بعث منظمة التحرير من الأموات
بروفيسور عبد الستار قاسم
لا يظنن أحد أن هذا دفاع عن حماس وإنما عن الوطن والمواطنين. لقد أساءت
لي حماس بطريقة أكثر فظاعة من الأذى المتكرر الذي تلحقه بي حركة فتح،
ولا يوجد لدي سبب للانحياز لهذا أو لذاك.
شعب فلسطين بحاجة لمن يمثله بالداخل وفي الخارج، وكان إنشاء منظمة
التحرير في خدمة الشعب على الرغم من الشوائب التي رافقت النشأة. قاتل
شعب فلسطين من أجل أن تبقى المنظمة وسقط من أجلها الشهداء والجرحى،
ولحقت بالناس آلام وأحزان. لكن قيادة المنظمة هي التي أرخت ومن ثم
فرطت.
كان هناك ميثاق قومي للمنظمة، وعملت القيادة على تقليصه إلى الميثاق
الوطني وذلك في خطوة نحو فلسطنة (جعلها فلسطينية) القضية. ثم قامت
القيادة بطرح مبادرة الدولة الديمقراطية العلمانية التي تتناقض مع
الميثاق الوطني الفلسطيني من حيث أنها اعترفت بحق اليهود بفلسطين. ثم
أتت مبادرة النقاط العشر التي أيضا جزأت عملية التحرير. ثم قبلت
القيادة في مخالفة واضحة للميثاق شروط أمريكا للاعتراف بإسرائيل
وبقراري مجلس الأمن 242 و 338 ونبذ الإرهاب إنما بشرط أن تعترف أمريكا
بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وجهت القيادة ضربة قوية لمنظمة
التحرير عندما التقى عرفات برئيس مصر التي كانت تخضع للمقاطعة نظرا
لتوقيع اتفاقية صلح مع إسرائيل وذلك في الإسماعيلية عام 1983. وجاءت
بعد ذلك ضربة أكثر قوة عندما أعلن عرفات في القاهرة نبذ الإرهاب عام
1985. واشتدت الضربات في مؤتمر الجزائر باعتراف المجلس الوطني
الفلسطيني بإسرائيل وقرارات مجلس الأمن وبإعلان وثيقة الاستقلال التي
تعترف بإسرائيل.
انتهك قائد منظمة التحرير ميثاق المنظمة مرارا، وكذلك فعل المجلس
الوطني الفلسطيني. كان أمرا غير مشرف بأن يقوم الحارس على الميثاق وهو
المجلس الوطني بانتهاك الميثاق دون أن يقف محام واحد يدافع ويطالب
بمحاكمة المنتهكين. أما رئيس المنظمة فلم يكن يحاسب عن اختراقاته
المتكررة للميثاق.
وجه أوسلو ضربة قاضية للمنظمة وميثاقها. تم توقيع الاتفاق قبل تعديل
الميثاق، الأمر الذي جعل من شعب فلسطين أضحوكة أمام العالم من حيث أن
الشعب لا يحترم مواثيقه والكلام الذي يكتبه. وما كان أكثر عارا هو
اجتماع المجلس عام 1996 لإلغاء الميثاق.
أما عن مجالس المنظمة فمن المعروف أن قيادة المنظمة كانت تحرص دائما
على مشاركة الفصائل الفلسطينية ولكن ضمن هامش ثانوي لا يؤثر في اتخاذ
القرار. كان يحرص عرفات على بقاء الأغلبية في اللجنة التنفيذية والمجلس
الوطني والمجلس المركزي لحركة فتح لضمان اتخاذ القرار الذي يريد. وكل
الكلام الذي ينطلق الآن عن ديمقراطية منظمة التحرير إنما عبارة عن
تزوير للحقائق ومزايدات فصائلية.
قيادة منظمة التحرير دفنت المنظمة منذ أمد بعيد. صحيح أن هناك هياكل
تنظيمية ومسميات، لكن المنظمة لا تتعدى ذلك. لقد أبقتها القيادة التي
استلمت السلطة الفلسطينية على الرف بدون فعل، وجردتها من مواثيقها
تماما. وبالرغم من ذلك لم نسمع غيرة على المنظمة من قبل الذين يدافعون
عنها الآن.
الحديث الآن عن دور منظمة التحرير وعن سيادتها على السلطة الفلسطينية
عبارة عن مجرد نكايات فصائلية لا تخدم الشعب الفلسطيني. فتح لا تكاد
تصدق أنها خارج السلطة، وهي تعمل جاهدة لعرقلة حكومة حماس، وتستعمل
المنظمة كأداة. هذا لا يجوز، بل هو عيب. وما قام به السيد محمود عباس
من إحالة ملف الحكومة إلى المنظمة عبارة عن عمل من أعمال النكاية
والمماحكة، وكان من المتوقع أن يترفع عن مثل هذه الردود التي تعبر عن
عصبية.
من المهم إعادة صياغة منظمة التحرير الفلسطينية. من الضروري النهوض
بالمنظمة، إنما على أسس جديدة تراعي تمثيل الشعب الفلسطيني في كافة
أماكن تواجده، وتراعي الحقوق الفلسطينية في مواثيقها دون أدنى تنازل.
هذا هو العمل الصحيح، أما محاولات بعث الأموات من قبورهم فلن يأتي على
الشعب الفلسطيني إلا بالمزيد من الآلام.
نأمل من أبو مازن ألا يستمع للضغوط الداخلية، ونأمل من الإخوة في حركة
فتح تقبل الفشل الانتخابي. دعونا ننظر إلى المستقبل بعيون ترتقي عن
العصبية الفئوية.