الخــلاص الوطني

سوسن البرغوتي

إن تكريس مبدأ الديمقراطية الوطنية بشكل أو بآخر في الحكومة الفلسطينية الجديدة، يجب أن تكون ظاهرة صحيّة لإعادة أولويات وثوابت وأحقية القضية الفلسطينية ومسألة الصراع العربي- "الإسرائيلي"، كأول الاهتمامات، وعلى ذلك ستشكل نقلة نوعية بملف حق الشعوب في التحرر على مستوى الفهم العالمي.

لقد شدد نظام البيت الأبيض على ضرورة ممارسة الديمقراطية، وما حدث في فلسطين المحتلة هو تجسيد واقعي وطني لها، وهذا بدّل من صورة بعض قرارات النظام الأمريكي من صيغة رفض مطلق بالتعامل مع "حركة إرهابية" ليصبح هذا الرفض متساهلاً بتقديم "أن" الشرطية، كنتيجة للمأزق الأمريكي بين ما تطلقه من شعارات، وبين الرؤى الجديدة في مشاركة الشعب صنع القرار السياسي، بما يتناقض تماماً مع ما تطبقه على أرض الواقع باحتلال العراق واحتكارها لثرواته، عدا ديموقراطية أمريكا بتدمير بنية العراق والنيل من سيادته، وهي أول أولويات دعم المطالبة بديمقراطية تتمتع باستقلال البلد.

عودة إلى  التغيير الذي ستستحدثه الحكومة الجديدة في فلسطين المحتلة من منطلق التعاون الواعي الواقعي، هو الانتقال من التطرف الإسلامي في طرح الورقة الوطنية، إلى تقديم وثيقة الإنقاذ الوطني منطلقة من أرض المعركة، بتوظيف التأييد الشعبي الفلسطيني والعربي ودعم مناهضة الليبرالية الجديدة في العالم والتي قامت على مبدأ استنزاف ثروات الشعوب والنيل من هويتها وكرامة أوطانها.

إن احترام خيار الشعب الفلسطيني يفرز الرموز التي كانت تعيق  تلك الإرادة كفقاعات احتضار لممارسات غبيّة تسعى إلى تفكيك الوحدة الوطنية، لا كما انتهجت الفصائل الوطنية سابقاً سعة الصدر وضبط النفس تجاه فتنة ظاهرها الآني التباكي على ضريح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والذي قضى نحبه مسموماً نتيجة تجرعه السم على شكل جرعات في مقر مقاطعة حُجم بها ليعبث بعض المتنفذين ما يحلو لهم لشخصنة المصالح. مظاهر خلق متاريس وعوائق أمام ثورة سلمية  باقتحام المجلس التشريعي من بعض العناصر، وترأس دحلان في خان يونس لحالة الشغب لن يفيد إلا في إسقاطه ومن الشعب مهما كانت انتماءاته الوطنية.
 من الواضح أن دحلان وأمثاله يعرقلون مسيرة الإصلاح الحقيقية والمأمولة من حركة فتح بفصل الشخصيات التي تسببت في تفكيك البنية التحية لحركتها بممارسات سلطوية قمعية وفي إبرام عقود تجارية مع العدو، وما صفقة الإسمنت التي عُقدت من قبل السيد قريع إلا حلقة في دائرة فساد لرسالة فتح التاريخية، وتحويلها إلى وكالة تمويل المشاريع الاستثمارية.
 كما أن اللواء جبريل رجوب المسؤول عن الأجهزة الأمنية، لم يخدم يوماً الأمن الفلسطيني، بقدر ما ساعد على قمع المقاومة الوطنية، واعتقال الكثير من قادتها تعاونا من أجل الأمن الصهيوني.
تلك الرموز الفاسدة على سبيل المثال لا الحصر، أدت إلى إنهاك حركة فتح من الداخل، وتغييب تفعيل دورها كممثلة شرعية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.

خلاصة القول إن بعض من قادة فتح هم المسؤولون عن تقهقر دعم الشعب الفلسطيني لحركة فتح، والمخاطر التي تحف بالحركة اليوم هي في التساهل بطريقة التعامل مع هذه الزمرة لأنها ستشكل مسامير في نعش القضية الأم.

لم تكن فتح بحاجة إلى الوصول إلى هذه النتيجة، لولا سكوتها واستمرار المستفيدين بأجنداتهم الخاصة باللعب بمصير الحركة ذاتها، لو قامت قواعد وشرفاء فتح الكثر باستئصال الطحالب من جذورها التي نشرت داء الفساد والإفساد، لما وصلت إلى هذه النتيجة.

كما أن إعادة الحركة لتأخذ مكانها الطبيعي في مسيرة النضال هو في اعتبار المصلحة الوطنية لفلسطين فوق مصلحة الحركة ذاتها، والتخلّص من اتفاقيات عاف الدهر وعليها وشرب، وقد ظهرت للعيان نتائجها السلبية في تقديم تنازلات مقابل لا إنجاز لصالح سلام عادل يقوم على مبدأ التحرير وليس على مبدأ إنهاء الصراع من منظور إقليمي ضيّق.

إن الحكومة الوطنية الجديدة لن تبدأ ما انتهت به الحكومة السابقة إذا ما استمر الدعم الفلسطيني والعربي والعالمي غير المنحاز، وإذا لم تصعد "إسرائيل" حمامات الدم من جديد والعالم يرى ويسمع ولا ينطق تحت حجّة محاربة "الإرهاب" في حين أنه حق مشروع كمقاومة تسعى إلى فرض هذا الحق عربياً وعالمياً منطلقة من تحرير فلسطين المحتلة.

هذه الاستراتيجية السياسية المقدمة من حماس، تعيد الأمور إلى نصابها، وتمنحها مصداقيتها السابقة في شرعية النضال لاستلام دفة الحكم، بالتعاون مع جميع الفصائل الوطنية، وبالمشاركة لدعم برنامج الخلاص والإخلاص ففي ذلك نلمّ الشمل، وتتجه البوصلة نحو الهدف.

الحكومة الجديدة ليست غريبة عن البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني خاصة والعربي بشكل عام، وكحركة دعمت الأسر الفلسطينية، وساهمت بالكثير من المشاريع الاجتماعية التي ساعدت على عدم هجرة الفلسطينيين إلى الخارج، فلنعطي الفرصة للحمة وطنية أكيدة بعيداً عن بريق الكراسي والتسيد، وإنما كمسؤولية تضع الشعب الفلسطيني مع قادته على محك النهوض بالقضية من الرماد.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع