حماس ومحاذير الاعتراف والالتزام
عدنان أبو عامر
المصدر : الراصد للتوثيق الإعلامي-11/3/2006
على هامش اللقاء الدوري الذي عقدته قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس
مع نخبة من المثقفين والإعلاميين وأصحاب القلم والرأي، لمس الحاضرون في
معظم المداخلات التي قدمت نفسا مشفقا على حماس، وإن شئت قلت حرصا مبالغا
فيه، وخشية على ما يخطط للحركة من استهداف قد يطيح بفوزها، من خلال
الترويض والتقويض والتدجين والاحتواء.
أهم ما دارت عليه المداخلات يتلخص في أمر واحد في المجال السياسي، عدا عن
غيره من الأمور الواجب أن تحرص عليها حماس "السلطة"، حيث احتلت الشروط
المعلنة في وجه حماس لاستيعابها في أسرة المجتمع الدولي، وهي الاعتراف
بإسرائيل، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير.
فقد طالبت معظم المداخلات حركة حماس بعدم الانجرار خلف الدعاوى الدولية
والمطالبات المعلنة بضرورة التزام الحركة بتلك الشروط، وغلب عليها صوت
حاني مشفق بالغ الحرص على حركة شابة يافعة في مقتبل عمرها المديد، لئلا
تقع فيما وقع فيه آخرون ، ولم يحصدوا في النهاية سوى السقوط: سقوط في
امتحان التاريخ حين يقدم لهم كشف الحساب المليء بالأخطاء والخطايا، وسقوط
الثقة الشعبية من خلال العقاب الشديد الذي وجد طريقه من خلال صندوق
الاقتراع.
ولعلي بهذه المناسبة ازددت يقينا بعدم التجاوب والانجرار والتساوق
بالمطالب الدولية تلك، التي تخرج تارة من عدو لئيم ماكر يجاهر بعدائه،
وآخر يدعي الصداقة وأحيانا أخوة الدم والدين والقضية، حتى لا يصبح أحد
أفضل من أحد، ويتحول الكل في ساح الوطن معترفون بالاحتلال، ملتزمون
بالاتفاقيات...
أما أهم الملاحظات التي يمكن أن نسجلها في هذا المحور، محور الاعتراف
والالتزام، فهذه بعض منها:
§
أولا:
لقد غدت تجربة المقاومة الفلسطينية ودورها في معادلة الصراع، والإنجازات
التي حققتها ظاهرة لافتة ومميزة جديرة بالتحليل والقراءة.. وخاصة لتبيان
ما هو خاص من ظروف ووقائع أحاطت بحركتها وأثرت في تشكيل مسارها، وبالتالي
فهناك دروس يمكن استخلاصها وانتقاؤها بعد استقراء تفاصيل الأدوار، ليشكل
منهجاً قابلاً للإقتداء والتطبيق في حركة صراع أي شعب مع قوة محتلة
غازية، فكيف والأمة لا تزال تخوض صراعها الشائك والمرير مع المشروع
الصهيوني وامتداداته.
§
ثانياً
إن نهج المقاومة الفلسطينية الذي رسخته حركة حماس وقدمت في سبيله
التضحيات الجسام، في التعامل مع مشروع التسوية ومساراته المختلفة وموقعها
من تطوراته سواء على المستوى الوطني المتعلق بالأراضي الفلسطينية
المحتلة، أو على المستويات العربية الأخرى المرتبطة بالقضية الفلسطينية،
يجب أن يشغل حيزاً هاماً من أداء حماس "السلطة"، وتعاملها مع الواقع
ومستجداته.
§
ثالثاً :
لقد تميزت حركة المقاومة الإسلامية حماس وخلال السنوات العشر الماضية،
باستمرارها بالفعل المقاوم كأولوية في برنامج عملها، لا يتأثر بالتطورات
الداخلية إلا بقدر حمايته ودعمه وتعزيزه، حتى في ظل تعرضها للملاحقة
والمطاردة المزدوجة (الإسرائيلية وأصحاب التسوية)...
وقد تميز أداء حركة المقاومة في تلك المرحلة بقوة حضور
ميداني، وعمليات نوعية وقدرة على تطوير وسائلها، وشن حرب استنزاف يومية
على الجيش الإسرائيلي، وموقف سياسي رافض لعملية التسوية، وخطاب تعبوي
استنهاضي لإرادة شعوب الأمة متمسك بالحق، وغير قابل للخضوع للمساومات
التي بدأت تتكشف بعد فترة من بدء التفاوض وتفكيك الترابط والتلازم بين
المسارات التفاوضية العربية
§
رابعاً:
المطلوب من حماس اليوم في ضوء الاعتراف والالتزام، يتخطى الخطاب السياسي
العقلاني الذي تقدمه الحركة، من خلال التعامل مع ما هو قائم على أرض
الواقع كحقيقة ميدانية، دون أن تستدرج إلى مربع الاعتراف وتقديم الرسائل
المتبادلة، لاسيما إذا علمنا أن النهج الذي اتبعته حماس في فهمها ورؤيتها
للمقاومة، يرتكز إلى عدة منطلقات أساسية، لا تملك الحركة التنازل عنها،
مهما ارتفعت حدة التهديدات...
المنطلق الأول:
يرتكز فهم المقاومة ونظرتها للصراع مع المشروع الصهيوني الذي أفرز
الاحتلال الإسرائيلي أولاً وأساساً على الالتزام المبدئي والعقائدي
بالإسلام وأحكامه وقيمه، وخاصة فيما يتعلق بقيم العدالة ورفض العدوان
والظلم وضرورة مواجهة الباطل.
المنطلق الثاني: ومؤدى
ذلك رفض المشروع الصهيوني وإفرازاته، واعتبار ما أنشأه على أرض فلسطين
كياناً قائماً على الظلم والباطل لأنه سلب حق الشعب الفلسطيني من أرضه
بالقوة والقهر وتسبب بتشريده خارج وطنه، وعلى عدم صحة ادعاءات الحق
التاريخي أو الوعد الإلهي بتفسيرات تلمودية أو توراتية استناداً على
الحقائق التاريخية والقيم الإلهية الواحدة.
المنطلق الثالث:
يستند هذا الرفض لمشروعية الاحتلال الإسرائيلي والدولة التي أقامها على
ما يؤديه من وظيفة لصالح السيطرة والهيمنة الغربية التي كانت أحد أسباب
دعمه غربياً من قبل الدول المسيطرة آنذاك، والذي استمر مع تبدل مواقع
الدول المهيمنة على الساحة الدولية، والهدف من دوره ووظيفته منع وتعطيل
أي حركة نهوض غايتها إعادة توحيد الأمة واستعادة دورها وموقعها في
الخريطة السياسية الدولية والمكانة الحضارية، سواء كان المدى السياسي
للتوحيد وفق المشروع العربي أو المشروع الإسلامي.
المنطلق الرابع:
في عودة سريعة إلى تاريخ نشأة حركة حماس، نجد أنها وهي ما زالت في طور
التكوين والتأسيس لم تكن مهتمة للمعادلات السياسية السائدة التي صنعها
الاحتلال أو ساهمت في توسعه، محلياً أو إقليمياً أو دولياً، بل كانت
حركتها رداً على هذه المعادلات وسعياً إلى تغييرها ورفض الخضوع لمعطياتها
ونتائجها السياسية والأمنية، فكان الشعار تحرير الأرض وعدم تمكين المحتل
من جني ثمار عدوانه، وتعطيل سعيه في توظيف الدعم والتغطية الأميركية
لإملاء واقع جديد في فلسطين والمنطقة، وبالتالي فإن وصولها إلى هذه
المكانة من الشعبية والمشروعية، يملي عليها واجبا جديدا مفاده المزيد من
التمسك بذلك.
المنطلق الخامس: في ضوء تلك
المنطلقات، يأتي الموقف من الاحتلال والدولة العبرية قاطعاً ومتأتياً عن
رفض منطق التسوية الناتجة عن الشعور بالعجز أمام الخلل في موازين القوى
لصالح المحتل، والحسابات السياسية الضيقة لبعض الجهات الداخلية التي كان
جل همها الحفاظ على مواقعها ومصالحها في النظام السياسي الفلسطيني، من
خلال جني ثمار تعاونها مع المحتل، بعيداً عما سببته اتفاقيات التسوية من
انتقاص من سيادة الوطن والإخلال بالانتماء والهوية الوطنية، وتمكين
للاحتلال من بسط نفوذه وهيمنته وضمان مصالحه، ولعل السنوات العجاف
الأخيرة، كان حصادها وبالا وخرابا على أصحابها ..
وأخيرا ...
من الضروري أن يتذكر قادة «حماس» أن الأمة تراقبهم بعناية، وأن جماهيرها
التي منحتهم المحبة والثقة لن تقبل منهم أي سلوك يصطدم مع وعيها، عليهم
أن يتذكروا أن هناك خمسة ملايين فلسطيني في الخارج منحازين لخيار
المقاومة الذي رفعته حماس، ومن ورائهم يقف مئات الملايين من العرب
والمسلمين الذين لا يجمعون على حركة إسلامية كما يجمعون على «حماس»،
وبالتالي فما هو معروض على حماس من شروط الاعتراف والالتزام، يحمل في
طياته رهانا من الكثيرين الحريصين على إفشال مشروع حماس "السلطة"، أكان
انحيازاً للدولة العبرية، أم فئوية، أم كرهاً للبرنامج الإسلامي، فإن
المحبين والمخلصين يراهنون على مسار آخر لا يبدو مستحيلاً، وإن كان صعباً
إلى حد كبير.
هناك اليوم من يراهنون على تلويث «حماس» وحرمانها من براءتها، وبالتالي
من مصداقيتها، وهم ذاتهم الذين راهنوا على ذلك منذ ثمانية عشر عاماً، ولا
ينبغي من أجل سلطة مترهلة أو حكومة مقيدة أن تمنحهم الحركة فرصة
الاستمتاع بنجاح رهانهم، نعم هناك فرصة أمام حماس لا بأس بها للخروج من
ضغوط الاعتراف والالتزام، بقدر من الأرباح، أو من دون خسائر في أقل
تقدير، ولن يحدث ذلك من دون الإمساك بالثوابت الأصلية بصرف النظر عن ردة
فعل الأطراف الأخرى.
|