محمود عباس رئيساً، ولا نريده زعيماً
د.
فايز صلاح أبو شمالة
بين عشية وضحاها أصبح أبو مازن من وجهة نظر بعض الإعلاميين
المنافقين زعيماً، وصار يردد بعضهم هذه اللفظة المنافقة، المنافية
للديمقراطية، والقافزة عن ظهر الانتخابات التي تمت قبل شهر تقريباً، فكيف
عبر الرئيس محمود عباس هذه المسافة الفاصلة بين الاقتراع والاختراع؟
إن نفس الرجل الأبية تأبى ذلك، لأن الزعامة لا تنسجم مع
الديمقراطية، التي لا تعطي للشخص، مها كان، صفة المطلق، ولا تنتج
الديمقراطية زعيماً له الحق في اتخاذ القرار الذي لا معارضة له، ولا تسمح
الديمقراطية للزعيم بحق التفرد في التفكير الذي يطمس إبداع ورأي الأغلبية،
ولأن الديمقراطية الانتخابية تكليف محكوم بزمن، فهي لا تصادر العدالة
والمساواة وتكافؤ الفرص بين بني البشر التي تحكمها الكفاءة في الديمقراطية،
وتحكمها المزاجية في حالة الزعيم، ولا تفرغ الديمقراطية يدها في جيب أحد
ليغدو زعيماً روحانياً ملهماً، يرفع ويخفض، يمنح ويمنع، يقدر الشر ويبسط
الخير، وينزل المطر، ويبعث الريح، ويوظف من في الأرحام وفق هواه، وهوى
الحاشية، لا وفق قدرات وطاقة وإمكانيات البشر.
لقد دللت مظلمة الزعامة في عالمنا العربي أنها قادرة على طمس
نور العدالة؛ لأنها تعطي للزعيم صلاحية السمو على القانون وهد أركانه،
ولحاشية الزعيم الحق في التلاعب بمصائر العباد بلا حدود، وبلا محاسبة لما
يعبثون، فهل هذا ما قصده مطلقي تسمية زعيم على الرئيس الفلسطيني المنتخب
محمود عباس؟
ألم ينظروا إلى صناديق الاقتراع التي أعطت للرئيس المنتخب نسبة
متواضعة من الأصوات، وعلى سبيل المثال، فإن الرئيس محمود عباس قد حقق في
محافظة خان يونس على نسبة 30% فقط من أصحاب حق الاقتراع، (وهي بالأرقام
37733 صوتاً، من أصل 128000صوتا) ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يطعن، أو يتشكك
في شرعية وديمقراطية الانتخابات التي أوصلت الرجل إلى الرئاسة، ولو كان
زعيماً لأعطى نفسه نسبة 95% على أقل تقدير، أسوة بغيره من الزعماء، ولكن
الشعب الفلسطيني انتخبه رئيساً لعدد من السنين.
لقد بات واضحاً مرمى أولئك الذين ينفخون في الألفاظ، ويرشون
رماد التسميات على نهج منافعهم؟ وقد سابق أقصاهم أدناهم، وهم يتذللون بين
يدي الرجل، ويلوثون أخمص قدميه، ويلقون بأنفسهم تحت نعال سياراته، وجزء
كبير منهم كان له بالأمس من الكارهين، المرتابين، المُتَهِمين، المشككين!!.
فلم يُسمع عن الشعب الأمريكي أن قال عن رئيسة المنتخب بنسبة
51% الزعيم بوش، ولا في فرنسا، أو حتى في أقصى بلد ديمقراطي، لان شعباً
يصنع المعجزات ويثق بنفسه لا يمكن أن تحتويه عباءة زعيم، ولا يرتضي أن يغطي
إبداعه ببطانية زعيم، ولا أن يصب شلال تضحياته في وعاء زعيم، ذلك لأن الشعب
الذي يذهب إلى صناديق الاقتراع هو نفسه الزعيم الذي يختار رئيساً عليه
لفترة زمنية، ولا يعطي لرئيسه قدسية الأنبياء، ولا يعطي للرئيس تمايز
الأسطورة، إن الشعب الذي يدرك كرامته لا يترك لرئيسه السيادة على القانون
مهما كان، ولا يمكن أن يرتفع رئيس إلى مصاف الآلهة الإغريقية من وجهة نظر
شعب يناضل لكي يصبح ديمقراطياً.
لقد أبدا الإسرائيليون الذين يختارون رؤساء وزرائهم بشكل
ديمقراطي، أبدوا سعادتهم وهم يستمعون إلى التهم المالية الموجهة إلى رؤساء
وزرائهم، وهم في قمة السلطة، كانوا ينتظرون إلى نتائج التحقيق مع إسحق
رابين، ومع بنيامين نتانياهو، ومع أرئيل شارون، ولم يوصف أحد الرؤساء بلفظة
زعيم، ولم يهمس أي إسرائيلي من وراء ظهره بلفظه خائن، رغم أن جميعهم أذاب
عمره، وأفني ذاته في خدمتهم، وأخلص من أجلهم، ولكنهم لم يرفعوه إلى منزله
الملائكة التي تلبس الأبيض، وتسبح بحمد الله، وفي يدها قلم أحمر
للتوقيع!!!!.
|