السيدة رايس ومعبر رفح... تمخض الجبل فولد فأراً |
بقلم: عبد الرحيم ملوح
عانت سياسة الرئيس بوش الخارجية من الفشل في أكثر من مكان وعلى أكثر من
مستوى في الآونة الأخيرة، وفي أماكن تعتبر عادة ميدان نجاح دائم لها، وفي
قضايا تعتبر أميركا صاحبة اليد الطولى فيها، فعلى صخرة رفض كل من كوبا
وفنزويلا ومعارضة كل من البرازيل والأرجنتين ودول اخرى، فشل الرئيس بوش
شخصيا في قمة الأميركيتين في الأرجنتين بتمرير برنامجه لمنطقة التجارة
الحرة.
وفي البحرين فشلت وزيرة خارجيته د. رايس في الاتفاق على البيان الختامي
لما أطلق عليه ميثاق المستقبل لدول المنطقة والدول الصناعية الكبرى وعدد
من المنظمات غير الحكومية.
واذا أضفنا لهذا الصعوبات التي يعاني منها الاحتلال الاميركي للعراق،
وتزايد خسائره العسكرية على أيدي مقاومة الشعب العراقي، وتحويله البلد
الى دفيئة للأعمال الإرهابية على مستوى المنطقة والعالم، بحيث لم يعد
يجدي كثيرا او ينطلي على كثيرين اتهامه المتكرر لسورية وتحميله المسؤولية
عن ما يحدث في العراق، وعن فشل سياساته هناك، لأنه بالضرورة سيكون عاجزا
عن قول شيء عندما يطالبه الأردن بتحمل المسؤولية عن الأعمال الإرهابية
التي تعبر الحدود العراقية، وتضرب المواطنين الأردنيين الآمنيين كما حدث
في العقبة وفي فنادق عمان.
وشعوب المنطقة التي اكتوت بنار السياسات الأميركية، عندما دعمت النظم
الاستبدادية وتكتوي اليوم من ذات السياسات الموجهة لتفتيت المنطقة وضرب
وحدتها بدعم الاحتلال الإسرائيلي وتغذية الفئات الإرهابية المتطرفة،
تنتظر ما الذي ستقوله كوندوليزا رايس وزيرة خارجية أميركا للعاهل الأردني
الملك عبد الله الثاني وللشعب الأردني ولذوي ضحايا تفجيرات 19 تشرين
الثاني عن المسؤولية الأميركية الحاكم الفعلي للعراق وعن تسرب المجموعة
التي قامت بتفجير الفنادق، ولماذا فشلت في منعها كما فشلت في منع تفجيرات
العقبة قبلها.
في الوقت الذي تكيل الاتهامات للدول المجاورة للعراق وبخاصة سورية،
ويترافق مع فشل السياسات الأميركية الخارجية تتالي الفضائح الداخلية
لسياساته وآخرها فضيحة سكوتر ليبي مدير مكتب نائب الرئيس ديك تشيني وأحد
ابرز أعمدة المحافظين الجدد ودعاة الحرب على العراق وواضعي سياسة بوش او
ما يحب ان يطلق عليه "عقيدة بوش" وفشل إدارته للتصدي للكوارث الطبيعية
ونتائجها التي ضربت أكثر من ثلاث ولايات أميركية.
للتعويض عن هذا الفشل في أكثر من مستوى ومكان التفتت د. رايس ومعها حشد
من القادة على رأسهم خافيير سولانا المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية
الأوروبية وجيمس ولفنسون ممثل الرباعية بحل مشكلة معبر رفح، ولإظهار
الاهتمام بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي ما انفك يعري السياسة
الأميركية في كل مكان وزمان ويكشف انحيازها بل دعمها لسياسة الاحتلال
والعدوان الإسرائيلي، والوسيلة للنجاح هي لتسليط المزيد من الضغط على
الطرف الفلسطيني ودفعه لتلبية المطالب والشروط السياسية الأمنية
الإسرائيلية، من حساب الحقوق والسيادة الوطنية الفلسطينية.
هل يعقل ان وزيرة خارجية الدولة العظمى الأولى في العالم تسهر الليالي
وتتفرغ تاركة سياسة وامن العالم من اجل ان تحل مشكلة الدخول والخروج على
معبر رفح ومعبر كرم سالم، وعدد السيارات المغادرة من معبر ايريز وكارني،
لو لم تكن بأمس الحاجة لإظهار النجاح ولو شكليا للسياسة الخارجية
الأميركية الغارقة في الفشل، ألا يحق لنا القول كما قال المثل "تمخض
الجبل فولد فأرا" أترى السيدة رايس انه لا يوجد عملية سلام في المنطقة،
فعملية السلام تتطلب مرجعية واضحة هي الشرعية الدولية ومواثيقها
وقراراتها، وان شارون تحت رعاية ودعم رئيسها بوش أفرغها من مضمونها عندما
أدار ظهره للشرعية الدولية وقراراتها وأدار ظهره للطرف الفلسطيني معتقدا
انه بمقدوره إملاء سياساته الاحتلالية والعدوانية من طرف واحد، مطلقا
العنان لآلة حربه العسكرية ولإرهاب الدولة المنظم ليفعل فعله في الوقت
الذي يتهم الطرف الفلسطيني صاحب الحق المشروع بالوطن والمقاومة بالإرهاب،
مطالبا الرئيس محمود عباس والسلطة الوطنية الفلسطينية بحماية أمنه
،متغافلا عن ان مسؤولية عباس "ابو مازن" والسلطة تأمين حقوق الشعب
الفلسطيني وسيادته واستقلاله وحماية أمنه أولا وعاشرا، وليس حماية مغتصبي
أرضه وقتلة أبنائه صباح مساء من جنين الى رفح.
ألا ترى السيدة رايس والمنخرطون معها بالحلول الجزئية، انه لا يمكن
اختزال القضية الوطنية الفلسطينية وعملية الدخول والخروج على معبر رفح
وانه لن يترتب عن هذه الحلول إلا إدامة الصراع وعودة الانفجار مجددا،
وهذا هو جوهر المشروع السياسي الأمني لشارون وائتلافه اليميني المتطرف،
المتمثل بفرض الحلول من طرف واحد، وانه ليس في وارد التفاوض على تسوية
متوازنة للصراع في هذه المرحلة اعتقادا منه ان هذه المرحلة هي الأكثر
ملائمة لإسرائيل تاريخيا، كونها تحظى بالدعم غير المشروط لإدارة
المحافظين الجدد بزعامة الرئيس بوش وفي ظل منطقة تعاني من التشقق والضعف
وسياسة دولية عاجزة عن إجبار إسرائيل وأميركا على الالتزام بالشرعية
الدولية ومواثيقها.
وكل هذا يتيح لها المجال للتفرد بالشعب الفلسطيني وقيادته والتقدم
بمشروعها التوسعي سياسيا وعمليا ويبقى السؤال هل بمقدور السيدة رايس
إقناع احد بأنها ليست شريكا فاعلا في تنفيذ هذه السياسة، سياسة الإدارة
الأميركية في المنطقة عموما وفي دعم شارون خصوصا من موقعها كوزيرة خارجية
وعضو فاعل في مجموعة المحافظين الجدد.
ان تجربة السنوات الاثنتي عشر الأخيرة على الأقل، بكل ما أفرزته، سلحت
الشعب الفلسطيني وقيادته بالكثير وفي مقدمة هذا الكثير انه لم يعد من
فائدة ترجى من الرهان على مشاريع الحلول الجزئية والمؤقتة، وان الانخراط
فيها خدم في نهاية المطاف مشروع شارون الأمني والسياسي،
وبات المطلوب استراتيجية أمل سياسية وكفاحية جديدة مرجعيتها الشرعية
الدولية ومواثيقها وقراراتها التي كفلت لشعبنا الحق المشروع لمقاومة
الاحتلال وحقه بتقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وبالعودة لأرض وطنه.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
عضو اللجنة المركزية لجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
(من داخل سجن عوفر الإسرائيلي) |