من يمثل اللاجئين في الخارج والشتات؟!!
بقلم : أ. عماد صلاح الدين*
مع نهاية ما كان يسمى بالحرب الباردة في بداية تسعينيات القرن الماضي وما
صاحبها من عملية انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي الاختلال
الكبير والعميق الذي أصاب ميزان القوى الدولي، حيث أصبحت بمقتضاه
الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة والمتفوقة في شتى
المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بحيث أصبح أمامها
الباب مفتوحاً والفرصة مهيئة جداً للسيطرة على العالم والمناطق ذات
الأهمية الاستراتيجية والثرواتية التي تطمح إليها الدول والإمبراطوريات
الاستعمارية دوماً في كل زمان ومكان.
وفي ظل هذه المعادلة الدولية الجديدة أرادت الولايات المتحدة أن تعيد رسم
خريطة العالم السياسية والمنطقة العربية على وجه الخصوص بما يتوائم
وينسجم مع سياسات واستراتيجيات الإمبراطورية الأمريكية الصاعدة في تلك
الفترة. وبالنسبة للوطن العربي على وجه الخصوص لما يتمتع به من خصائص
استراتيجية على صعيد موقعه وثرواته الهائلة والمتميزة المتنوعة، أرادت
الولايات المتحدة أن تكمل مشروع التجزيء والتفتيت لجسم الأمة العربية
الذي تم تكريسه ابتداء من خلال مشروع الاستعمار القديم المتمثل باتفاقات
"سايكس بيكو" لسنة 1916 الذي قسمت بموجبه المنطقة العربية إلى أجزاء هنا
وهناك محاصصة ما بين الاستعمار البريطاني والفرنسي من عشرينيات القرن
الماضي، وبعد استقلال تلك الأجزاء والأقطار عن الاستعمار الغربي حرصت
الدول الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة على الحيلولة دون
التوحد والاتحاد بين أقطار وأجزاء الجسم العربي الكبير، لأن الوحدة
والاتحاد الحقيقي يعني أمراً واحداً وهو ضرب المصالح الكولونيالية
الغربية في المنطقة العربية، ولذلك رأينا أن مشاريع الوحدة بين هذا القطر
وذاك كما في التجربة المصرية والسورية في نهاية خمسينيات وبداية ستينيات
القرن الماضي كانت قد تعرضت لمشاريع ومحاولات الإجهاض والإفشال من قبل
الدول الاستعمارية، وقد أجهضت فعلا حالات الوحدة والاتحاد تلك ليس فقط
بسبب مشاريع التفشيل والإجهاض الاستعمارية وإنما أيضاً بسبب نقص وربما
غياب الشروط الذاتية والموضوعية لتحقق وتحقيق مشروع الوحدة العربية.
في إطار استكمالها لمشروع التجزئة العربية والإسلامية على وجه العموم
قامت الولايات المتحدة الأمريكية منذ حرب الخليج الثانية سنة 1990 – 1991
وعبر ما أطلقت عليه في حربها على العراق بعملية "عاصفة الصحراء" بتدشين
مشروع تجزيء المجزأ على الصعيد الوطني والقطري للدول العربية عبر التدخل
في شؤونها الداخلية بإثارة الصراعات والنزاعات والخلافيات المذهبية
والطائفية والدينية والعنصرية وبالتالي ضرب سيادة واستقلال القطر الوطني
وربما إذا اقتضى الأمر استخدام العنف وبالتالي الاحتلال كما هو الحال
الآن مع العراق المحتل ، وهذا ما يمكن تسميته وبحق " سايكس بيكو رقم2"
في إطار ومراحل مشروع التجزئة الاستعماري الكولونيالي الغربي، إذ إن
الولايات المتحدة لا تكتفي في مشروعها الجديد في إعادة رسم الخارطة
السياسية للمنطقة العربية بالإجهاز والقضاء على مشاريع وهياكل وأطر
الوحدة والتضامن العربي والإسلامي، بل هي في مشروعها الجديد تريد أن تحدث
عملية تفتيت وتجزيء لكل قطر من أقطار الدول العربية والإسلامية كذلك.
ولأن فلسطين والقضية الفلسطينية تعتبر- وبحق- القضية العربية والإسلامية
المركزية وقضية العرب والمسلمين الأولى. ولأنها كذلك نقطة الارتكاز
الأساسية في تحقيق الاستراتيجية الاستعمارية الغربية بزعامة الإمبريالية
الأمريكية في إحداث عملية التجزيء والتفتيت على مستوى الأمة العربية ككل
متكامل شرعت الولايات المتحدة ومن ورائها اللوبي الصهيوني ودولة كيانه
بتجزيء القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وبالتالي تجزيء
وتقسيم الشعب الفلسطيني وممثليه عبر ما يسمى بعملية السلام "الإسرائيلية"
– العربية الفلسطينية ولكن كل على حدة في مواجهة "إسرائيل" ومن ورائها
أمريكا وكل ذلك استنادا إلى الرؤية والاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية
لطبيعة ومواصفات وشروط السلام المزعوم حينذاك.
ومنذ أن بدأت عملية السلام بعقد مؤتمر مدريد سنة 1991 بدأت أمريكا بتدشين
ما يسمى ب "وعد بلفور رقم 2" حسب تعبير الكاتب والمفكر الفلسطيني
الأستاذ" منير شفيق" وذلك في كتابه " النظام الدولي الجديد وخيار
المواجهة " حيث كانت الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية وراء عملية
السلام هذه هو إضفاء صبغة الشرعية على الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين
بإمضاء وتوقيع فلسطيني وعربي على ذلك والعمل قدماً على إلغاء قضية
اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض استناداً إلى حقهم
الطبيعي والمقدس في ذلك واستناداً كذلك إلى قرارات الشرعية الدولية التي
تقر حقهم في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم وتعويضهم المادي والمعنوي عما
لحقهم من خسائر وأذى بفعل تهجيرهم وطردهم على أيدي عصابات الإرهاب
الصهيوني، بالإضافة إلى غرض وهدف التهام وابتلاع ما تبقى من بقايا حقوق
الشعب الفلسطيني في أراضي ال67 بجعلها أراض متنازع عليها لإسرائيل حق
فيها بناء على تلك الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية وشروطهما
وإملاءاتهما بشأن المرجعية المعتمدة لعقد اتفاقات السلام في هذا السياق.
أما كيف أن الولايات المتحدة وكذلك الكيان الصهيوني أرادا تحقيق" وعد
بلفور رقم 2" بتجزيء القضية الفلسطينية وتقسيم الشعب الفلسطيني وإيجاد
الخلافيات والصراعات الداخلية فيه كاستراتيجية أمريكية وغربية صهيونية في
إحكام السيطرة على المنطقة العربية بما فيها فلسطين فلننظر فقط في مرجعية
هذا السلام المزعوم، فمرجعية عملية السلام "الإسرائيلية"- الفلسطينية
والتي بدأت وقائعها وأحداثها مع بداية انعقاد مؤتمر مدريد للسلام سنة
1991، كانت تقوم على القرارين الغامضين المجحفين بحقوق الشعب الفلسطيني
في حدودها الدنيا وهما القراران الدوليان الصادران عن مجلس الأمن الدولي
242، 338 لسنتي 1967 و1973 على التوالي، ولأهمية هذين القرارين في تحقيق
الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية الاستعمارية في المنطقة العربية بقيت
الولايات المتحدة الأمريكية مصرة أشد الإصرار على رفض التحدث مع قيادة
منظمة التحرير إلى أن تم الاعتراف بهما بشكل علني ورسمي صريح سنة 1988
وذلك فيما سمي بعد ذلك بإعلان الجزائر ووثيقة الاستقلال في تلك الفترة من
القرن الماضي.
وفي هذين القرارين اللذين هما مرجعية عملية السلام "الإسرائيلية" –
الفلسطينية نجدهما يتحدثان عن الدول ذات السيادة في المنطقة وبالتحديد عن
سيادة "إسرائيل" وحقها في الأمن والأمان ضمن حدود معترف بها، أما الحقوق
المتعلقة بالشعب الفلسطيني كشعب له الحق في الحرية والاستقلال وبالتالي
حق تقرير المصير فلا نكاد نلمس له أثر، بل هي غير موجودة أصلاً، وفيما
يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين فإن القرار حولها غامض ومبهم وهو بهذه
الوضعية كمرجعية وضمن الشروط الأمريكية والإسرائيلية لعملية السلام تلك
جعل بل هيأ الفرصة كل الفرصة للتملص وبالتالي للالتفاف على حق العودة
والتمهيد لشطبه من سجل القضية الفلسطينية، الذي هو يعتبر –وبحق- جوهر
القضية الفلسطينية والصراع العربي الفلسطيني- "الإسرائيلي" على وجه
التحديد والتخصيص ، وأنه دونما حل لقضية اللاجئين في سياق الحق الطبيعي
لهم وما أقرته الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 194 لسنة 1948 ، فإنه
لا معنى –إطلاقاً- للسلام والاستقرار المنشودين في المنطقة بل والعالم
أجمع إن صح التحليل والتفسير العلميين.
لقد رفضت "إسرائيل" مع انطلاقة عملية السلام في مؤتمر مدريد أن يتم
التمثيل الفلسطيني بشكل مستقل وأصرت على أن يلحق الوفد الفلسطيني بالوفد
الأردني، هذا بالإضافة إلى أن "إسرائيل" رفضت أن يكون هنالك وبشكل رئيسي
قيادات ممثلة عن اللاجئين الفلسطينيين في المؤتمر الإقليمي الذي عقد في
روسيا وفيما بعد في مدينة "أتاوا" بكندا ، إلا أن وافقت أن يكون الأمر في
سياق لجان فرعية وثانوية متعددة الجوانب للتباحث حول قضية اللاجئين
باعتبارها قضية إنسانية ثانوية يتم التعامل معها على هامش المفاوضات وليس
باعتبارها قضية سياسية وقانونية تمس وتمثل عصب القضية الفلسطينية
وقضية الصراع برمته.
إن الوقائع والأحداث والمشاريع والبرامج التي ترافقت مع الاتفاقيات
الإسرائيلية الفلسطينية خلال تسعينيات القرن الماضي ، تشير بشكل لا لبس
فيه حول انجرار القيادة الفلسطينية السابقة بشكل عملي وممارساتي وراء
المطالب الأمريكية والغربية والصهيونية حول شطب حق العودة للاجئين والعمل
بدلاً من ذلك على عملية إعادة تأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً تمهيداً
لتوطينهم وتجنيسهم في الأماكن التي يتواجدون فيها وكذلك تمهيداً وشروعاً
بإنهاء وانتهاء وكالة غوث اللاجئين باعتبارها الشاهد القانوني والسياسي
والإنساني على مأساة اللاجئين الفلسطينيين عبر أكثر من نصف قرن بما حل
بهم من عملية طرد وتهجير لم يشهد العصر الحديث على مأساة بحجمها ونوعها
وأبعادها الإنسانية المادية والمعنوية.
إن قبول القيادة الفلسطينية السابقة بمرجعية تفاوضية ضمن الشروط الغربية
الأمريكية والصهيونية بشطب أكثر من نصف الشعب الفلسطيني عن وجه الخريطة
السياسية والقانونية والأخلاقية الإنسانية وما رافق ذلك من إجراءات
ومشاريع على أرض الواقع باتجاه تكريس هذا الشطب والإلغاء وكل ذلك الجرم
الفظيع كان يدمغ ويشرّع وبالتالي يٌتبنى ويُسمى باسم منظمة التحرير
الفلسطينية وعبر قيادات لا زالت تحسب على أنها أعضاء في اللجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير الفلسطينية ليستدعي ما يلي:-
1- لا بد من إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بجميع هياكلها وأطرها
ومؤسساتها على أسس ديمقراطية وعلى قاعدة أساسية ثابتة لا تراجع عنها مهما
كانت الظروف المحلية والإقليمية والدولية تميل ميلاناً عظيماً لصالح
العدو الأمريكي والصهيوني، فالثوابت الفلسطينية والحقوق الشرعية للشعب
الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة والتعويض لا تقبل المساومة أو التنازل أو
التراجع باسم معطيات الوضع الراهن أو اختلال ميزان القوى أو الظروف
العربية والإقليمية أو الدولية فما هو غير ممكن الآن قد يكون ومن الممكن
أن يكون في المستقبل، فهذه سنة التاريخ التي لا تقبل على-الإطلاق- بتضييق
الأفق وبالتالي الطموحات والآمال حول إحقاق الحق واسترجاعه.
2- إن إصلاح منظمة التحرير وإعطائها دورها الطبيعي بكونها الممثل الشرعي
والوحيد للشعب الفلسطيني معناه أن من حق الشعب الفلسطيني أن يختار ممثليه
في المنظمة بالطرق الديمقراطية وعبر صناديق الاقتراع سواء هنا في الداخل
أو في الخارج والشتات الفلسطيني على وجه العموم، وبالنسبة للاجئين في
الخارج أو الشتات فإن عملية اقتراعهم واختيارهم لممثليهم في منظمة
التحرير وبالتحديد في المجلس الوطني باعتباره المجلس الجامع والممثل
لجميع الفلسطينيين يكون إما بالتنسيق مع الدول العربية التي يتواجدون
فيها أو من خلال السفارات الفلسطينية في دول الشتات الأخرى التي يتواجد
فيها اللاجئون الفلسطينيون، وإذا لم تتوفر الإمكانية للانتخاب في بعض
الدول فإنه من الممكن أن تكون هنالك صيغة توافقية بين الأحزاب والفصائل
الفلسطينية على ذلك.
3- لا بد من تكريس وبعد إجراء عملية الإصلاح الديمقراطي لمؤسسات وهياكل
المنظمة بما يتفق وحقوق وثوابت الشعب الفلسطيني وإرادته ورغبته الحقيقية
المبدأ الديمقراطي نظرية وممارسة، وذلك بالرجوع إلى ممثلي الشعب
الحقيقيين فيما يتعلق بالقضايا الأساسية والجوهرية للشعب الفلسطيني، فليس
من الديمقراطية والأخلاقية الوطنية أن يكون المجلس الوطني المنتخب بمثابة
دمغة الديمقراطية وختم الشرعية لأخطاء القيادة الفلسطينية كما كان يحدث
في السابق .
باعتقادي أن إعادة الدور الحقيقي والطبيعي لمنظمة التحرير بكونها الممثل
الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على أسس من الديمقراطية والتمسك بالثوابت
الوطنية وعلى رأسها حق العودة للاجئين والنازحين الفلسطينيين هو جزء بل
مكون أساسي ورئيسي في مواجهة المشروع الأمريكي والصهيوني لتجزيء وتقسيم
الشعب الفلسطيني والقضاء على قضيته العادلة وهو أيضاً – أي إعادة الدور
الحقيقي والطبيعي للمنظمة – بمثابة الشعاع والضياء والنبراس الذي سينير
سماء الأمة العربية والإسلامية بالاتجاه نحو الوحدة والتضامن والائتلاف
لمواجهة حالة التجزيء والتفتيت بل- وبحق – حالة تجزيء المجزأ على الصعيد
الوطني والقطري كما في العراق ولبنان والسودان الذي أرادته أمريكا
و"إسرائيل" وتسعيان إلى تحقيقه على أرض الواقع منذ بداية العقد الأخير من
القرن الماضي والذي هو - وبحق- مشروع " سايكس بيكو رقم 2" لتجزئة المجزأ
على الصعيد القطري والوطني في الوطن العربي والإسلامي على وجه العموم.
* كاتب وباحث في الشؤون القانونية والسياسية /مؤسسة التضامن الدولي لحقوق
الإنسان
|