هل لفتح قيادة واحدة ، بقرار
واحد ؟! |
رشاد
أبوشاور/ الجمعة
26 أيّار 2006
أسئلة كثيرة تشغل بالي منذ ما بعد ( أوسلو) ، وبروز ما سمّي بالسلطة ،
ازدادت إلحاحاً بعد (محاصرة) الرئيس عرفات ، وظهور الصراع علنيّاً على
وراثته ، ووضع اليّد على قرار حركة فتح ، والهيمنة على قيادة السلطة .
بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعيّة والتي منح فيها شعبنا الفلسطيني في
الضفّة والقطاع ثقته لحركة حماس، بهتت قيادات فتح السلطويّة ، وردّت بشكل
عصبي ، عدواني ، استفزازي ، على خيار الشعب الفلسطيني ، فقد سمعنا محمد
دحلان وهو يصرّح بأنه من العار على فتح مشاركة حماس في حكومة وحدة وطنيّة
، أمّا السيّد أبو الأديب الزعنون رئيس المجلس
الوطني الفلسطيني ، والذي زار الكويت مع رئيس السلطة أبومازن بعد
الانتخابات التشريعيّة الفلسطينيّة ، فقد صرّح للصحافة الكويتيّة بأنه لا
يوجد رجل من رجالات فتح يقبل بأن يكون الثاني بعد رجل من حماس ! ( وزّع
الزعنون على أعضاء المجلس الوطني المتواجدين في عمّان صورة من المقابلة ،
واشتبكت معه في الجلسة بحضور مراسلي الصحافة العربيّة والفضائيّات ) .
لم نسمع أن قيادة فتح ، لجنتها المركزيّة ، وأطرها القياديّة في الأقطار
العربيّة ، والساحات الخارجيّة ( بما فيها ساحة الصين ، والهند ، وروسيا
...) _ مصطلح الساحة قديم ، وفتح تطلقه على تنظيمها بحسب البلد ! _
اجتمعت وناقشت مجريات الانتخابات ، ونتائجها ، وأسباب هذه النتائج ،
وكيفيّة التعامل معها ...
أوّد أن أعود إلى السؤال الهّام جدّاً ، والكاشف لواقع حال فتح ،
وللمخاطر التي تتهدّد الشعب الفلسطيني ، والقضيّة الفلسطينيّة : هل توجد
قيادة لفتح ، تتفاعل مع الأطر التنظيميّة للحركة ، وتنقل توجهاتها بعد
بلورتها إلى الشعب الفلسطيني ، قيادة تقود فتطاع ، قيادة مركزيّة قرارها
ينفّذ بعد أخذه ؟!
دعوني أذكّر بأن ما بقي من اللجنة المركزية ، القيادة المؤسسة (
التاريخيّة ) لحركة فتح ، هم ثلاثة فقط : ـ أبواللطف ، أبومازن ، أبوماهر
غنيم ، وهؤلاء بينهم إثنان مختلفان ، هما أبو اللطف وأبومازن ، والصراع
بينهما معلن ، وتتناقله الصحافة ، والفضائيات ، ومنشور في بيانات ،
ومقابلات صحفيّة ...
أعضاء اللجنة المركزيّة غير التاريخيين ، أمثال هاني الحسن ، قريع ،
محمّد جهاد ، عبّاس زكي ، ومن أضيفوا بعد أوسلو : صائب عريقات ، الآغا ،
لم يتمكّنوا من تشكيل قيادة ، واستمدّوا قوّتهم من عرفات ، وبقدر تقريبه
لأي واحد منهم ، أو نبذه ...
كان عرفات هو القيادة : اللجنة المركزيّة ، القائد العام ، رئيس اللجنة
التنفيذيّة ، رئيس السلطة ، المسؤول المالي مطلق الصلاحيّة ..الخ ، وما
بقي من ( قيادات ) فهم ليسوا سوى منفذين ، أو مستشارين ...
بعد أوسلو ، وبروز السلطة ، أسست أجهزة الأمن ، وباتت بسرعة قصوى هي
السلطة من حيث تحكّمها بحياة الناس ، والدعم الذي ظفرت به من عرفات ، وما
سمّي بالتنسيق مع الجهات الأمنيّة الأمريكيّة و( الإسرائيليّة ) ، وهي
تبعيّة وليست تنسيقاً ...
تلقى ( قادة) الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة دورات قيل أنها تدربيّة في
أميركا ، على أيدي ضبّاط الCIA
، وزوّدوا بشبكة أجهزة تقنيّة تربطهم بزملائهم في الموساد ، ومن هنا
استمدّوا قوّتهم ...
أجهزة أمنيّة في وطن غير محرّر ، لشعب مقاوم ، بعض أبنائه وبناته يحملون
السلاح ويقاتلون ( وفي مقدمتهم أبناء وبنات فتح ) ، مهمتها رسمت ، ولم
تكن أولوياتها حماية أمن
الوطن والمواطن!
من يرغب في معرفة دور هذه الأجهزة يمكنه العودة إلى اتفاقات أوسلو ،
وملحقها الأمني
_ الفضيحة ، ليرى كيف رسم دور السلطة وأجهزتها .
في مناطق السلطة ، وهي سلطة بلا سيادة ، حرصت الأجهزة ممثلة بقادتها ،
على تقديم نفسها بما يرضي أميركا وشريكتها في السلام ( إسرائيل) .
تورّمت أجهزة الأمن ، ودبّت الصراعات بين رؤوسها على الامتيازات _ صراعات
الرجوب / دحلان _ والاستئثار بالميزّات ، والمكاسب ، ونيل الرضى ، وبات
بعض هؤلاء هم مراكز القوة ، وبخّاصة بعد احتجاز الرئيس عرفات في المقاطعة
برام الله .
لم يخضع هؤلاء لأوامر قيادتهم السياسيّة ، لأن هذه القيادة لم تعد موجودة
، هي التي استمرأت مصادرة قراراها من ( عرفات) ، والتي لم تعمل على بناء
تنظيم فتح في أماكن تواجد الشعب الفلسطيني ، واكتفت بالوجاهة ، والتزلّف
للقائد الرمز الذي اختصر كلّ الصلاحيات في شخصه ، وأمسك بكّل الخيوط بين
أصابعه ...
يجب أن لا تغيب عن بال أي مواطن فلسطيني ، فصول الصراع بين عرفات وأبي
مازن على الصلاحيّات ، واضطرار أبومازن للاستقالة من رئاسة الوزراء _
يمارس أبومازن مع الحكومة ( الحماسيّة) المنتخبة شرعيّاً ، نفس ممارسات
عرفات ، ويمعن في الاستعداء عليها عربيّاً ودوليّاً _ وانقلاب قادة
الأجهزة على رئيسهم ( الأب القائد) كما كانوا يصفونه ويخاطبونه بعد أن
أغرقهم ب( نعمه) مالاً ومناصب ...
رحل عرفات مسموماً ، فأداروا ظهورهم لجثمان الأب ، ولم يتّهموا القاتل
الحقيقي _ الاحتلال ، وشارون ، وإدارة بوش التي أباحت حياة عرفات ،
وباركت سجنه وحصاره _ وانهمكوا في الصراع على ( الوراثة) . عندما نصّب (
أبومازن) رئيساً ، روّج بعض قادة الأجهزة أنه ليس سوى ( مرحلة) وأنه رئيس
لفترة محدودة ...
أين قيادة حركة فتح ، الحركة التي تقود الشعب الفلسطيني ، وهل هي
موجودة ، ومن هي؟
كل هذه الأسئلة وغيرها توصلنا إلى نتيجة لا لبس فيها : لا توجد قيادة
مركزيّة لحركة فتح ، فالقادة التاريخيّون الثلاثة لا يجتمعون ، واللجنة
المركزية ما بعد التاريخيّة ، لا يجمعها جامع ، والصراعات على المكاسب ،
والمواقع بين أعضائها ، والتقلبّات في المواقف السياسيّة يتندّر بها
شعبنا ...
قيادة فتح الفاعلة ، هم قادة الأجهزة الأمنيّة ، وهؤلاء هم الذين يحرّضون
قواعد فتح بإثارة العصبويّة ، والحقد ، واللعب بالسلاح ...
ولنتذكّر أن أجهزة الأمن هذه ، وقياداتها ، قد وجدت بعد أوسلو ، وأن
الفلتان الأمني ، واستباحة حياة الفلسطينيين في الضفة والقطاع ، استشرت ،
وأن هؤلاء لم يضعوا حدّاً للفلتان ، ولم يصونوا الأمن ، ولا قاموا
بواجبهم
الوطني
، وهنا نستذكر مشهد اقتحام جيش الاحتلال لقلعة الأمن الوقائي في رام الله
، والاستيلاء على الرشاشات الثقيلة ، والاربيجيهات ، والملفات الأمنيّة ،
وأسر المعتقلين الذين كانوا في زنازين جبريل الرجوب !...
في المشهد ، على الفضائيات ، نسمع ونرى : الرجوب ، دحلان ، والمشهراوي
..فأين قيادة فتح ، أين صوت التنظيم ، أين اللجنة المركزيّة ؟
رّد فعل ( فتح) على نتائج الانتخابات التشريعيّة ، وخيار الشعب الفلسطيني
، هو رّد أمني ، فلا تحليل سياسي ، ولا إعادة نظر في واقع الحركة ، ولا
تأمل في الأسئلة المطروحة ...
ماذا يريد هؤلاء بردّهم الأمني ، بتحشيد الأجهزة ؟ بتسليحها ؟ على أين
يغامرون بشعبنا وبقضيتنا ؟
هل يمكن لقواعد فتح أن تستيقظ وتستعيد قيادة الحركة ، ودورها ، وتجددها؟!
ثمّ أطرح هذا السؤال على أبناء وبنات شعبنا ، وعلى المثقفين بخّاصة : هل
الصراع هو بين حماس وفتح ، أم أنه بين شعبنا وقواه الحيّة وبين الخارجين
على خياره ؟!
|