وثيقة الأسرى وقميص عثمان!!
بقلم: سعيد دويكات
يبدو أن كل شيء في عالم السياسة قد أصبح مباحاً، وأصبح من البراعة السياسية استخدام. الرموز النقية كأدوات لتحقيق الأهداف أو سلالم للوصول إلى بعض الغايات.
مقدمة لا بد منها عند الحديث عن وثيقة الأسرى وما تتعرض له من (مزايدات إعلامية) عبر مختلف وسائل الإعلام حيث يزج فيها باسم الأسرى بصورة غير لائقة تنبعث منها رائحة (تسجيل المواقف)، وإلا فما معنى التباكي على الأسرى الآن وتذكر أنهم الفئة الأنقى والأطهر- وهم كذلك – في مجتمعنا!! ولذا فإن من الخيانة العظمى لله وللوطن والتاريخ عدم اعتماد وثيقتهم لأن فيها الخلاص!!! ومن لا يرها أساساً واحداً ووحيداً فإنه لا يريد الخلاص للشعب، ولا يحب الأسرى ولا يقدرهم!!
هجوم إعلامي غير مسبوق يجتاح الفضائيات والإذاعات والندوات، حول أهمية وثيقة الأسرى وفضيلة إجراء الاستفتاء عليها!!
هل هذا كله حب ووفاء ومعرفة لقدر الأسرى؟! وأين كان هذا الحب والتقدير حين ترك الأسرى رهائن (لحسن النوايا الإسرائيلية)!!
بل أين هذا التقدير (وملفهم غائب أو مغيب)عن أجندة المفاوضات – وبعضهم قد شارف على عامه الثلاثين في الأسر، وكثير من الناس حتى لا يسمعون بأسمائهم!! ناهيك عن الأطفال والنساء والمرضى والرضع.
من أراد أن يكرم الأسرى – حقاً- عليه أن يضعهم في سلم أولوياته، لا أن يغفلهم من حساباته أو لا يذكرهم إلا حين تسجيل المواقف.
إن ما ندعو إليه اليوم هو الارتقاء بالأسرى ومواقفهم فوق الاعتبارات المصلحية والمناكفات السياسية. فوثيقة الأسرى - على أهميتها – وخصوصيتها تبقى محاولة طيبة وجهداً مشكوراً من بعض الأخوة الأسرى لرأب الصدع بين إخوانهم، وإيجاد أرضية التقاء بينهم، ولكن الأمر المؤكد أن هذه الوثيقة لم تعط الوقت الكافي للبحث والتعمق، ولم تتوفر لها أجواء الاتصالات اللازمة والتشاور والالتقاء وتبادل وجهات النظر والتوسع في وضع وبحث نقاط الخلاف والاتفاق الذي يلزم ويناسب وثيقة على هذه الدرجة من الأهمية والحساسية، وذلك بفعل القهر والخنق الصهيوني وقطع أو تعطيل وسائل الاتصال.
من المؤسف أننا لا نزال نتعامل – أو على الأقل جزء منا - بعقلية الفرض والإملاء ويتعامل مع الأشياء بمفهوم الانتقاء، وحتى بنظرته للحوار يرى أنه لا فائدة فيه إذا لم يحقق كل ما يريد!!
أمام هذا الواقع فإنني – كواحد من أبناء هذا الشعب - أرى أن التعامل مع وثيقة الأسرى قد أخذ أبعاداً ربما لم تخطر ببال الأسرى عند صياغتهم للوثيقة، وأولها قضية الاستفتاء التي يثور حولها ألف سؤال وسؤال، حول توقيت الطرح، والذي يبدو كأنه محاولة لاستغلال مضاعفات الحصار للتأثير على الحكومة؟!) وإذا كان رأي الشعب محترماً إلى هذا الحد لماذا لم يؤخذ رأيه في قضايا أكثر أهمية وحيوية؟! لماذا لم يؤخذ رأيه في اتفاق أوسلو مثلاً؟؟ وما تبعه من مفاوضات وتنسيق أمني كارثي؟! لماذا لم يعرض ما جرى في سجن أريحا على الناس ليقولوا رأيهم فيه، ولم تشكل حتى لجنة تحقيق- سوى اللجنة التي شكلها المجلس التشريعي– .. أمور كثيرة أكثر أهمية ومصيرية من وثيقة الأسرى – على أهميتها – لم يتطرق أحد من دعاة الاستفتاء إلى مجرد ذكر الاستفتاء فيها!!
يبدو واضحاً للعيان أن وثيقة الأسرى – قد انحرفت بوصلتها لغير الجهة التي أرادها الأسرى الأبطال أن تتجه إليها، أرادها الأسرى للوحدة فتحولت إلى أداة للابتزاز السياسي، ووسيلة للضغط على الحكومة ومحاولة لنزع الشرعية الشعبية عنها، وذلك – بقصد أو بغير قصد - من خلال استغلال الأوضاع المعيشية السيئة للناس، إذ ربما يفكر البعض أن للجوع دوراً في تغيير القناعات!! ومن المحزن أن نصل إلى هذه الطريقة من التفكير، وكذلك فإن هذا الاستفتاء يعني تجاهل أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني يعيشون في الخارج، وحرمانهم حتى من فلسطينيتهم. عدا عن أنه لا قيمة له لأنه مسبوق باستفتاء انتخابي كبير!!، اللهم إلا إذا كان الغرض منه ضرب الاستفتاء السابق.
والذي يبدو جلياً أن الحكومة الفلسطينية أصبحت حقل تجارب لشتى أنواع الحصار، وها هي تتعرض لنوع جديد ومبتكر اسمه (الحصار من خلال الحوار).
نابلس – فلسطين