القيادة سلوك واعتراف.

الجمعة 24 أيلول 2004

بقلم بكر أبو بكر                                                                        

 

كنت أتحدث مع أحد الأخوان الكرام عن نظريات القيادة المتعددة ومدى انطباقها على الحالة الفلسطينية، فذكرت له ما يقال عن القائد الديمقراطي والقائد الفردي( أو المستبد أو الديكتاتور) وعن النوع الثالث وهو القائد المتسيب أو الليبرالي . فأجابني بسرعة: كلهم فردي ولا أزيد. ولكنهم يتمايزون بشكل الفردية تلك، فمنهم ذاك المتفرد المتسلط الذي لا يقبل نقاشا للقرار لا في مرحلة صدوره أو قبلها أو بعدها ومنهم من يعطي هامشا محدودا ثم يفعل ما يريد، ومنهم من يتلاعب بالكوادر ويوهمهم أنهم في صلب الحدث واتخاذ القرار، ومنهم من ينتزع الموافقة في صيغة تبدو ديمقراطية لا تعترف بالقرار إلا متى ما توافق مع رغباته، ومنهم من يدعي الديمقراطية ويعقد المجالس والاجتماعات (القيادية) ثم يلتقط عبرها ما يشاء من مشاريع قرارات ليصدرها بعلم أو بدون علم الكوادر أو الإطار. وأضاف صديقي المتمكن –لافض فوه- أن منهم من يستبطن القرار ثم يحشد لتأييده بأسلوب الدحرجة أو كرة الثلج وعندما يضمنه قد يتخذه أو يدخره لمرحلة يحتاجه بها لاحقا. وقد عجبت لتحليل صديقي هذا من رواد الحركة الوطنية منذ الكرامة مرورا بالمراحل المختلفة حتى تونس حينها.

وتحادثنا عن مساحة الرأي أو التشاور التي يعطيها -ومنهم من يقول يمنحها- (القائد) (للأتباع) أو(المريدين) أو الأنصار وهي كلها مسميات لا تتناسببرأيي- مع مفهوم المشاركة الثورية في القرار والفعل ضمن الأصول والتراتب والمرجعيات بالطبع، لأن القائد وخاصة الثوري أو الوطني أو السياسي والمجتمعي لا يمنح الآخرين وإنما يلتقط منهم الرأي ويتفاعل مع معطيات الآخرين ويجعل من فكرهم هم خبزه اليومي ومدار تفكره وخلفيات اتخاذه للقرار ضمن الأطر السياسية أو الاجتماعية. كما أن في الأطر الوطنية والثورية لا يوجد أتباع رغم أن كثير من الناس يدينون بالولاء لأمثالهم مما نهى الله عنه حين جعل الحاكمية لله وحده فساوى بين البشر وجعل لكل منهم قدرة وعقلا وإمكانية تمكنه من أن يمتلك رأيا، ومن أن يتمسك به أو يتخلى عنه إذا اقتنع أو وفقا للآليات الديمقراطية، ومن أن يجهر برأيه بالقول نعم أم لا فلا عبودية ولا تبعية ولا استسلام إلا لله. وبذا يصبح كل ما يصدر عن بني البشر قابل للمراجعة والمساءلة والرفض أو القبول مما هو مرتبط بالقوانين والنظم ، باللوائح وأسس اتخاذ القرار تلك التي قد يتفق عليها الكوادر وخاصة ضمن المنظمة السياسية أو تكون متضمنة في الأنظمة.

إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم واحدا، وهذا هو المدخل السليم للمفهوم القيادي فالقيادة تحتاج إلى انتخاب أو اختيار للقائد كما تحتاج قبل ذلك إلى جماعة يتم التفاعل بينها وتركت الحضارة العربية الإسلامية أسس الاختيار أو الانتخاب لقدرة الناس على تحديد أين تكمن مصلحتهم . فهل ضمن مصلحتهم تسييد ذوي العلم أو ذوي النهى أم ذوي الفكر أم ذوي القدرات التنفيذية أو أؤلئك المبدعين أم الخبراء في الشأن العشائري ...وهكذا . مما تختلف فيه أشكال القيادة وفقا للجماعات ووفقا للمجتمعات كل حسب رؤيته وكل حسب مصالحه واحتياجاته -تلك المتغيرة عبر الزمن وحوادثه- ما يستدعي عملية الحراك القاعدي والقيادي . حيث لا قيادة منزهة ولا قيادة غير خاضعة للنظام. ولا قيادة دائمة.

إن القائد ليس موقعا ولا مكانة وإلا لأصبح أي مدير أو شيخ عشيرة أو حراث قائدا ، لأن القيادة قدرة-ضمن قدرات أخرى هامة وقد تكون في مرحلة أو موقف أهم- يحس بها الآخرون وتتملكهم ، يراها الآخرون ويعترفون بها، يدركها الكوادر ويجلونها. وبذا تكون القيادة الحكيمة قيادة بلا استبداد وقيادة بقدرات منظورة لا قدرات قدسية أو لاهوتية أو خفية لصاحب العصمة والقداسة أو خفيف الظل أو القائد الأكرم و(الشعبطاز) الأشرم مالك الدنيا والدين وحامي الأمة والعتبة ومقام الحسين .

إن القيادة قدرات متأصلة على الحث والتحريض والتحفيز للعمل والأداء ، قدرة على استثمار قدرات الآخرين وإخراج أفضل ما عندهم منهم بإرادتهم وعزيمتهم ، ليس بفضل الموقع أو الوظيفة أو السلطة الممنوحة (للمدير-القائد) أو الصلاحيات، وإنما بالأسر والاعتراف أسر القلوب والعقول والاعتراف بالمقابل من( المريدين-تجاوزا هنا) بذلك. قال صاحبي إن التعريف المرتبط بثلاثة دون ما تلاه من تفسيرات يجعل من كافة الأمناء العامين وأعضاء اللجنة المركزية لحركة (فتح) والمجلس الثوري ومن سار على دربهم أو اقتدى بهم ، يجعلهم قادة أفذاذا وفعالين لأن حدود سيطرة وسلطة الكثير منهم لا تتعدى ثلاثة أشياء فقد تكون هو والسيارة وباب المكتب وهذه ثلاثة. وقد تكون هو وزوجته والحارس والسيارة. وقد تكون هو واثنين من المرافقين وحارس رابض كالهزبر على بابه العامر.

وبما أن اللجنة المركزية لحركة فتح كانت محور الحديث الدائر مع صاحبي في تونس منذ مدة طويلة ربما ، وكانت أنماط (أساليب) القيادة مما تم التطرق إليه ما حفزني للبحث في الموضوع وساعدني في ذلك عدد من الأخوة الكوادر الذين قضوا أعمارهم في كنف ممن أصبح يطلق عليهم مجازا (القيادة التاريخية) -وأشك بهذا المصطلح لأن القيادة التاريخية هي قيادة من التاريخ أي هي قيادة أعطتكم أعمارها-لنجد في لمحة سريعة أن منهم من يتحلون بصفات قد لا تمت بصلة ليتخذ أي منهم موقعا متقدما، ولا أقصد هنا اللجنة المركزية وإنما كثير من قيادات الصفوف الأولى حتى الثالث في كافة المنظمات وخاصة السياسية، منها-أي هذه الصفات- ، وللأسف التالي:

-   لا يجتمع على شخصهم إلا البعيد دون القريب لأنه لا يعرفهم ويواليهم انطلاقا من الانتماء للتنظيم، ومن يواليهم ترتبط مصالحه بهم من الراتب إلى المهمة إلى بنزين السيارة إلى شنط الأطفال المدرسية.

-   يتعاملون مع التنظيم=المنظمة كإقطاعية أو مزرعة خاصة أو عزبة سواء في التصرف بالأموال أو اللوازم أو حتى الناس(جماعتي،زلمي،رجالي،عندي

-   يؤمنون بالوحدانية فلا يشركون معهم في القرار أحدا ، وإن أشركوه فلغاية في نفس يعقوب ولمرة واحدة أو لثقة لديهم مسبقة بتوافق الرأي مع ما يضمرون من قرار.

-   يحفزون ويحثون ويدفعون، والأخيرة هي منطلق الحث والتحفيز، أي الدفع والمقصود الدفع المالي! فأقربائهم وحراسهم وخدمهم ومرافقيهم فقدط هم المحفزون دون الآخرين. وإن حصل فضمن قاعدة الانخراط الكلي لهؤلاء في زمرة (آل البيت) حيث يساقون إلى النار زمرا.

-   إن ما يقومون به هو القاعدة، بل والقاعدة الفضلى وما سواها استثناء مرفوض و (خرلمبو).
-  
أنهم يطلبون (أو يأمرون) من الآخرين ولا يعتقدون أنهم بالمقابل ملزمين أمام الآخرين حتى من (أتباعهم) بشيء مما يعدون به، فلا يبنون الثقة ولا يرغبون ، بل يفقدونها ويبنون في المقابل التخاذل والابتعاد ويراكمون الكراهية والتباغض كما يراكمون أسس التحالفات والأحقاد.

-   يتعاملون مع الشخصيات المختلفة ومع الكوادر كأنفار وأعداد وليس كأفكار وكفاءات وقيادات مطمئنين لطبيعة النظام واستقرار اللاديمقراطية في الأطر تلك المستمدة من ماض تليد مكذوب أو سري أو عائلي ، ما يبقي المتعفن ويتجاوز الطيب.

كنت متشككا برأي صاحبي واستخلاصات عدد من الكوادر ممن عاصروا (الرواد) حتى تجولت في أصقاع العالم ورأيت في الأطر القيادية في الأقاليم والساحات ما أطلق صاحبي والآخرين وصفه على قيادة عليا، حيث رأيت في الأواسط من القيادات نفس النماذج والصفات .

إن القيادة ليست مركزا أو موقعا أو وظيفة، وليست بدلة وربطة عنق، أو صوت عال أو لسان زلق أو شتام، وليست صورة تلفزية ووجه متجهم أو ضحوك وليست حرف يسبق الاسم أو رتبة. وإنما مجموعة من الأفكار والسلوكيات والتصرفات تلك التي تسم هذا بالشفافية وذاك بالمرونة، هذا بالصدق وذاك بسعة الصدر، هذا بالفكر وذاك بالتعقل، هذا بالرحمة وذاك بالعدل، هذا بالكرم وذاك بالاحترام لرأيه وللرأي الآخر، هذا بالرضا والمشاركة وذاك بنظافة اليد واللسان والفرج، أو بعضها أو كلها من السمات المرتبطة مع العلم والعدل والقدرة والحكمة والسلامة النفسية والعصبية.

وهي أيضا اعتراف وإقرار يناله القائد من الكوادر طوعا، ويتحقق عبر اللسان والإيماءة وعبر اقتران الأداء بالشعور بمناخ من الراحة وإمكانية العطاء المتواصل

(موقع فلسطين)

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع