سؤال التطبيع:
بين رام الله وكراتشي !
خالد
بركات
بين رام الله الفلسطينية
وكراتشي الباكستانية علاقة تتجاوز "سؤال التطبيع" مع العدو الصهيوني.
خاصة إثر الاعلان عن علاقات رسمية بين الباكستان ودولة " إسرائيل". إن
لسان حال المواطن في كلا المدينتان، يقول : " تتراجع الحريات هنا، يتراجع
الدخل، تزداد البطالة، الفقر يزحف والجوع كذلك، وتستمر الحرب الامريكية
الصهيونية علينا، بالصواريخ والبطاطا والجدران، وبالارهاب ايضا ! ماذا
يهم إن كان بحوزتنا ، قضية عادلة و 1000 صاروخ " اسلامي " نووي، في وقت لا
يملك فيه رئيسنا رُبع ما يملكه مَسّاح أحذية من شجاعة وصبر، يأكل خبزه
بشرف، ويستطيع ان يهتف، دائما: لا للتطبيع ؟ !
****
ماذا يعني لو أن وزير خارجية الباكستان، السيد خورشيد محمود قصوري، إتصل
برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليخبره عن نية بلاده إقامة علاقات
دبلوماسية مع الكيان الصهيوني أو لم يفعل؟ فالامر سيان. ولسنا بصدد معرفة
الجهة التي تكذب، السلطة الفلسطينية التي انتقدت الخطوة الباكستانية على
استحياء كما فعل نبيل شعث، ام تصريحات الوزير الباكستاني! وماذا يعني لو
عرفنا، أو لو عرفت السلطة الفلسطينية، مسبقا عن لقاء ثنائي يتم التحضير له
بين وزير الخارجية الباكستاني ونظيره الصهيوني شالوم في إسطامبول - تركيا؟
ما الذي كان بمقدور السلطة الفلسطينية فعله؟ خاصة حين يقول لها الجانب
الباكستاني، على الخط الاخر من الهاتف : طيب، وأنت يا أخي؟ ألا ترى عوراتك
الكثيرة ؟ من الافضل أن تسكت، كلنا في الهوى سوى!
ألحجة الباكستانية كانت جاهزة بالطبع: " الانسحاب" الاسرائيلي من قطاع
غزة ! ولا أحد يعرف، كم مرة سوف يتعين على هذه الغزة أن تنتهك، وبأسم
التطبيع مع العدو هذه المرة !
لكن " السلام" و" دفع عجلة التسوية السلمية" والترويج لمشاريع التطبيع
الثقافي والاقتصادي وحتى الجنسي، وغيرها من السموم، ليست شعارات باكستانية
تماما، إنها حُجَج كل مطبع ومطبعة، من فلسطين المحتلة الى مصر المحتلة الى
الباكستان المتداعية، الى حيث ما شئت. الكل يتحجج بمعاناة الشعب
الفلسطيني، ولا يسألوه عن رأيه في التطبيع ؟! يكثرون في الحديث عن السلام
والتسوية في وقت يشتد فيه الحصار على "هذا" الشعب الفلسطيني، وتستمر فيه
سياسة صهيونية - نهبوية - تبلع الارض الفلسطينية وتحولها الى معازل وجزر،
وتتواصل حمى الاستيطان في الضفة الفلسطينية ويستمر بناء جدار الفصل
العنصري. لقد وصلت الوقاحة الاسرائيلية الى درجة نهب الرمال والتراب في
قطاع غزة!
لكن الباكستان الشقيقة تفترض في موقف القيادة الفلسطينية مرجعا ومثلا لها،
تماما كما تفعل مع قيادة العراق الجديد! اذ لولا الضغط الشعبي لما توانت
حكومة برويز مشرف لحظة واحد من إرسال جيشها الى العراق للمشاركة في المجزرة
اليومية. تماما كما فعل الرئيس الباكساني المقتول الجنرال ضياء الحق أبان
مجازر ايلول في الاردن. نحن لن ننسى!
ألسنا شركاء، ومسلمون، ومصيرنا واحد؟! سؤال مفتوح من عسكر الجنرال مشرف الى
طبقة الفساد في فلسطين
المحتلة
. في الوقت ذاته، يمكنك
اعتباره سؤالا مفتوحا من فقير باكستاني في اسلام أباد الى فقير فلسطيني
في أم الفحم. نعم ، إنه مصير واحد، بالتاكيد. و يكشف التطبيع عن خواء
الطبقة التي تسيّر النظام الباكستاني من جهة وسلطة اوسلو من جهة اخرى، قبل
ان تكشف عن غطرسة وجبروت المستعمر الابيض. وهذا الاخير، هو القوة المحركة
وراء تسخين جبهة التطبيع، ورفعها الى وتيرة حامية في هذه الايام. فلم
تعد الامبريالية الامريكية تحتمل" مياصة الانظمة العربية" وهي تدفع
راسمالها وجنودها في طاحونة حربها الدموية في العراق، ولم تعد تحتمل رسائل
ومواقف تهادن مشروعها في السر وتتجه الى خطاب رسمي قديم. فألامريكيون
يقولون للانظمة: ما نسمعه منكم في السر، عليكم ان تقولوه في العلن. نقطة .
يمكنك جدا ان تتخيل ذلك، يقولون لهم: "ماذا يضيركم لو أقمتم علاقات طبيعية
مع اسرائيل؟ الستم مع السلام؟ طيب، الفلسطينيون سبقوكم، والمصريون كذلك،
والاردن، ودول الخليج تنتظر على نار ولن تقاطعكم، والهند تستفيد من علاقتها
بأسرائيل؟ ألستم شركاء في الحرب على الارهاب؟ هل فهمتم الدرس؟"
السلطة الفلسطينية، وغيرها من تيارات السلام والحمائم في الشارع
الفلسطيني، كانت دائما سباقة ومبدعة في سياسة الهرولة الى الحضن
الاسرائيلي والتطبيع مع تيارات "السلام" وما يسمى باليسار الصهيوني. حدث
ذلك قبل خطوة الباكستان بعقود وحين كانت القياد الفلسطينية تفاخر بما
تقوم به من عمليات تطبيع مع العدو الصهيوني وتعتبر ذلك بمثابة "اختراق
فلسطيني لجبهة العدو". في الحقيقة، العكس هو الصحيح بامتياز. والاختراق
الصهيوني للمنظمة وللسلطة حولها الى هيكل من الكرتون الفاسد.
نتائج التجربة والتطبيق العملي لمشروع م. ت. ف. التي هيمنت عليه حركة فتح،
تقول ذلك. نتائج أوسلو الخياني يقول ذلك ايضا وفي عقدي السبعينات والستينات
من القرن الماضي، كان يقال، فلسطينيا ـ بإن الهدف من تلك القاءات هو إحراج
معسكر الليكود والصقور"! يا للسخافة! ثم صار لإحراج اسرائيل امام المجتمع
الدولي، وعلى نفس الوتير سارت اوسلو وجنيف وكل اتفاق" اسرائيلي- فلسطيني -
و كأن الحرج والخجل وهذه الخراريف الفلسطينية كلها تدخل أصلا في حسابات
الكيان الصهيوني واستراتيجة وجوده ومستقبله. وصل الامر ان يقول أحدهم بأنه
بعد ثلاث او اربع لقاءات سرية سوف "يُطبقْ " الاخ ابو مازن شمعون بيرز
ويصير هذا الاخير يحبه اكثر مما يحب شامير! هيك ، بالفهلوة والشطارة ،
وبالبزنس إن لزم الامر!
صحيح أن القيادة الفلسطينية (ومعها مثقف فلسطيني هجين وشرطي أمن) كانت
تَحّن أكثر الى حضن حزب العمل، او ما يسمى بقوى اليسار الاسرائيلي. لكن
الجانب الفلسطيني الرسمي لم يعد يأبه أي فراش اسرائيلي سوف ينام الليلة.
هذا النهج الاوسلوي المستمر، هو الذي أمسك بمفاتيح وأقفال التطبيع منذ
"الرصاصة الاولى". وهذا الفلسطيني الردئ هو الذي وفر الحجة لكل زعيم وكل
نظام وكل مؤسسة عربية وغير عربية لاقامة علاقات مع الكيان الصهيوني بما في
ذلك الباكستان. وهذا هو بالضبط ما يجعل من مرارة الانسان الفلسطيني مضاعفة،
حين يرى ويسمع وزير الخارجية الباكستاني وهو يستر عورته بذريعة "معرفة
السلطة الفلسطينية مسبقا باللقاء مع الاسرائيليين".
مرة اخرى، على قاعدة: لن نكون ملكيون أكثر من الملك... الفلسطيني!
لا شك لدينا بان الاكثرية الشعبية الساحقة في الشارع الباكستاني
ترفض سياسة التطبيع مع "إسرائيل" وهناك دعوة شعبية صدرت عن قوى المعارضة
الباكستانية والاحزاب الاسلامية والحركة الطلابية والنقابية في البلاد
لاعلان يوم 9 سيبتمبر الجاري إضرابا شاملا في كل ربوع الباكستان هدفه
وشعاره: إسقاط نظام برويز مشرف. ويأتي هذا الاضراب كرد فعل على خطوة النظام
العسكري الدكتاتوري للتطبيع مع الكيان الصهيوني. واذا سلمنا بوجود أكثر من
50 % من الاوروبيين يعتبرون "اسرائيل" خطرا على السلام العالمي يمكنك
بسهولة ان تقرأ موقف الشعب الباكستاني (93 % فقراء ) من وجود "اسرائيل"
ومن سلطة الرئيس مشرف التي جلبت لهم العار والهوان وقزمت دور الدولة
الاسلامية ( النووية للاسف !!) وهزت موقعها في العالم العربي والاسلامي،
يحدث ذلك أمام تقارب وتعاون هندي – إسرائيلي مكشوف. وبعد مشاركة
الباكستان في الحرب
الامريكية المفتوحة على العرب والمسلمين وفقراء العالم.
لا يحتاج المواطن والمواطنة في الباكستان لمعرفة المزيد عن
السياسة الاسرائيلية. يدرك الشارع جيدا حالة التقارب بين الهند والكيان
الصهيوني وصفقات الاسلحة والتعاون الامني. بل ويعرف عن نصيحة شارون الى
الجانب الهندي ببناء جدار فصل عنصري في كشمير، اثناء لقاء شارون – سينج في
العام 2003، وهو حل واقعي وعملي من وجهة نظر شارون للصراع في كشمير وربما
للصراع في اي مكان. وعلى نفس الوتيرة ظلت الصحافة الباكستانية، على تعدد
مشاربها، تتناغم مع الشعور الشعبي العارم والرافض للحرب والاحتلال، ولم
تقصر خلال 57 سنة من عمرها في ترويج فكرة ملتبسة باعتبار "ولادة مشروع
الباكستان، الدولة المسلمة، هو نقيض لمشروع اسرائيل اليهودية " وساق كل
نظام – او تحالف - وصل السلطة في البلاد تلك الحجة كجزء من تبرير
وضرورة وجود الدولة الباكستانية (المسلمة) في العام 947 ، وبعد ذلك.
خطوة الباكستان التطبيعية مع العدو الصهيوني تعني إستسلاما مجانيا وشاملا
للمتطلبات الامريكية في المنطقة، وإلى الحفاظ على نظام مشرف ومؤسسته
العسكرية. كما انها تأتي فقط لخدمة المستعمِر الابيض ومشروعه في المنطقة،
وهي استجابة لامر أمريكي خالص، اذ كشفت عن هشاشة دولة اسرائيل بدون
ارتكازها الى عضلات السيد الامريكي، اي التطبيع "بالمليح" وبالقوة، وهي
خطوة لن تجني منها الباكستان ولا حتى النظام فيها اي نفع او فائدة. العكس
هو الذي يحدث الان: تصعيد خطير بين نظام مشرف من جهة والشارع الباكستاني من
جهة اخرى قد يصل الى مستويات أعلى وغير متوقعة في المدى المنظور. لكن
الاكيد هو مركزية وحضور فلسطين في وعي الشعب الباكستاني الشقيق .
|