاماً، كما قامت قوات الإحتلال بـ42 حملة لإقامة الحواجز العسكرية المؤقتة والتي أقيم فيها 108 حاجزاً، وأغلقت الطرق والمعابر 197 مرة. وبلغت اعتداءات المستعمرين 6 حالات، وعمليات تجريف للأراضي الزراعية بلغت 4 مرات.

هذه بالمناسبة إحصاءات سلطوية رسمية، تصدر بشكل دوري وتصل لكل مسؤولي سلطة أوسلو، ليشيحوا بوجوههم عنها، وكأنها لم تكن، أو ربما هي أمور وتضحيات بسيطة على طريق السلام المنشود.

بالأمس وبتاريخ 09/12/2005،  هدد موفاز وبشكل مهين ومن على شاشات القناة الثانية للتلفزيون العبري موجهاً كلامه لعبّاس، هدد بحصار قطاع غزة حصارا مانعا واعلان معبري كارني وايرز معابر دوليةومناطق مغلقة يمنع استخدامها في نقل البضائع التموينية والحياتية اللازمة لسكان القطاع، ممهلاً إياه 48 ساعة للرضوخ لأوامره الجديدة!

في ذات اليوم كانت قوات الإحتلال تعيث فساداً بمحافظة طولكرم وتعتقل من تشاء ومنهم 7 من أسرة واحدة في بلدة دير الغصون شمال طولكرم، لتصدر الأوامر اللحدية بدعم تلك الحملة بإعتقال 3 في بلدة علار شمال طولكرم أيضاً، يالها من مصادفة، قوات صديقة تعمل في نفس المنطقة ولهدف واحد.

الأمثلة كثيرة وتمتد من جنين وحتى قطاع غزة، ورغم رفض كل القوى والفصائل والهيئات لسياسة الإعتقال التي تعيد للأذهان جرائم سلطة أوسلو عام 1996 والموثقة بالكامل، وتعيد للأذهان فرقة الموت الدحلانية، وجريمة مسجد فلسطين وغيرها، ورغم كل النداءات، تصر القيادة المتنفذة على سلوك نفس الطريق وبنفس الأساليب الهمجية.

الغريب أن من يقومون بتلك المهام القذرة يشعرون في قرارة أنفسهم بالخجل والعار، وهو ما يفسر إخفاء وجوههم خلف أقنعة حتى تبقى شخصياتهم المريضة طي الكتمان، وخوفاً من نبذ المجتمع لهم إن عرفهم، كيف لا وهم أدوات رخيصة بيد المحتل وأعوانه، والغريب أيضاً أن جل المساعدات التي عبرت إلى قطاع غزة كانت للأجهزة الأمنية، والأغرب أن يعلن علاء حسني مدير الشرطة الفلسطينية (..) في مؤتمر عقده بتاريخ 04/12/2005، "ان الشرطة الفلسطينية بحاجة إلى اربعة سجون مركزية على الأقل ومقرات دائمة وثابتة للأجهزة الأمنية, وانها بحاجة إلى دعم مالي وإلى عدد أكبر من الدورات التدريبية لكوادر الشرطة"، في وقت لم نسمع فيه أوسلوي واحد يعلن حاجتنا للمدارس أو شبكات الصرف الصحي أو الأمان أو المستشفيات أو أي شيء مهما صغر!

قبل أن تبدأ الأصوات الناعقة بالهجوم وكيل الإتهامات بأني أدعو للفتنة وشق الصف وباقي العبارات التي حفظناها عن ظهر قلب، وقبل أن يعمموا كما تعودناهم بأني أهاجم كل موظف وشرطي وعامل في سلطة أوسلو، أقتبس جزءاً من رد سابق نشرته تحت عنوان "بل لحديون وأكثر" بتاريخ 02/02/2005، وسبحان الله كيف أن الأيام أثبتت دور هؤلاء:

أكثر ما أثار حفيظة من انبروا بأقلامهم للدفاع والهجوم هو المقارنة بين قوات "الحرس الوطني" التي نُشرت لحماية المستوطنات والحدود والحواجز والمعابر كأكياس رمل بدلاً من جنود الإحتلال، وقوات العميل انطوان لحد، وأعيد هنا ما كتبته لأزيد عليه لاحقا:

"ثاني المقارنات هي بين ما يجري هذه الأيام في قطاع غزة من نشر سلطة أوسلو وبفرمانات من عبّاس لقوات مهمتها حماية الإحتلال وبين تجربة جيش لبنان الجنوبي بقيادة العميل أنطوان لحد، وقبل أن يقفز أحباء ومريدي عبّاس وسلطته الهزيلة في ظل الإحتلال من أماكنهم إحتجاجا على تلك المقارنة، هذه بعض الحقائق والمطابقات التي لا يمكن لعاقل أن يشكك فيها:

·        لم يتوقف لحد ومن معه من تأكيد أنهم يعملون لمصلحة لبنان بكامل أراضيه ال 10452 كم2، وأنهم فعليا من يمثل مصلحة لبنان، وهي نفس الأسطوانة التي نسمعها الآن ولكن وللأمانة فعباس ومن معه لا يطالبون بفلسطين التاريخية ال 27009 كم2.

·        كان عدد من نشرهم لحد من عناصر جيشه المنهار 2500 عنصر، وهو نفس العدد الذي قرر عبّاس نشره في قطاع غزة، مصادفات غريبة!

·        كانت مهمة اللحديون في لبنان حماية قوات الإحتلال على حدود لبنان الجنوبية، أما مهمة لحديو فلسطين فهي حماية الإحتلال أينما وجد حول قطاع غزة.

·        أقام اللحديون في جنوب لبنان الحواجز وقاموا بتفتيش السيارات والمارة بحثا عن الأسلحة ولوقف الهجمات المحتملة، وهو بالضبط ما يقوم به لحديو فلسطين هذه الأيام وبشكل مخزي ومقزز.

كانت تحركات العناصر اللحدية لا تتم إلا بموافقة جيش الإحتلال، وهو تماماً ما يجري الآن في قطاع غزة حيث تعرقل نشر قوات حماية الإحتلال في جنوب القطاع بسبب إغلاق الإحتلال لطريق صلاح الدين ومعبر أبو هولي.

*  كانت مهمة الضباط في جيش لحد التنسيق الأمني مع الإحتلال ضد المقاومة، وهو بالتحديد دور ضباط سلطة أوسلو الآن الذين أصبحوا يجاهروا وبكل صلف بدورهم كما فعل أحد هؤلاء عقب عملية معبر المنطار عندما لام على الإحتلال لعدم التنسيق معه!

السؤال هنا: لماذا يجمع الكل على عمالة لحد ويعتبرون عبّاس وطنياً رغم أن ما قام به لحد لا يختلف بأي شكل عمّا يقوم به عباس الآن؟ مهما كانت التسميات والمبررات والحجج فما يجري اليوم في غزة هو نسخة متطابقة لجيش لحد وما قام به، ولن يغفر لقوات لحد الفلسطينية الجديدة أية مبررات فنشرهم له هدف واحد واضح، حماية المحتل، وإن كان هناك من يعترض فعليه أن يسأل نفسه: هل ستوقف هذه العناصر دبابة إحتلالية واحدة أو تحمي مواطن واحد؟ وهل ستمنع إجتياح المدن والمخيمات الفلسطينية، بل هناك سؤال أبسط: هل تستطيع قوات حماية الإحتلال التحرك خطوة واحدة دون إذن مسبق من الإحتلال؟"

دون تكرار للتساؤل الأخير والذي عجز "الكتاب" أصحاب المقالات السابقة في الإجابة عليه، أتساءل هل منعت قوات لحد الجديدة رصاص المحتل من أن يخترق رأس الطفلة البريئة نورهان ديب؟ وهل تجرأ أيٌ من أزلام أوسلو على التنديد بهذه الجريمة البربرية؟

هنا لابد من توضيح بعض النقاط التي أثيرت بعد الموضوع سالف الذكر:

-         لم يشكك الموضوع السابق بأي حال بالتضحيات والبطولات التي قام بها بعض أفراد قوات الأمن وبشكل فردي خلافاً للأوامر الصادرة، ولم يتهم عشرات الآلاف من أبناء الأجهزة الأمنية بل حدد العدد في 2500 وهم من انتشروا لحراسة المحتل وبدأوا حملات التفتيش عن "السلاح" في حواجز أقيمت على الطرق.

-         أول من استخدم عبارة جيش لحد هو المدعو الطيب عبد الرحيم رداً على ورقة الجنرال الأمريكي زيني الأمنية في ربيع عام 2002 قائلاً بالحرف الواحد: "يريد أن يحول السلطة الفلسطينية إلى جيش لحد جديد". هذا قبل حوالي ثلاثة أعوام أما الآن فقد تحولت فعلياً وعملياً وعلى الأرض إلى جيش لحدي جديد.

-         ليس التشابه فقط في النقاط المذكورة أعلاه بل حتى في اللباس والرواتب المدفوعة للعناصر

-         ما يؤكد الدور المشبوه لهذه القوات الحارسة للمحتل هو ما أُعلن اليوم عن إلقاء القبض على أحد "المقاومين" في نابلس وكذلك البيان الذي صدر بلا خجل ولاحياء ليؤكد هدم نفق في منطقة رفح على يد مغاوير القوات اللحدية الجديدة.

-         أعلنت رايس وزيرة الخارجية الأمريكية اليوم أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بتدريب القوات اللحدية الجديدة، فما هو رد المدافعين؟ هل ستدربهم أمريكا لمواجهة الإحتلال وحماية أبناء الشعب الذين يحاولون تجريدهم من السلاح؟

-         بإيعاز من يعلون الذي يزور تركيا ستزود أنقرة "السلطة" ب 25 ألف زي لعناصر الأمن الفلسطيني: ترى لماذا؟ وهل هي أيضاً لصالح التصدي للإجتياحات والإغتيالات؟

-         مهما حاول البعض تلميع صورة هؤلاء المرتزقة ومهما حاولوا الإيحاء بأن التهجم عليهم هو تهجم على قوات الأمن جميعها، فلن يفلحوا في مسعاهم لأن الجميع يدرك الفرق بين الصالح والطالح، والغث والسمين، وللتذكير فإن عناصر جيش لحد كانت أيضاً عناصر سابقة في الجيش اللبناني، فهل يستطيع أياُ كان أن يتهم الجيش اللبناني أو يشكك فيه، بالـتأكيد لا، فخطيئة البعض لا يمكن تعميمها على المجموع، وهذا ما يعرفه كل ذي عقل، وهو ما ينطبق على باقي العناصر الأمنية الفلسطينية التي نحترم الشريف فيها ونشد على يده، وننكر فعلة الخبيث والذي يبيع نفسه ووطنه من أجل "ملاطيش" يتلقاها نهاية كل شهر، فخاب مسعى من أراد الخلط المقصود دفاعاً عن اللحديين الجدد الذي يقودهم سراً ويقود المفاوضات عنهم علناً مع موفاز كبيرهم الذي علّمهم السحر المتمصلح صاحب فضيحة الملايين في معبر كارني وصاحب الفندق المعروف على ساحل غزة، وخاب فأل من أراد أن يخلط الحق بالباطل تشويهاً متعمداً مقصودأً لذر الرماد في العيون".

ترى لو قامت تلك القوات بحماية الوطن والمواطن، وقامت بدورها الذي تحمل اسمه أي "الوطنية"، وتصدت للمحتل، ودافعت عن مقدرات الشعب، وواجهت الفساد، ووقفت بالمرصاد للمتآمرين على وحدة الشعب، هل كان هذا رأينا فيها؟ وهل كان من الممكن أن نقف أي موقف غير الإعتزاز والإكبار لها؟ أما إن كانت عاجزة عن أداء مهامها، فخير لها ولنا ألا تكون من أن تكون ضدنا وضد قيمنا وأخلاقنا، وأفضل ألف مرة أن نوفر ميزانيتها التي تضاعفت بمضاعفة رواتب العسكريين لشراء ذممهم وولائهم، على حساب الموظفين من البسطاء والذين أعلن عبّاس عن نيته الإستغناء عن 27000 منهم دفعة واحدة بعد استقالة وزير ماليته فياض الذي وقع بين ناري قرار عبّاس، فإما أن يخفض رواتب العسكريين أو يسرح عشرات الآلاف من الموظفين.

إن من واجب كل غيور شريف رفض العودة لأسلوب البلطجة والزعرنة الذي مارسته سلطة أوسلو عام 1996، والذي لا تجيد غيره، ومن واجبنا أيضاً فضح المتآمرين على مصلحة الشعب الحقيقية لا الدعية، حتى يسقط خيار البلطجة وحتى يسقط البلطجيون من بقايا عهد الإعتقال السياسي والذين ما زالوا في قمة الهرم الأوسلوي.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع