حول اتفاق معبر رفح

 

عدلي صادق

صحيفة القدس العربي اللندنية 21/11/2005

 

علي الرغم من ضرورة إظهار الفجوات والنواقص، في أية وثيقة تتعلق بالحقوق الفلسطينية الأساسية؛ إلا أن /اتفاق فتح معبر رفح، الذي تمخضت عنه ليلة طويلة من المباحثات، التي شارك فيها الطرف الأمريكي، على /مستوى وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، كان معقولاً في هذا الخضم الإقليمي والدولي الصعب، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن السيطرة الفلسطينية الكاملة عليه، هي دون شكل السيطرة المعتادة، لأي بلد مستقل، على منافذه البرية!

 

الجزء الممتلئ، من كأس الاتفاق، يتشكل من مجموعة عوامل، لها أهميتها السياسية والوطنية، في مقدمتها أن السيطرة الفلسطينية على المعبر، دخولاً وخروجاً، تجعل المواطنين الفلسطينيين، ومن بينهم المناضلون من شتى ألوان الطيف، في منأى عن خطر التدخل الاحتلالي، وفي منأى عن الإعاقة، ولا ينتقص من هذا الأمان، وجود الطرف الأوروبي، الذي بات حضوره بحد ذاته، مزعجاً للإسرائيليين، وغير ذي قيمة من وجهة نظرهم. فقد بدأ المحتلون، في اليوم التالي للاتفاق، بمحاولة نسف الاتفاق، ولو من خلال إغراء الطرف الفلسطيني، بـ تسهيلات عبر اتفاق ثنائي بديل. وكان من بين العوامل الوطنية والسياسية، ربط مسألة معبر رفح، بمسألة ارتباط غزة بالضفة، وبمسألة الإغلاقات الداخلية في الضفة نفسها، الأمر الذي يرفع قضية المعبر، من مستوى الموضوع الإجرائي، إلى المستوى السياسي، المتعلق بالمشروع الوطني الفلسطيني العام. وكانت المشاركة الأوروبية، من خلال التواجد على الأرض، وللمرة الأولى، بعد أن كانت مرفوضة بشدة إسرائيلياً؛ شكلاً من أشكال الاستعانة عملياً بالمجتمع الدولي. ولعل هذا هو ما كنا نسعى إليه، منذ عشر سنوات، في ظل التعنت الإسرائيلي، وفي ظروف الاستفراد بالطرف الفلسطيني!

 

أعتقد أن الوزيرة رايس، لم تكن تتوقع أن يختلط ملف معبر رفح، بمعايير أساسية للسياسة الأمريكية في المنطقة. وقد بذل الفريق الفلسطيني، جهوداً كبيرة، لجعل السيدة رايس، تقتنع بأن فشل الأمريكيين في الضغط، لإحراز اتفاق يلبي الحد المعقول من المطالب الفلسطينية ذات المضمون الإنساني، من شأنه الانعكاس سلباً علي خطط إدارة الرئيس بوش في المنطقة، على قاعدة أن عجز الأمريكيين، عن التوصل إلى اتفاق، حول قضية جزئية، كمعبر رفح، حتى وإن كان لها مغزاها السياسي، فماذا سيكون شأنهم، وماذا ستكون قدراتهم، على مستوى قضايا أعقد وأشمل وأهم، في هذه المنطقة الزاخرة بالمشكلات. وكان وزير المالية د. سلام فياض، قد أجاد في عملية الإقناع. وفي هذا السياق، كان أداء الفريق الفلسطيني ناجحاً في الدفاع عن حق وزارة الداخلية الفلسطينية، في التعامل مع ظاهرة الفلتان الأمني، التي شدد الطرف الإسرائيلي على عجز السلطة في التعاطي معها، وأراد أن يتخذ منها ثغرة قانونية لممارسة الاعتداءات ومطاردة شبابنا. وحُسمت هذه المسألة على قاعدة أن الطرف الإسرائيلي غير ذي صلة قانونياً، وذلك باتفاق يراقبه الأوروبيون والأمريكيون. إن كل هذه النقاط التي يتشكل منها الجزء الممتلئ من الاتفاق، تم وضعها في النص كوثيقة غير مسبوقة، منذ سنوات تخللتها ممانعة شارونية في الاتفاق على أي شيء!

 

الطرف الإسرائيلي، بدأ منذ اليوم التالي لمغادرة الوزيرة رايس، في الانقلاب على بنود الاتفاق، ولم تكن عملية اغتيال شبابنا من كتائب شهداء الأقصى، إلا شكلاً من الممارسة الانقلابية واستمراراً لسياسة العدوان الإجرامي. لكن الليلة الأخيرة، قبل الاتفاق، كانت جزءاً من صراع جدي، كان الطرف الفلسطيني فيه، أشد تعلقاً بالحرية، وجاء الاتفاق لكي يضمن السيطرة على المعبر، ولكي يُكَّرس باتفاق، حق الفلسطينيين في التواصل الجغرافي، وحق شعبنا في الضفة، في أن يتحرر من الإغلاقات الداخلية. أما ممنوعات ومحاذير الدخول، لمن لا يحملون بطاقة الهوية، فإنها لم تُغلق بغير استثناءات تحت عناوين الحالات الإنسانية والمرضى، وزيارات الوفود، وزيارات الديبلوماسيين، الأمر الذي يجعلنا بصدد خطوة على طريق نيل حقنا، في التحكم الكامل، في عملية العبور والخروج، لأي فلسطيني، بصرف النظر عن الأوراق التي يحملها!

 

ومثلما قلنا، يظل من الضرورة بمكان، إظهار عدم تقبلنا لأي انتقاص من حقوقنا. لكن المهم والأكثر حكمة، هو أن نتلمس حجم الذي أحرزناه من خلال هذا الاتفاق، وأن لا نميل إلى التشكيك. فالسياق ما زال مفتوحاً، والصراع ما زال دائراً، والحقوق الأساسية الفلسطينية معلومة، وغير قابلة للتصرف!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع