سفير في مهمة غير
قانونية
إياك أن تقوم عن الكرسي إذا ما تمكنت من الجلوس
عليه!! و إياك أن تتخلى عن ختم المختار إذا ما حصلت عليه!! هذه للأسف هي
قواعد
التربية العربية في العصور الحديثة، هذه هي المبادئ التي جيء بها لتشكل
التطوير لما
كان يعرف عند أجدادنا العرب قديما بالإيثار أو الشورى أو ما إلى ذلك من
شعارات عفى
عليها الزمن.
السيد عبدالله الإفرنجي رئيس مكتب التعبئة و التنظيم
لحركة فتح في قطاع غزة عاد إلى أرض الوطن منذ أشهر ليقود الحملة الإنتخابية
لحركة
فتح في القطاع رغم أنه مازال و بشكل يخالف القانون الفلسطيني على رأس منصبه
الحكومي
كسفير أو مفوض للسلطة الفلسطينية في ألمانيا ويدير أمورها عن طريق التحكم
عن بعد أو
من خلال زيارة خاطفة كل عدة أسابيع!!
نعم، إنها سخرية القدر أن يكون من يتشدق و يدعو إلى
الإلتزام بقرارات القضاء الفلسطيني و احترام القوانين و التشريعات الوطنية
هو نفس
الشخص الذي خالف كل هذه القوانين في سبيل أن لا يفرط بمنصبه كسفير فلسطيني
في
ألمانيا و ذلك بموازاة إدارته للحملة الإنتخابية لحركة فتح، أي بعبارة أخرى
أراد
الإمساك بعصاة جحا الفلسطينية من الوسط!!
فإذا
ما ادعينا أن السيد الإفرنجي قد تمكن من
حيثيات عمل السفارة الفلسطينية في ألمانيا بحكم ترؤسه التمثيل الفلسطيني
هناك لعقود
من الزمان، بحيث أصبح بإمكانه أن يدير شؤونها عن بعد قرابة 4000 كم و ذلك
لشهور
متتالية منذ استشهاد الرئيس ياسر عرفات، فكيف لنا أن نبرر احتفاظ سعادة
السفير و
رغم العجز المادي الفلسطيني بمقر ثان للسفارة في بون و ذلك بشكل منفرد دون
كل
سفارات العالم ولا لشيء إلا لسبب يرتبط بالتزامات السيد السفير العائلية و
السكنية!! و كيف لنا أن نبرر نداءات السفير بخصوص إعادة الإنتخابات و التي
يدعي
فيها أن القانون فوق الجميع، بل و يشدد على ضرورة الإلتزام به من جميع
الأطراف مهما
كلف الثمن!!
و إذا كان السيد السفير قد عاش في ألمانيا
الديموقراطية عقودا من الزمن، فكيف لنا إذن أن نبرر ثورته "الديموقراطية"
بعد إعلان
نتائج المرحلة الثانية للانتخابات البلدية في قطاع غزة، و كيف لنا أن نقيم
هجومه
الإعلامي على الحركات الفلسطينية المنافسة لأنها تقدمت على حركته بإرادة
الناخب
الفلسطيني!! إن هذا التصرف يذكرنا حقيقةً بابن عمرو بن العاص حين تعدى على
من فاز
عليه في سباق الخيول، هذا في الوقت الذي يذكرنا فيه شراء ضمائر الناس بمبلغ
من
المال بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفس السياق : "منذ متى
استعبدتم الناس
و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"!!
السيد الإفرنجي لم يعد يذكر منصبه كسفير في محاولة
منه للإلتفاف على الدستور الفلسطيني الذي يمنع مشاركة أعضاء و رموز السلطة
في
الدعاية الإنتخابية حفاظا على نزاهتها، بل و يخرج علينا من جديد متهما
الحركات
المنافسة "بمحاولة الظهور في الإعلام بأيّ ثمن" متناسيا ما يفعله هو حين
يمارس
هوايته هذه. و الحقيقة أنه لا عجب في ذلك، إذا ما استذكرنا تصريحاته
السابقة التي
رأى فيها أن "الوصول إلى السلطة له أصول وقواعد" و أن "الأمر مازال مبكرا
لوصول
"حماس"
إلى السلطة" مهمشا و محقرا بذلك اختيار الناخب الفلسطيني!!
إن الأخوة الشرفاء في حركة "فتح" قد فهموا رسالة
الشعب الفلسطيني المناضل من خلال ورقة الإنتخابات و التي طالب فيها بإصلاح
حركة
"فتح"
العريقة و تطهيرها من الرموز السلطوية التي أساءت إليها عبر العقد الأخير و
هذا ما عبر عنه الأسير الفتحاوي المناضل الأخ النائب حسام خضر عندما قال
"أهلاً
بفوز "حماس"" و المناضل الدكتور فايز صلاح أبو شمالة في مقالته "حماس يا
سيد يوسف
القزاز" لأنهما رأيا في ذلك مطلب الجماهير الفلسطينية عامة و الفتحاوية
خاصة لإصلاح
الحركة إضافة إلى ترسيخ معنى الديموقراطية و التعددية السياسية.
السيد الإفرنجي يظهر لنا في المقابل كل يوم بتصريح
يهدد وحدة الشعب الفلسطيني من أجل مصلحة حزبية ضيقة أو بالأحرى مصلحة شخصية
أضيق و
هو الذي أهمل في مهام عمله الموازي كسفير و الأهم على المستوى الوطني حين
لم يتخذ
أي إجراء احتجاجي على تسمية أحد الشوارع الرئيسية في برلين قبل أيام بإسم
دافيد بن
غوريون مؤسس الكيان الصهيوني و ذلك في ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني و نكسته!!
السيد
السفير لم يقم أيضا بمهام عمله من أجل دعم مشروع التوأمة المقترح بين مدينة
نابلس
الفلسطينية و مدينة نورنبيرغ الألمانية و الذي يواجه الفشل بفضل تدخل
السفير
الإسرائيلي في ألمانيا شخصيا لإيقاف هذه المبادرة!! و إذا ما سألتم عن سبب
هذا
التقصير فالإجابة أن سعادة سفيرنا كان مشغولا و قتها بِ"حماس"، الحزب
المعارض الذي
زور انتخابات تشرف عليها السلطة التي يعتبر الإفرنجي أحد رموزها و
ممثليها!!
المصيبة اكتملت عندما خرج علينا الرئيس أبو مازن
بقرار تأجيل انتخابات المجلس التشريعي إلى إشعار آخر، مذكراً بالحاكم
العسكري عندما
كان يفرض علينا منع التجول إلى إشعار آخر، و مناقضاً لكل تأكيداته في كل
الدول التي
زارها في جولته الأخيرة، مما يشكك في مصداقية هذه السلطة ابتداءا من رئيسها
و مرورا
بكافة رموزها و ممثليها. السيد الإفرنجي خرج علينا من جديد بعد هذا التأجبل
ليعيب
على المعارضة الفلسطينية استغرابها من هذه الخطوة على شاشات التلفاز و دون
الرجوع
إلى السلطة للتشاور معها، و كأنه هو أو حتى السيد الرئيس قد تشاورا مع
المعارضة قبل
اتخاذ مثل هذه الخطوة التي قد تهدد التطور الديمقراطي في الوطن المحتل!!
السيد الإفرنجي مطالب الآن بالإستقالة الفورية من
منصبيه كسفير أزلي للسلطة الفلسطينية في ألمانيا و كرئيس لمكتب التعبئة و
التنظيم
الفتحاوي في غزة باعتبار الجمع بينهما غير قانوني و غير واقعي، ناهيك عن
النتائج
الخطيرة التي ترتبت على ذلك سواء في ألمانيا كما سبق الذكر أو في الوطن و
على رأسها
تهديد و حدة الصف الفلسطيني و اللجوء إلى رجال المخابرات المصرية لحل مشاكل
تسبب هو
فيها ، في الوقت الذي نتابع فيه جميعا "الديموقراطية المصرية" التي جاء
رجال
المخابرات يعلمونها لنا و خاصة في وسائل الإحتيال على إرادة الشعب و
القانون
والتفنن في قمع المعارضة و زجها في السجون كما يحدث الآن في مصر الشقيقة،
وطننا
الثاني.
د.
جهاد الحبسي
كاتب
فلسطيني - شتوتغارت - ألمانيا
habsi@hotmail.de
6/10/2005
|