اللواء الرجوب و الوهم المتبدد
محمد خالد العوا/ عضو اللجنة المصرية لمناهضة الإستعمار و الصهيونية
1/7/2006
فى زيارته لمصر و التى اجتمع خلالها بكل من أحمد أبو الغيط وزير الخارجية و الوزير عمر سليمان و عدد من المسئولين المصريين ،صرح اللواء الرجوب فى حوار نقلته عنه " المصرى اليوم " بتاريخ 28 / 6 / 2006 ما يلي :
"إن مصر قلقة من أي خلل فلسطينى فى إدارة الصراع مع اسرائيل بسبب مردوده السلبي على القضية الفلسطينية وأن القاهرة تؤكد انه لابد من تجنيد الغلاف الإقليمي والأسرة الدولية فى مواجهة العدوان الأسرائيلي على الشعب الفلسطينى،
وتدعو إلى توحيد الرؤية الاستراتيجية للحل و ربطها بالشرعية العربية و الدولية.”
و لا تخفى اللهجة التقريرية التى يتحدث بها الرجوب عن الموقف المصرى تحبيذه له و موافقته عليه كما سيتضح من بقيه حديثه.وموافقة الرجوب على هذا الفهم تؤكد أن استراتيجية فتح- على
الرغم من أوسلو- مازالت تقوم على اعتبار الصراع فى واقع الأمر صراع عربى – اسرائيلي و ذلك بحديثه عن الغلاف الاقليمى ، بينما واقع الحال و بناء على اتفاقية كامب ديفيد و ما اكدته أوسلو من بعدها أن الصراع قد تم اختزاله من صراع عربى اسرائيلى إلى صراع فلسطينى اسرائيلى .و نحن إن كنا نفهم و نؤكد أن الصراع فى عمقه هو عربى إسرائيلي باعتبار أن الكيان الصهيونى هو رأٍ س رمح الأمبريالية الأمريكية فى المنطقة إلا أن هذا لا يمنعنا أن نرى بوضوح أن الأنظمة العربية و فى مقدمتها النظام المصرى
( عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد ) قد عمدت إلى تهميش الصراع الأساسى فى المنطقة و اعتبرته مجرد صراع فلسطينى اسرائيلى تقوم مصر و باقى العرب بدور الوسيط المحايد بين طرفيه بهدف التوصل إلى تسوية سياسية نهائية بين الاسرائيلين و الفلسطينين .
و قد أدى استمرار هذه السياسة لعقود طويلة جرى خلالها ذبح الفلسطينين و خطف و اغتيال قادتهم و اجتياح مدنهم و قراهم و هدم منازلهم و تجريف اراضيهم دون ظهور أى بشائر لتسوية ممكنة إلى اقناع الشعب الفلسطينى بضرورة إعادة النظر فى التسوية على اساس الإعتراف بالدولة الصهيونية و التى قرر الشعب بناء عليها اسقاط حكومة فتح و فوز حماس فى انتخابات المجلس التشريعى الأخيرة.
و لسان حال الشعب الفلسطينى يقول حسنا إذا كان اخواننا العرب يرون أن المشكلة هى فعلا فلسطينية – اسرائيلية فلماذا لا نجرب و نعتبرها كذلك .فمصر و بعد ست سنوات من المفاوضات غير المجدية اقنع المصريين خلالها بأستحالة أى تقدم سياسى فى ظل حالة الشلل العسكرى فقامت بشن حرب أكتوبر 1973 و التى ادت إلى انسحاب اسرائيل من سيناء . و ايا كان اعتراضنا على الشروط التى جاء فى إطارها هذا الأنسحاب و ما صاحبه من اتفاقيات جردت سيناء من السلاح
وحاصرت الدور المصرى فى المنطقة.
فأن ما يعنينا هنا هو زاوية واحدة و هى أن العمل العسكرى لا يعرقل المفاوضات بالضرورة و إنما قد يساعدها على الخروج من حالة الجمود بحيث لا تبقى تراوح مكانها . و الفلسطينيون قد قدموا الكثير و الكثير من التنازلات فى أوسلو
وفي غيرها. بل حتى الفصائل الفلسطينية التي لم تعترف بأوسلو ولا باسرائيل ، قد التزمت بالتهدئة العسكرية وأوقفت عملياتها تماما خلال فترة الهدنة ( حرصا على وحدة الصف الفلسطينى) و لازالت حماس ملتزمة بالهدنة حتى هذه اللحظة
و طوال ثمانية عشر شهرا . ومع كل ذلك لم تأت المفاوضات بأى جديد اللهم إلا زيادة التعنت و الصلف الإسرائيلي
و العدوان الدائم و الاجتياحات المتكررة . أي أن الاعتراف بأسرائيل لم يأت بجديد ، بل على العكس تحول هذا الاعتراف إلى قيد على الشعب الفلسطينى- سواء فى علاقته بإسرائيل أو في تفسخ شروط حياته الداخلية -
و هكذا تحول الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود إلى اعتراف بها كسلطة احتلال أبدية لا أكثر و لا أقل.
لذا فإنه مما يدهشنا أن يقول اللواء الرجوب تعليقا على عملية الوهم المتبدد أو كيرم شالوم كما يسميها.(لو لم تتم العملية كان من الممكن الخروج باتفاق خلال يومين (يقصد الإتفاق بين الفصائل الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية
ويستطرد الرجوب:” إن أنظار العالم الآن تنظر إلى الجندي الإسرائيلي المختطف ، والوضع فى غزة يتفاقم و كل محاولات التقريب بين وجهات النظر الفلسطينية و الاسرائيلية تغيرت بعد عملية كيرم شالوم ". أي نشاط أو جهود كانت تتم لأحداث تقارب بين اسرائيل و السلطة الفلسطينية تغيرت بعد العملية ، و منها الجهود المصرية لعقد قمة ثلاثية تجمع أبو مازن
و رئيس الوزراء الإسرائيلى أولمرت فى القاهرة".
والرجوب غير محق فى قوله هذا فعملية كيرم شالوم و غيرها من العمليات المماثلة قد تقنع الإسرائيليون – خصوصا أنها عمليات جريئة و متفوقة نوعيا – بضرورة التخلى عن تعنتهم و غطرستهم و إلا فإن ذلك سيؤدى من الناحية الواقعية إلى زيادة قدرات الفلسطينيين على المقاومة . إن عمليات عسكرية من هذه العينة يمكن أن تخدم قضية السلام فى المنطقة بأكثر مئات المرات مما تفعل اجتماعات عباس و أولمرت برعاية مصرية أو غير مصرية .
ولا يستطيع الرجوب أن ينهى حديثه قبل أن يعترف قائلا :“ هذه العملية فى السياق العام تعد عملية بطولية ، لكن التوقيت مهم و لابد من ربط العمل العسكرى بالظرف السياسى فالعالم الأن ليس معنا" . فى السياق العام هى إذن عملية بطولية هكذا يعترف الرجوب و هذا هو المهم . مهم فلسطينيا و مهم وطنيا أما غير ذلك من أمور التوقيت و ربط العمل العسكرى بالعمل السياسى فهى أمور تقديرية و أقل أهمية ، يمكن التفاهم بشأنها بين الاخوة ورفاق السلاح وهى لاتعيق الوحدة الوطنية أو الحوار الوطنى الذى يقوم فى الأساس على ضرورة مقاومة العدو لا الإزعان
له ، بل تزيدها عمقا .
إن ما أزعجنا حقاً فى كلام الرجوب قوله " للأسف لا يوجد هدف فلسطينى موحد ، فلو كان لدينا هدفا لوضعنا خطة ، و حددنا الوسائل السليمة للوصول إليه " . هذا كلام لا يصح أن يقال من مسئول فلسطينى كبير . إن كل الفلسطينيين و العرب يعرفون هدف النضال الفلسطينى ، تحرير الإرادة الفلسطينية و الأرض الفلسطينية من المحتلين الصهاينة .
والحق أن حماس قد أبدت مرونة كبيرة بإعلانها لهدنة طويلة مع إسرائيل فى حال انسحابها إلى حدود، 1967 إنها إذن لا تحاول عرقلة الوصول إلى تسوية . ومن غير المعقول تصور أن إسرائيل لابد و أن تنتظر إعترافا أخرا فلسطينيا أو عربيا بها قبل أن تنسحب من غزة فضلا عن توقيعها إتفاق سلام مع الفلسطينيين . و طالما أن المنظمات الرئيسية إما تعترف بها أو تبرم هدنة معها لأجال طويلة .المشكلة إذا ليست حماس و
إنما في الإصرار الإسرائيلى على إستمرار الإحتلال و الرفض الإسرائيلي الفعلي لقيام كيان سياسي حقيقي ومستقل للفلسطينيين لأن مثل هذا الكيان إذا ما خرج للوجود فعلا فإنه سيعوق محاولاتها الدؤوبة لأن تصبح القوة المهيمنة الرئيسية فى المنطقة، وهي بردها على عملية الوهم المتبدد بعملية عسكرية واسعة النطاق أسمتها " أمطار الصيف " لا تحاول استرداد جندى تم اختطافه . بل تحاول إسقاط الوهم المتبدد من الذاكرة . لأنها تعرف جيدا مغزاها السياسى و العسكرى ، خصوصا و هى
العملية الثانية من هذا النوع .
دع عنك اليأس أيها اللواء الرجوب ، و لا تسمى العملية التى قامت بها ثلاث فصائل فلسطينية باسلة بعملية معبر كيرم شالوم ، بل سمها كما أطلق عليها منفذوها عملية الوهم المتبدد .
|