رسائل الفوضى

 بقلم : عدلي صادق

أصبحت الفوضى المستشرية في الساحة الفلسطينية، حديث الصحافة في العالم العربي، من المحيط الى الخليج، وبات العنف الفلسطيني الداخلي، مادة لكتّاب الأعمدة، الذين وجدوها مناسبة، للاستراحة من الكتابة المضنية، والاكتفاء بتسجيل نصائح وتنبيهات، للفلسطينيين، لعلها من أبسط ما يزخر به "تراثنا" الخلافي من كلام، ومن أكثره عمومية وبداهة. فها هو ـ كمثال ـ عدد أمس (السبت) من جريدة "الأهرام" المصرية، يضم ثلاثة مقالات، عن موضوع الفوضى وأحداث العنف، كتب أحدها رئيس القسم العربي زكريا نيل، فأدلى بدلوه في "سلوكيات غير عقلانية" وفي مسألة "التطاحن" بين المتنفذين. أما طارق حسن، فقد كتب تحت عنوان "الهذيان" قائلاً إن الإسرائيليين يواصلون عدوانهم، وبعض الفلسطينيين، يوغلون في جنونهم. ورسم طارق، صورة المشهد الفلسطيني، بأشتات من الحوادث، ثم تساءل عن القانون، وعن المحاسبة، وأبدى سخريته من طريقة معالجة الإشكاليات الناشبة بين أجهزة الأمن الفلسطينية، التي سماها بأسمائها، وختم يقول: "والمشكلة الكبرى، أننا نسعى لإيجاد حل للفلسطينيين، بينما بعضهم لا يريد حلاً لنفسه، ولا لأهله، بل ويعطل امكانات أي حل، بالفوضى الحالية، فهل بعد ذلك من هذيان؟!".

*   *   *

الفوضى المستشرية، تضعنا في موقف الطفل القاصر، الذي هو في حاجة الى أبسط النصائح. وليس بمقدورنا أن نقول لأي ناصح أو منتقد، أننا كشعب، وكحركة وطنية، أصحاب تجربة عظيمة، وأننا على دراية بما هو أعقد وأعمق مما تقول. ولا نملك الرد على أي منتقد، يجعلنا في مصاف المعتوهين، الذين يهجم عليهم عدوهم، بينما هم يهجمون على بعضهم البعض. كما أن صعوبة اللحظة التاريخية، لا تسمح بالتنظير وبالتذكير، لكي نقول بأن المشكلة تكمن في طبيعة النظام السياسي الفلسطيني وبُنيته، وفي غياب الأسس الديموقراطية والأخلاقية التي تحكم علاقاته الداخلية، وأن الفوضى وشخصنة المؤسسات والمهمات، كانت مطلوبة بحد ذاتها، من هذه الدائرة المتنفذة أو تلك، على امتداد تاريخ طويل، من عمر "المنظمة" ثم "السلطة" حتى بعد أن أصبحت الكيانية الفلسطينية، جزءاً من شبكة العلاقات الدولية، بعد العام 1974.

*   *   *

غير أن كل الذين يتعمدون إحداث الفوضى، أو يفتحون الباب للفتن، إنما يتوهمون بأن لهذا المنحى من "الفعاليات" أهدافه السياسية، وبالتالي فإن هناك من يتخيل، أن الفوضى من شأنها تعميم الرسالة التي تقول، بأن الإنتفاضة كانت خطأ جسيماً، ليس أفدح منه إلا الكفاح المسلح. وهناك من يتخيل أن الفوضى، من شأنها أن تعيد صياغة النظام السياسي، أو تُعيد ترتيب الأدوار، بما يلائم الواهمين. وربما تكون هناك رسائل سياسية أخرى، من وراء هذه الفوضى المتعمدة، التي يظن الضالعون فيها أن الرياح يمكن أن تسير بما تشتهي سفنهم!

إن هذا كلام فارغ، بل إن هذه، هي فوضى ذات رسائل قاصرة، لأن الوطن عندما يغرق، لن يكون في وسع أحد، أن يلعب دور المُنقذ أو الرُبان. فالحالات على الأرض تنشطر أصغر فأصغر، وتداخلت النزعات وتقاطعت وتكاثرت كالفطر، وإن لم نتعجل عملية التصدي الشامل، بأدوات سياسية وتنظيمية، للتداعي الحاصل بسرعة الانحدار الى الجُرف، فإن الجميع سيكون خاسراً، وستكون المحصلة السياسية أن الأحياء منا، لن يكونوا جديرين بالانتساب الى إرث الشهداء، ولا الحالات المستقوية أو ذات وهم القوة، ستكون جديرة بالانتساب الى مشروع وطني، ولا التعبيرات الاجتماعية، المنخرطة في الفوضى، ستكون جديرة بالانتساب الى المجتمع الفلسطيني، لأن هذا المجتمع، صاحب المخزون الكبير، من ثقافة الوحدة، على مستوييْ الحركة النضالية، والوجدان الجمعي!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع