قيادة الوهم ووهم القيادة
الجيل
الجديد =عر ب 48
ليس
بالجديد على أبي مازن ان ينفذ أوامر مرؤوسيه، فهو من وجهة نظر التصنيف
السياسي، تنفيذي، رجل مرحلة وليس ذلك القائد الذي له ما يميزه كقائد سياسي
أو تنظيمي أو ميداني... إلخ. كما لم يكن له أي ثقل سياسي أو تنظيمي في حركة
فتح، بقدر ما كان له الحظوة لدى عرفات، كونه كان من التنفيذيين المميزين
ولم يظهر أي طموح قيادي متميز، ولم يكن صداميًا، ولذلك لم يخشاه عرفات
يومًا، وهو ما أبقاه حيًا وخارج دائرة الرصد، ولم يتعرض لما تعرض له كل
قيادات فتح، وبخاصة أولئك الذين تمت تصفيتهم بطرق وظروف غامضة، ولم تتضح
معالم وحيثيات تلك العمليات التصفوية التي تعرض لها قيادات أمثال أبو علي
أياد وأبو يوسف النجار وكمل ناصر وكمال عدوان وأبو جهاد وأبو أياد وماجد
أبو شراره.... والقائمة طويلة وما زالت تبحث عن أجوبة.
فتح والقسمة
عندما كان يتحدث قادة فتح ابان اشد الأزمات التنظيمية التي تتعرض لها حركة
فتح، كان يبرز منهم من يصرح ان فتح رقم لا يقبل القسمة على اثنين، ولم أكن
ادري حينها ان الرقم الذي لا يقبل القسمة على اثنين يمكن ان يقبل القسمة
على أرقام تزيد على الاثنين، حتى أصاب فتح ما عانت منه الفصائل الفلسطينية
من تشققات وتشرذم وبعضها كان من فعل بعض قيادات فتح ان لم نقل من فتح
كتنظيم وفعل سياسي. فقد قبلت فتح القسمة على أكثر من اثنين، ومن عمليات
القسمة الرئيسية التي تعرضت لها فتح، فتح المجلس الثوري (جماعة أبو نضال)،
وفتح الانتفاضة، بقيادة أبو خالد العملة وأبو موسى، ومجموعة ناجي علوش التي
أسست تنظيمًا قوميًا على المستوى السياسي والفكري والتنظيمي، وهي الوحيدة
التي خرجت من رحم فتح ولم تحمل اسم فتح، لأنها اتجهت اتجاهًا قوميًا (حركة
التحرير الشعبية العربية). ومع ذلك بقيت حركة فتح التنظيم الرئيس في الساحة
الفلسطينية.
عباس رجل المرحلة
رغم ان عباس كان من أهم منفذي اتفاق أوسلو ومطل على كل التفاصيل، الاّ أنه
لم يكن يشكل معضلة في السياق العام للعمليات السياسية في الإطار القيادي،
ولذلك اختير محمود عباس ليكون الرجل المنفذ لأوامر القيادة السياسية
المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي حركة فتح، رغم ان عملية أوسلو
تمت من خلف اطار م. ت. ف.، ومتجاوزة إطارات فتح التنظيمية والسياسية، وما
كان بامكان عرفات ان يعتمد على رجل تنفيذي أكثر من محمود عباس دون إثارة
أية ملاحظات قد تؤدي إلى إعلان ما، عن العملية السياسية التي تمت في عتمة
أوسلو ومن خلف ظهر الجميع حتى أجهزة أكثر الدول العربية الأمنية
والإستخباراتية.
نجم عباس يلمع في الليل الأمريكي
كم أسلفنا لم يكن عباس فيما غبر من عمر الثورة الفلسطينية له التأثير
المميز، سوى كتابه (القضية أفاق جديدة) وهو كتاب يفصح عن التوجهات الأساسية
لهذا الرجل، ومنذ وقت مبكر، فيما يخص العلاقة مع العدو، ففيه يحتج على
أولئك الذين يرفضون حتى التحدث مع يهود أو مع إسرائيليين، معتبرًا ذلك من
قبيل التجهيل. وبغض النظر عن الشائعات التي تبث ما بين الناس على انه ينتمي
إلى الفئة البهائية، الاّ انه كان من السباقين إلى طروحات فتح حوارات مع
الصهاينة وهو ما أبقاه حيًا في نظر الكثيرين.
وفي عتمة أوسلو، وحسب رأي شاهد على أسرارها، أخذ الأمريكيين يهتمون به،
وعملوا على ترويجه صهيونيًا بعد أن لمع نجمه أمريكيًا وعندها كان محمود
عباس قد فاز بالرضا الأمريكي، حتى كان توقيع الاتفاق في حديقة البيت الأبيض
في واشنطن، تتويجًا لهذا الرضا، وتهيئته لدور مستقبلي، كونه حاز على درجة
امتياز في التنفيذ من جهة ولتزكيته من شخصيات فلسطينية وصهيونية، ولأن
المخابر السيكولوجية الأمريكية كانت قد درسته جيدًا..
شخصية تنفيذية.. لا تحظى بتأييد واسع في تنظيم فتح.. طموحات محدودة..
معتدل.. يميل إلى الحلول السياسية.. لا يميل إلى العنف... إلخ.
إذن فقد لمع نجمه في الليل الأمريكي، وأخذت تراهن عليه ليكون الرجل القادم
ولمرحلة انتقالية بعد نزع أظافر عرفات الذي كرس نفسه زعيمًا بلا منازع. لأن
أمريكا وبنصيحة صهيونية ان الرجل الذي يصلح لمرحلة تنفيذ ما يطلب منه هو
ذلك الرجل الذي تمت تهيئته لخلافة عرفات.. وغمزت لها بالعين الساكنة، وطرحت
في السوق السياسي إسم محمد دحلان. ورغم موافقة أمريكا إلا انها رفضت رأي
حكومة العدو ورأت أمريكا انه لا بد من مرحلة انتقالية لتهيئة الأوضاع لتصبح
ناضجة، ولذلك استقبل كلينتون محمد دحلان في البيت الأبيض على انفراد رغم
وجود وفد فلسطيني وهو مجرد عضو فيه.
دبابة الإصلاح السياسي
عندما وصلت السلطة إلى ذروة أزمتها في تخلي الشارع الفلسطيني عنها، ومواجهة
المقاومة الصلبة للعدو الصهيوني، بتجدد الانتفاضة (انتفاضة الأقصى) والقيام
بعمليات استشهادية، وتم اعتقال عرفات بمقره في رام الله من قبل العدو
الصهيوني، وأخذ بعض الذين كان يعتمد عليهم في سلطته، أمثال الرجوب متعهد
كازينو أريحا، الذي وصل الأمر بينهما حد التلاسن، وصفعه أمام الآخرين، وثم
نبيل عمر الذي قدم استقالته احتجاجًا على الفساد ومطالبًا بالإصلاح السياسي
داخل بنية السلطة وغيرهم.. أخذ هؤلاء بالتخلي الفعلي عن رأس السلطة وان كان
الكلام المعلن غير ذلك.. وكأنهم يعرفون أو أبلغوا أمرًا بما ستؤول إليه
الأمور.. وهكذا حتى تم فرض ما سمي بالإصلاح السياسي، وهو إصلاح معكوس لبنية
السلطة المقلوبة استجابة لمتطلبات العملية السياسية برمتها. وكان عرفات قد
أفلس في تقديم أي تنازل بعد مسلسل التنازلات التي تمت منذ مدريد على الأقل
حتى تاريخ زوبعة الإصلاح السياسي، واذا ما أجرينا عملية مسح بسيطة لما تم
من إصلاح حسب ادعاءات الإصلاحيين فما تم ليس بأكثر مما قاله المثل السائرــ
لعبة طرابيش ــ وفي اللغة السياسية ليس أكثر من لعبة بيادق تغيير بيادق،
تغيير موقع فلان من الوزارة الفلانية إلى وزارة أخرى ، ليوضع مكانه الوزير
الأخر .. وهكذا.. إلخ. وكانت اللعبة الأكثر فجاجة هي فرض محمد دحلان على
التشكيل الوزاري، ولكن إصرار عرفات على استبعاده، تم التحايل عليه، ليأخذ
دور مساعد الداخلية التي يطلع بها رئيس الوزراء، ليصبح أمام مشاغل عباس إلى
وزير داخلية فعلي ان لم نقل أكثر من ذلك، بعد العديد من التصريحات التي
أدلى بها وبخاصة بشأن نزع أسلحة المقاومة. ولذلك يكون ما سميَّ بالإصلاح
السياسي وعلى رأسه محمود عباس قد جاء إلى السلطة على دبابة سياسية أمريكية
صهيونية، وقد أتضح ذلك فيما أفصح عنه مؤتمري شرم الشيخ والعقبة، وما صرح به
عباس في المؤتمرين وما بعدهما.
سلطة وطنية أم سلطة تنفيذية
أي عاقل أو مهتم بالشأن السياسي، يدرك ان معنى السلطة هو ان تمتلك هذه
السلطة لأمر نفسها على الأقل وان تكون لها السيادة على الجغرافيا وما عليها
من بشر .. هل هي كذلك؟؟
ان الإجابة على مجموعة التساؤلات المطروحة في الساح السياسي، يمكننا
تلخيصها ببعض القضايا التي تضع هذه السلطة في مأزق هي ارتضت بها، ووضعت
نفسها داخل قفصها المحكم.. ومنها..!!
أين السلطة من اعتقال رأسها في مقاطعة رام الله.. وأصبح رهينة بيد
الصهاينة، فلا يستطيع الخروج أو التنقل من مدينة إلى أخرى من مدن ومناطق
السلطة التي بالضرورة ان تكون تحت سيادتها، وفي أفضل الحالات يمكننا إطلاق
مصطلح الإقامة الجبرية على رأس السلطة في معتقل رام الله، تمامًا كما إقامة
المناضل أحمد السعدات في معتقل أريحا، باختلاف السجان إسمًا وليس في جوهره.
عدم مقدرة هذه السلطة من حماية الناس التي هي بالضرورة مسؤولة عن أمنها
وحياتها، ونحن نرى كيف يتصرف الهمج الصهاينة إزاء أهلنا في الضفة والقطاع..
أم هي سلطة شكلت بقياسات معينة ومحددة وبمهام معينة، أهمها (ضبط الشارع
الفلسطيني ونزع أسلحته، واعتقال المقاومين.. إلخ) بينما لم نسمع تصريحًا
واحدًا يعلن عن مهمة السلطة في حماية الفلسطينيين من القتل والاغتيال
والاعتقال وتهديم المنازل وتجريف الأراضي وقلع الأشجار، وهل دور رئيس
الوزراء ومعاونه فقط لجم الشعب الفلسطيني.. ؟؟
اذا كانت السلطة ترى ان لا يكون هناك من سلطة أخرى غير سلطتها، ولا من سلاح
غير سلاح شرطتها، أو ليس الأجدر بها أن تتحدث عن سلاح المستوطنين ووجود
قوات الاحتلال!! بدل أن لا تعلن غير تجرؤها على سلاح المقاومة التي لولاها
لما كان هناك من إمكانية أي تحرك، وتحديدًا في قبول العدو الصهيوني، ومن
خلفها أمريكا، عودة المفاوضات حول ما يسمى بخارطة الطريق، رغم كل سوءاتها،
لعدم وجود حسنة واحدة لصالح القضية الفلسطينية، بعد فشل حكومة العدو في
تحقيق أهدافها بتفكيك بنية المقاومة... فكانت النصيحة الأمريكية، بإحالة
هذه المهمة إلى حكومة (الإصلاح السياسي) بقيادة محمود عباس ومحمد دحلان،
مسبق الصنع..!! وبخاصة بعد النازلة الكارثية التي حلّت بالأمة في احتلال
العراق، وما تبعه من صمت للنظام العربي الرسمي المشبوه..
طبعًا هناك الكثير من الأمور التي يمكننا الحديث عنها بهذا الشأن، ولكن
الأمر واضح لدى ألقاصي والداني.. وما أوردناه ليس سوى نقاط قد يكون هناك ما
هو أهم وأكثر مفصلية، ولكن ما نراه من أساسي هو فقدان هذه السلطة من
السيادة على أمرها وأمر ما هي قائمة عليه.. ونعتقد ان ذلك ما هو الأهم من
التفاصيل الكثيرة.
ولذلك هي سلطة تنفيذية، لتنفيذ الاشتراطات الأمريكية الصهيونية، وأول تلك..
هو العمل بجدية وفاعلية لتنفيذ (خارطة الطريق) وحسب التفسيرات والتغييرات
الصهيونية.
استقالة أم إقالة
المتابع للشأن الداخلي لحركة فتح وللآليات التي تتفاعل فيها بنيات الحركة،
يدرك ان استقالة عباس إنما تأتي في سياق إقالة عرفات، والتخلص من ثقله
والأعباء التي أضحى يشكلها هذا الرمز الذي ما دأبت الأوساط السياسية
الأمريكية والصهيونية تحاول التخلص منه ليس لأنه يعترض السياسات الأمريكية
والصهيونية، ولكن كونه لم يعد يشكل الرجل الذي تحتاجه المرحلة، ومن هنا بات
التخلص منه أمرًا ملحًا، لتنفيذ المراحل التي تحتاجها أمريكا لترتيب
سياساتها في المنطقة والمحيط الإقليمي.
وعلى هذه القاعدة تجيء استقالة محمود عباس، وله فيها أهداف أخرى أكثر خطورة
في سياق التخلص من الضغوط والعوائق التي تعيق حركة عباس وتحول دون قدرته
على تنفيذ سياساته التي طالما انتظرها بفارغ الصبر.
التخلص من ثقل عرفات، وتجريده من الصلاحيات التي طالما تمتع بها طيلة عمر
المقاومة المعاصرة.
والتخلص من سيطرة عرفات يعني التخلص من ثقل حركة فتح، والطريقة المثلى
للتخلص من ذلك، العمل على إضعافها، وإضعافها في ضرب قاعدتها، وهو ما هدف
إليه أبو مازن بتقديم استقالته من اللجنة المركزية للحركة، فإذا ما قبلت
استقالته وهو في رئاسة الوزارة، فان المنتفعين من فتح ومن الأزلام سيظهرون
ويطلون برؤوسهم ويلحقون به، وذلك يعني انشقاق الحركة وفي هذه الحالة قد
يسعى إلى تشكيل حزب جديد، وقد يسميه فتح أيضًا، وتبدأ الخلافات التي لا
تنتهي إلا بإضعاف الجميع ليصبح هو الأقوى نتيجة دعم امريكا والعدو الصهيوني
له، واذا لم تقبل استقالته، يكون بذلك حقق مطلبه أيضًا في تقوية مركزه
وإضعاف عرفات، ولوي ذراع فتح وبخاصة أولئك الذين يسببون القلق والهم الأكبر
(كتائب شهداء القدس) أي الجناح العسكري للحركة. وفي كلا الحالتين يصبح عباس
حرًا (مستقلاً) عن المتطلبات والالتزامات التنظيمية، ويلقي بأعباء فتح عن
كتفيه، فلا يحمل عبئها ولا يحمّل فتح أعباء ووزر أفعاله وسلوكه، كي لا يقع
تحت طائلة الإلتزامات السياسية والتنظيمية لحركة فتح وبخاصة الجيل الثاني
الذي لم تلوثه الإمتيازات والمناصب والرشوات والإستزلام ولم تطلهم أيادي
الفساد وسلوكه المعروف.
والاّ لنسأل.. لماذا لم يقدم استقالته قبل ان يتولى رئاسة الوزراء، فالوضع
لم يتغير قبل أو بعد، فكل شيء على حاله، أو لم يكن ليرى كل ما يجري.. أم أن
الموقع فرض ما أقدم عليه.. وفي هذه الحالة فان مصالحه الشخصية تعاظمت لديه
أكثر بكثير من مصالح الشعب والقضية برمتها؟
وكانت الحرب الخفية قد بدأت تعلن عن نفسها بأشكال ومسميات متعددة، بين
الرجلين اللذين أستبقيا من قيادة فتح الأساسية، وآخر هذه الحروب كان ما
أقدم عليه شباب من حركة فتح بضرب قائم مقام جنين واحتجازه لحين يصدر عرفات
أمرًا بإطلاق سراحه، وهو ما كان وهي رسالة واضحة لمن يعتقد ويعتبر. ومن هنا
يأتي السؤال المهم: هل أقدم عباس على تقديم استقالته، أم أنه أقدم على
إقالة عرفات من خلال تجاوزه وهو رهينة بيد شارون، وقبوله حضوره مؤتمري شرم
الشيخ والعقبة؟ وهذه مهمات ما كان عرفات ليتنازل عنها لولا ضعف حاله
وحيلته.
زيارة واشنطن وقيادة الوهم
المحاولات على قدم وساق، ومن كل الأطراف، وبخاصة بعد فضائح وكذب رأسي
القيادة في واشنطن ولندن حول العراق.. وتحديدًا بعد تصاعد المقاومة الشعبية
في العراق وسقوط العديد من القتلى الأمريكيين والبريطانيين بشكل يومي، وعدم
مقدرة أمريكا بكل قوتها وتقنياتها العالية التفوق من شل حركة المقاومة
العراقية، ولا تحديد آلياتها أو حتى معرفة من يقف ورائها، رغم تسميات
العمليات العسكرية والأمنية من عقرب الصحراء إلى ثعبان الصحراء إلى
الإعتقالات الجماعية التي وصل تعدادها الألاف. ولذلك تحضر المحاولات
التعويضية على الجانب الفلسطيني، بتحقيق توازن الفشل في العراق بالنجاح في
فلسطين (بتحقيق نجاح ولو جزئي في العملية السلمية في الشرق الأوسط). وهو ما
أجبر بلير على الإعتراف به في واشنطن عندما قال ان (الإرهاب) لن يتوقف الاّ
بإنجاز السلام في الشرق الأوسط.
محاولة وهم أخرى، مثل كل المحاولات السابقة التي لا يريد العرب الرسمي
وقيادة سلطة الحكم الذاتي المحدود التعلم من هذه التجارب والاستفادة منها،
من مدريد طعم الحرب الأولى على العراق، إلى أفغانستان، وثم الحرب الثانية
على العراق.
وهذا عباس يلملم الأشلاء ويهم بالحج إلى البيت الأبيض، ولا نعرف ماذا ستنتج
هذه الزيارة، ولم يمض على عودة بوش من المنطقة سوى أيام بعد أن تم ترتيب ما
يمكن ترتيبه في المؤتمرين السابقين سيئي الذكر..!! فهل ستكون هذه الزيارة
للضغط على شارون، لقبول ما رفضه من بقايا خارطة الطريق، بمعنى، ان الرافض
لتنفيذ خارطة الطريق هو شارون، فلماذا يستدعى عباس..؟؟ الاّ اذا كان
استدعاء عباس من باب تحريضه بعدم تقديم أية تنازلات لشارون، كون السيد عباس
كان سخيًا في تقديم التنازلات لشارون حسب تقدير وزير إعلامه السيد نبيل
عمرو الذي وصف تعنت شارون بالبخل (وكأني به حسب عاداتنا اذا ما نقص ربة
البيت شيئًا من الضروريات مثل الملح أو السكر أو أي شيء آخر ولديها ضيوف
فترسل لجارتها كي تسعفها ببعض كوب من السكر أو بعض الملح، لترده في اليوم
التالي، فإذا ما كانت هذه ــ القرضة ــ حسب تسميتنا لها، لا تفي بالواجب،
فتصرح بقولها "العمى ما أبخلها") وتذهب مثلاً على بخلها ويقال مثل بخل
فلانه. هذا هو منطق سياسة حكومة الإصلاح، حكومة عباس، وكان عمرو قد قدم
استقالته من حكومة عرفات، وكما يظهر لبخل عرفات..!! فهل سيقدم عمرو
استقالته من حكومة شارون لبخله ؟؟؟
ان زيارة عباس إلى واشنطن هي زيارة الوهم، اذا ما اعتقد انه قد يحصل من بوش
على أي شيء وبخاصة أن بوش على أبواب معركة انتخابية، ومسبقًا نعرف دور
اللوبي الصهيوني في الانتخابات الأمريكية. الاّ إذا كانت أجندة الزيارة
تحمل عناوين خاصة بالجانب الفلسطيني، مثل:
قضية
(الإرهاب)،
تفكيك البنية التحتية للمقاومة،
نزع أسلحة قوى المقاومة،
التخلي عن عرفات والعمل على عزله،
واذا كان
الأمر غير ذلك، فلماذا التفاوض ورئيس السلطة لا يستطيع الحركة، وبامكان
عباس اذا كان صادقًا في توجهه بالمطالبة بالإفراج عن عرفات، أن يرفض أي شكل
من التفاوض إلا اذا ما أُفرج عن عرفات، وأصبح حر الحركة، ولكن.. ولنضع
تحتها خطًا أحمرًا.. إذا ما أفرج عنه ماذا سيكون مصير عباس وصلاحياته
فعرفات كما يقول المثل (مثل الفريك لا يحب شريك)...!!
التخلي عن قضية المعتقلين الذين تتهمهم حكومة العدو بالإرهابيين وارتكابهم
أعمال جرائم حرب ضد المدنيين،
ويمكن فتح ملف طرد قيادات حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى كما فعلت حكومة
العائلة المالكة في شرقي الأردن مع حماس رغم انهم يتمتعون بالجنسية
الأردنية، أو تسليم بعضهم تحت طائلة (الإرهاب)،
عدم فتح أي حوار حول قضايا اللاجئين وحق العودة،
اعتبار القدس من قضايا الحل النهائي،
وقضايا أخرى قد تكون ثانوية ولكنها تقفز لتصبح رئيسية وتدور رحى حرب الكلام
حولها.
وتبقى الزيارة في ظل المعطيات الراهنة زيارة وهم لأنها تفتقد المقومات
الضرورية، فقد قدم عباس سلفًا ما كان يمكن أن يطلب منه، بينما لم تقدم
حكومة العدو أي شيء يحفظ بها ماء وجه المفاوض الفلسطيني التي أريقت في
المؤتمرين المذكورين آنفًا.
وهم القيادة والعباسية المتأخرة
ذكرني وصف سياسة محمود عباس بـ العباسية، في آخر عهود الخلفاء العباسيين،
وقد أخذ منهم الخور والضعف والهوان مأخذًا، حتى صار الخليفة العباسي لعبة
بأيدي بعض رجال العسكر من غير العرب، ودمية بأيدي الجواري، فوصل الأمر إلى
أن أحد الخلفاء لم يدم حكمه لأكثر من يوم واحد، وفقئت عيناه وأصبح متسولاً
ليحصل على قوت يومه.
هل هي كذلك، ان سياق الأحداث لتؤكد ضعف ووهن هذه القيادة، لأنها تفتقد إلى
الشعبية اللازمة لتعزز قوتها التفاوضية من جهة، ولتفرض احترامها على فئات
الشعب من جهة أخرى، إلا انها فاقدة للوجهين، كون ما أفاضوا به حول الإصلاح
السياسي، جاء على غير ما كان يبتغى، ومن كان الشعب والقوى والمثقفين والصحف
تنتقدهم لفسادهم ما زال هؤلاء في السلطة ولم يتغير سوى الطرابيش، أما ما
داخل الطربوش أو تحته فما زال على حاله، بل ازداد سوءًا على سوء. وبخاصة ما
تقوم به هذه الحكومة من مطاردة المقاومين واعتقال بعضهم والعمل على نزع
السلاح من أيدي المقاومين، وازدياد البطالة والفقر والعوز لدى العامة،
وتفشي روح الإستزلام، وتحديدًا عندما أعلن دحلان عن تشكيل قوات شرطة تصل
إلى ما بين 30 إلى أربعين ألفًا. بالإضافة إلى حجم التلويح بتقديم
التنازلات التي تحدث عنها رئيس الحكومة وطاقمه المقرب، المستخلفين للمرحلة
القادمة. ولم يحظ رئيس الحكومة رغم كل التنازلات التي تقدم بها، رضا أو
احترام شارون وموفاز ومن معهما في حكومة العدو. ومع كل ذلك فهي، أي سلطة
عباس تتصرف كونها القيادة الفاعلة والقادرة، ولذلك أقدم على تقديم استقالته
وقرب إليه من لم يرض بهم وعنهم الشعب، ولا حتى المجلس التشريعي، وهذا وهم
يقع به عباس قد يودي به، نظرًا لعدم معرفته بمدى فاعلية هذا الشعب الذي لم
يستطع شارون بكل نازيته من إركاعه وتطويعه، بل وباعتراف الجميع استطاع
الشعب الفلسطيني وقواه الحية وبخاصة قوى حماس والجهاد وكتائب فتح المقاتلة
والتي أعلنت انها قادرة على حماية الشعب والحفاظ على حقوقه التاريخية،
إضافة إلى تخلي الجبهة الشعبية عن تشكيل الرافعة للسلطة كما كانت قبل إحداث
التغيير في البنية التنظيمية والسياسية ومجيء المناضل أحمد سعدات، الذي شكل
اختياره نقلة نوعية في طبيعة هذه البنية التي أجمعت عليه، وأعتقد جازمًا
انها كانت محقة فهو مناضل شعبي لم يعرف الإمتيازات القيادية التي عرفها
البعض واستمرأها، بل جاء من خضم العمل الشعبي والنضالي المباشر والمعتقلات
التي لم تفت من عضده كما الأجرين الذين استجابوا لضغوطات وإغراءات العدو ان
وهم في السجن أو خارجه.
أما وقد أطلنا، نظرًا لأهمية الموضوع وضرورة فتح الملف على كل الأبعاد، فان
تلبس وهم القيادة الذي يسيطر على عقلية البعض، نتيجة ضعف عرفات وعدم قدرته
على الحركة، والذي برأي البعض قد شكل فراغًا، لأنه ليس هناك من يستطيع أن
يشكل القاسم المشترك أو الذي يحظى بقبول كل الأطراف من مراكز القوى داخل
فتح واختلاف اتجاهاتها، على الفصائل الأخرى الفاعلة منها أو غير الفاعلة.
فان هذا البعض يلبس الآن طربوش القيادة التاريخية، رغم عدم الأهلية الشعبية
لهم.
وعليه فان أبعاد الاستقالة ما زال فاعلاً رغم هدوء العاصفة، إلا أن ما تحت
الرماد يوحي بتفجر الوضع في أي لحظة، لأن الإستقالة، إضافة لما ذكرنا في
البدايات، تأتي في اطار خلط الأوراق وبعثرتها، وبخلق أزمة فلسطينية داخلية
عامة، للتلهي بها عما سيجري من اختراقات قاتلة في سياق التفاوض مع شارون
على القضايا الهامة والتاريخية، وضرب التنظيم الأساسي في الجسم الفلسطيني،
حركة فتح.
إذن فالقضية كبيرة رغم التقليل من أهميتها ومحاولة البعض التغاضي عن ترجمة
أبعادها ودلالاتها الخطيرة.
والمطلوب التصدي لها ومحاصرة صانعيها وعدم تمكينهم من التمادي في اللعبة،
حتى لا نعيد الفشل الذي نتحدث عنه سرًا أو جهارًا، وتجربتنا الطويلة تتيح
لنا القدرة على التعاطي معها بقدر من الحزم وعد الميوعة والحسابات الذاتية
التي أوصلتنا إلى ما نحن به وعليه الآن.
وجيه عمر مطر، نحف ــ
1948 ، تموز 2003.
|