سردين..!

بقلم: د. فايز صلاح أبو شمالة*

أخيراً وصل السردين إلى سكان قطاع غزة ليأكلوا منه هانئين بعد انقطاع دام عدة أسابيع، فقد منّت دولة إسرائيل على السكان بهذه الوجبة، وسمحت لقوارب الصيد بدخول البحر بعد منع محكم عقب تفجير مخيم جباليا وما تلاه من تصعيد، ويأتي هذا التسهيل للناس نظراً للانضباط الذي أظهرته الفصائل، وتقيد الجميع بالتعليمات والأوامر الإسرائيلية، وهو ما يبشر أهل غزة بمزيد من التسهيلات إذا هم واصلوا عميلة ضبط الأمور، وأحسنوا التصرف، وأثبتوا قدراً من المسؤولية، إذ ربما ستسمح إسرائيل بعد أيام بدخول الفاكهة التي منعت، وقد تسمح بدخول مواد غذائية أخرى بدأت تشح في الأسواق.

قبل خمسة عشر عاماً سمحت إدارة سجن نفحة الصحراوي بإدخال وجبة من السردين إلينا في سجن نفحة الصحراوي، فأكلنا منها هانئين بعد انقطاع دام عدداً من السنين، وكان ذلك تقديراً من إدارة السجن لحالة الانضباط والتقيد بالتعليمات الإدارية التي أظهرها السجناء، مع وعد بتقديم مزيد من التسهيلات، ما دمنا سنلتزم بالتعليمات والأوامر المتعلقة بضبط الأمن.

الفارق بين سجن نفحة وسجن دولة غزة يقول: أن السجناء لم يحتفلوا بفرحة النصر والتحرر من الأسر رغم ما كانوا يتمتعون به من حكم ذاتي داخل الغرف، وسيطرة كاملة داخل المعتقل، فقد كنا في السجن ننشد الأناشيد الحماسية، ونحتفل بانطلاقة الفصائل، ونردد النشيد الوطني، ولكننا لم ننس للحظة أننا في سجن؛ فيه الأوامر والنواهي العليا للسجان، وكان الواجب يقتضي من السجناء تفهم ذلك، والعمل على تغييره، وعدم الركون لما يتم تحقيقه، مع تواصل التنبه لإبعاده، ولم تصدر دعوة واحدة من أسير فلسطيني واحد بتسليم سلاح المقاومة، والركون إلى حسن نوايا صديقتنا إدارة السجن، ومديرها الواقعي الموضوعي، لأن طبيعة العلاقة بين السجين والسجان دائماً مشوهة، وسرعان ما تتبدل مع تبدل الأحوال.

في سجن دولة غزة، رقصنا، وفرحنا، واحتفلنا بالنصر للانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، رغم معرفتنا أن إسرائيل بكل مستوياتها السياسية والإعلامية والثقافية تردد الكلمة العبرية (هتنتكوت) بمعنى الفصل ـ التسمية التي أطلقتها إسرائيل على خطتها للتخلص من الضائقة التي تعيشها في قطاع غزة ـ وقد أثبتت الأيام أن ما تم في غزة ليس إلا (هتنتكوت) باللغة العبرية، وليس انسحاباً باللغة العربية، لتجيء الأحداث التالية لخطة الفصل الإسرائيلي لتؤكد للجميع أن  الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة باق كما هو، وأن السيطرة البرية والبحرية والجوية على قطاع غزة ما زالت في يد دولة إسرائيل التي تتحكم في شريان حياة قطاع غزة.

فهل يمكن القول أن المبالغة في احتفالات النصر المؤزر التي أظهرتها السلطة والفصائل كانت وهمية، وكان التحرير من السطوة الإسرائيلية حملاً كاذباً ـ رغم أن دحر المحتل قد تم فعلاً عن أرض غزة ـ ولكن غزة لا عاشت نصراً، ولا هي نقت الأجواء من المحتل، وما تم ليس إلا إعادة انتشار وفق المصالح السياسية والعسكرية لدول إسرائيل؟

وهل يمكن القول أن ما ترتب على ذلك من دعوة إلى إلقاء سلاح المقاومة دعوة باطلة وزائفة، وتأتي لتمرير الكذبة بأن قطاع غزة خرج من دائرة الصراع، وصار محرراً؟

من لا يصدق هذا الكلام ويتشكك في مضمون الإجابة ليعمل على إدخال مركب صيد صغير من شاطئ قطاع غزة إلى البحر الأبيض المتوسط ليصطاد حبة سردين واحدة دون إذن إسرائيل، أو ليعمل على إدخال إصبع موز، أو حبة قمح دون إذن إسرائيل، أو ليعمل على خروج مريض من قطاع غزة عبر الحدود المصرية دون الإذن الإسرائيلي!!!

فهل غزة تعيش تحت الاحتلال أم تعيش حالة الاستقلال؟!

ألا يستوجب الاحتلال المقاومة، أم يستوجب الاستقلال المسالمة؟

* كاتب فلسطيني يقيم في قطاع غزة.

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع