رهانات خاسرة.. وتضليل مكشوف |
مؤمن بسيسو
كيف يمكن تصديق مزاعم حركة "فتح" بأن برنامج الحكومة القادمة يشكل
انقلابا سياسيا ذو تداعيات خطيرة على الواقع الفلسطيني؟لربما اعتبرت
"فتح" أن فقدانها لأهم مواقع السلطة، وذهاب ريح نفوذها عنها، انقلابا،
رغم أن احترام قواعد اللعبة الديمقراطية يُملي عليها الإقرار بهزيمتها
وسقوط برنامجها، وأحقية برنامج "حماس" في إثبات ذاته، وأخذ فرصته كاملة
دون تعطيل لم تستوعب "فتح" بعد حجم هزيمتها وآماد تراجعها، ولم تتأقلم مع
الواقع الجديد الذي ألقى بها ثانيا، لذلك تراها تمارس استعلاءً سياسيا
صارخا، وتمتشق سياسة ضارة، أساسها التخذيل والتشويه واختلاق الأزمات!ليس
من المنطقية السياسية والتحليلية في شيء أن تُرمى "حماس" وحكومتها بمواقف
مسبقة، أو تُقذف باتهامات فارغة لا تجيزها إلا نوازع التحامل الصريح،
ودواعي المناكفة السياسية السافرة!
أولا: جاء برنامج "حماس" منطقيا ومتوازنا وملبيا لاشتراطات التوافق
الوطني، ومستوفيا لكافة القواسم المشتركة التي تهيئ الأرضية الملائمة
لمشاركة الجميع، إلا أن الكتل الأخرى لم تتزحزح عن برامجها قيد أنملة،
ولم تغادر رؤاها الفئوية المحضة إلى فضاء الرؤية الوطنية الجامعة على
الإطلاق!
ثانيا: إن موضوعة منظمة التحرير ليست أكثر من شماعة لتبرير الرفض
والاستنكاف، ومن عجب أن المنظمة التي تحولت إلى هياكل خربة، وإطار ميت
سياسيا، أضحى الاعتراف بها ممثلا شرعيا ووحيدا مربط الفرس وبيت القصيد،
فهل يُعقل أن تُسلب "حماس" شرعيتها التمثيلية الشعبية عبر الاعتراف
بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا، وهي خارجها، دون أن يُصار إلى نص توافقي
يدعو إلى إعادة بنائها وانخراط الجميع فيها كي تصبح - بحق- ممثلا شرعيا
ووحيدا للفلسطينيين؟!
ثالثا: لم يعد مُجديا إخفاء الأسباب الحقيقية لعدم المشاركة في الحكومة،
وأن التهديدات الأمريكية من جهة، والمراهنة على فشل أو إفشال الحكومة من
جهة أخرى، هما السببان الرئيسيان، وأن التحجر والمواقف المسبقة كانت
سابقة للنقاشات والحوارات، ما يعني أن الأسباب التي سيقت إعلاميا ليست
أكثر من عبارات جوفاء ووهم كبير.
رابعا: لا أدري لماذا يصر البعض على ضرورة استنساخ حكومة "حماس" للمرحلة
السابقة بكل سلبياتها السياسية، ويُنكرون عليها رفع سقف خطابها وطرحها
السياسي، وعدم التزامها صراحة بالاتفاقات الموقعة والقرارات الدولية،
بحجة الضغوط والتهديدات والاشتراطات الدولية؟!
ما تفعله "حماس" هذه الأيام يُمثل - في حقيقته- بعثا جديدا للقضية
الوطنية، وإعادة إحيائها على أسس سليمة، تنتقل بنا من درك التفلت
السياسي، والتسليم المطلق بالشروط والإملاءات، إلى واحة الالتزام
السياسي، والارتكاز على
الحقوق
والثوابت الوطنية كمحددات أصيلة لحركة قراراتنا ومواقفنا السياسية،
ومعايير أساسية لفحص وتقبّل المبادرات الخارجية.
خامسا: إن سياسة "الغموض البناء" التي تميز المحور السياسي في البرنامج
الحكومي، سياسة ذكية ومنهج لازم للالتفاف على التحديات الخارجية، ورهن
أيّ تقدم سياسي بأثمان مقابلة، ولن يلبث المجتمع الدولي طويلا حتى يتأقلم
معها ويتقبلها صاغرا.
أيّ خداع وتضليل يمارسه البعض بزعم أن "حماس" تملك الأغلبية العددية فقط
وليس الأغلبية الجماهيرية، وأن "حماس" أدارت ظهرها للإجماع الوطني، وأيّ
أوهام يحاولون بيعها لجماهيرنا الواعية وشعبنا اليقظ الأبيّ؟!
الانتخابات التشريعية كانت "الفاضحة" و"الكاشفة" بامتياز.. فهل تكون
المرحلة المقبلة على ذات المستوى -أيضا- أو تزيد؟
|