عظْمة رفح

 

مازن حماد

صحيفة الوطن القطرية 16/11/2005

 

بغض النظر عن تفاصيل اتفاق معبر رفح الذي يربط غزة بالعالم الخارجي، ومعبري إيريز وكارني اللذين يربطان القطاع بالدولة العبرية، فقد كانت المساومات الطويلة التي دارت بهذا الخصوص شاهداً حياً ليس فقط على استحالة التوصل إلى حل يرضي الفلسطينيين ولكن على استحالة التوصل إلى حل لا يفرض عليهم بالإكراه.

ولأن هذه هي طبيعة العلاقة بين القوي والضعيف فلا داعي للاستغراب من سقوط الثمرات واحدة تلو الأخرى بيد "إسرائيل"، رغم أنه كان يفترض أن يؤدي انسحابها من غزة إلى منح الفلسطينيين صلاحية التحكم بالحركة على المعابر.

غير أن العلاقة غير المتكافئة بين الذئب الإسرائيلي والحمل الفلسطيني ليست وحدها التي تحدد نوعية الاتفاقات التي توقع بين الجانبين فهناك الانحياز الأميركي وما يمر عبره من انحياز أوروبي ودولي إلى "إسرائيل". وتوافق الأطراف الثلاثة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وكذلك روسيا الطرف المكمل للجنة الرباعية، على توجيه ضغوطهم نحو الفلسطينيين وإعفاء الدولة العبرية من أي ضغط.

 

وهناك أيضاً موقع غزة الجغرافي، فهي رقعة ساحلية صغيرة محشورة بين "إسرائيل" والبحر، ومراقبة من البحر والجو، لذلك عندما استعار مبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط جيمس وولفنسون صفة «السجن الكبير» التي يطلقها الفلسطينيون على قطاع غزة. فإنه لم يفعل ذلك من فراغ وإنما عبر معايشته اليومية لظروف غزة الاقتصادية ومشاهداته الحية لمعاناة أهلها المحاصرين.

وإذا كان هناك من الإسرائيليين من رأى في استياء وولفنسون من قمع الفلسطينيين خروجاً عن الموضوعية والحياد. فلعل نزاهة هذا الخبير المالي العالمي الذي سبق وأن ترأس البنك الدولي، هي التي دفعته إلى توجيه إصبع الاتهام إلى "إسرائيل" بعدم الالتزام بما تعهدت به أمامه.. وأمام العالم بخصوص اتخاذ إجراءات لتسهيل حياة الفلسطينيين.

 

أما عندما ألحت كوندوليزا رايس أمس على توقيع اتفاق المعابر قبل مغادرتها المنطقة. فلم تفعل إلا أقل ما هو مطلوب من دولتها أن تفعله، ليس لجهة الاكتفاء بإلهاء الفلسطينيين بـ «عَظْمة رفح». أو التظاهر بالحرص على رفاه أهل غزة وإخراجهم من السجن الكبير، ولكن لجهة عدم إلحاحها على انسحاب "إسرائيل" من الضفة الغربية وتبنيها سياسة شارون في تعطيل عملية السلام من خلال إصرارها على تفكيك المقاومة.. أولاً.

وعلى الرغم من أهمية فتح معبر رفح فإن تعقيدات الحل الخاص بالمعابر تؤكد حرص "إسرائيل" على إبقاء الفلسطينيين بعيدين عن أي مظهر استقلالي. فإذا لم تكن هي المسؤولة المباشرة عنهم، فليكن الأوروبيون أو الأميركيون أو المصريون أو الأردنيون. فالحركة على معبر رفح يشرف عليها مكتب ارتباط يتألف من فلسطينيين وأوروبيين وإسرائيليين أيضاً مع أن رفح معبر حدودي بين مصر وغزة. وليس بين غزة و"إسرائيل"، وتناط المسؤولية العليا فيه إلى الممثل الأوروبي. أما مرور من تعتبرهم "إسرائيل" «مشبوهين». فقد اقترح وولفنسون أن يمنع عبورهم أو يتم اعتقالهم بقرار من اللجنة بينما تصر "إسرائيل" على أن يكون القرار بيدها.

أما إغلاق المعابر التي تربط بين غزة و"إسرائيل" الذي تلجأ إليه الدولة العبرية كلما أرادت معاقبة الفلسطينيين، فستتولى اتخاذ القرار بشأنه السفارة الأميركية في تل أبيب!

فهل يمكننا بعد كل تلك الإجراءات المعقدة أن ندعي أن قطاع غزة ليس محتلاً. خصوصا وأن "إسرائيل" ستتمكن من خلال الكاميرات المثبتة في المعابر من رؤية كل صغيرة وكبيرة على مدى «24» ساعة؟

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع