تخريب
الأمن الداخلي الفلسطيني
البروفيسور عبد الستار قاسم
13/حزيران/2005
من أعظم
المصائب التي تحل بالشعب الفلسطيني هي أن يشعر المرء أن أمنه الشخصي
وممتلكاته الخاصة مهددة؛ أن يشعر أن هناك من يمكن أن يقتله أو يعتدي عليه
بالضرب أو يدمر ممتلكاته، أو أن تصيبه رصاصة طائشة. هذا ما يسببه الآن
الزعران والجواسيس الذين يطوفون بأسلحتهم شوارع قرانا ومدننا يعربدون على
الناس ويشيعون الخوف والرعب في نفوس المواطنين.
يخشى
الفلسطيني الآن الكلام فيما قد لا يعجب أحد البلطجية، ويخشى أحيانا
المطالبة بحقه حتى لا يهدده المسلحون، حتى أنه لا يقوى على إطلاق زامور
السيارة لتنبيه سائق يقف وسط الشارع خوفا من السحل أو كسر العظام. تنظر إلى
مدننا، خاصة في نابلس ورام الله فترى أناسا يتراكضون هلعا لأن عصابات
البلطجية تتخاصم بالسلاح، أو لأن مسلحا يصفي حسابه مع آخر كان قد نظر إليه
بطريقة لا تعجبه، أو لأنه لم يشارك في إضراب حزنا على شخص مات بسبب سُكْره.
من هم
هؤلاء الذين يخربون الأمن الداخلي الفلسطيني. إذا تتبعناهم نجد أنهم إما
أفراد في الأجهزة الأمنية، أو من الذين يتقاضون رواتب من السلطة، أو من
أصدقاء السلطة وأقربائها وأنسبائها. لا نرى من بينهم من عامة الناس أو من
الفصائل الفلسطينية الأخرى. وقد كان من الواضح عبر سني عمر السلطة
الفلسطينية أنها تتعمد السكوت عن هؤلاء وربما دعمهم وتشجيعهم من خلال المال
وتسهيل نقل السلاح. وواضح أن هناك قادة في أعلى المستويات مشاركون، بل
ويرعون هذه الظاهرة الخطيرة.
حاولت
إسرائيل على مدى سنوات الاحتلال أن تشيع عدم الأمن من خلال التدهور
الأخلاقي، لكنها فشلت إلى حد كبير. أما السلطة فنجحت بامتياز في إشاعة
الفساد والفوضى والاستهتار بنفوس الناس وممتلكاتهم. وإذا كان هناك من يظن
أن هذه الأعمال صادرة عن مجرد جهلة فهو جاهل مخطئ. هذه الأعمال الإجرامية
لا تصدر إلا عن عملاء وجواسيس لإسرائيل وأمريكا يعرفون ما يصنعون. إنهم
يضعفون شعب فلسطين بهدم معنوياته، ويقودونه نحو الكفر بالمبادئ الأخلاقية
والقيم الإنسانية، وبالوطن والمواطنين. من الممكن أن يخطئ الإنسان لكنه
يعدل من سلوكه مع النصيحة، لكن هؤلاء يمعنون في الخطايا، ويصرون على تدمير
الشعب الفلسطيني.
أين
الحل؟ يكمن الحل أولا وقبل كل شيء في وقفة الناس الشجاعة. إذا أصر الناس
على جبنهم وتوارى كل شخص تحت شعار "يسلم راسي ما تم ولا راس" فلن يسلم رأس
أحد. نحن الآن ندفع ثمن أنانيتنا، وثمن عدم الالتزام بالمصلحة العامة، وثمن
الإيمان الضعيف. على الناس، ومن واجبهم الديني والوطني والأخلاقي، أن يقفوا
بجرأة في مواجهة الزعرنة ورعاتها.
ومن
ناحية أخرى، يجب حل الأجهزة الأمنية الموجودة حاليا عدا جهاز الشرطة. من
المطلوب توفير أعمال لأفراد الأجهزة الأمنية من أجل أن يكونوا منتجين. وإذا
كان هناك من يعترض فأنا أريد أن أعرف ما هي الخدمات الأمنية التي قدمتها
هذه الأجهزة للشعب. جهاز الشرطة يستطيع الحفاظ على الأمن المدني الفلسطيني،
لكن شريطة أن تكون قياداته في هذه المرحلة التاريخية من المستقلين والفصائل
الفلسطينية المعارضة. ويبقى في ظل الاحتلال:
السلاح العلني سلاح خائن
|